الإساءة إلى الأديان في سياق حرية التعبير
بقلم: الأستاذ/ محمد سيد أنور
إن حرية التعبير والرأي يعد حقا مكفولا لكل إنسان، وإن حرية التعبير ليست محظورة وإنما مكفولة لكل إنسان وفقا للمبادئ الدولية ولكنها تقف عند إيذاء مشاعر الآخرين والاعتداء أو الإساءة لدينهم.
إهانة الأديان والمعتقدات إذا بلغت حد الاعتداء والأذى المتسبب إلى معتنقين الديانة فإنها تمثل جريمة يعاقب عليها القوانين الدولية والمحلية، وإن حرية الرأي والتعبير تخرج من مضمونها وحيزها حين أن تسبب ضررا أو أذى للغير ولا تعتبر حرية تعبير، وإنما هي مهاجمة للغير ضد معتقداته التي آمن بها .
الاعتداء على حرمة الدين ليس الأول من نوعه في فرنسا وإن السوابق القضائية الفرنسية بها العديد من دعاوى تتعلق بجرائم ازدراء الأديان سواء المسيحي أو المسلم وأن قديما كان بعض الكتاب ينشرون روايات تنتهك حرمات الأديان ثم تطور الأمر إلى الوصول لأفلام لا تليق بالمقدسات وبنبي الله عيسى وكان تارة ما ينصر القضاء الفرنسي هذه القضايا وتارة ما يجدون ما يبرره لتلك الأعمال واعتباره من حرية التعبير.
ولذلك فإن أغلبية القوانين المحلية لمعظم الدول تحظر ازدراء الأديان والمعتقدات والشرائع للحفاظ على السلام والمحبة بين الشعوب، ومن ناحية أخرى حرص المجتمع الدولي على إقرار تشريعات دولية وعالمية تحظر الإساءة إلى الأديان أو إهانتها وأن حرية الرأي غير مقبولة عند مهاجمة عقائد وعبادات الآخرين وقد رسخت الاتفاقيات الدولية المتعددة مبادئ حرية العقيدة وإقامة الشعائر ونبذ العنف والصراعات الدينية، ونادت كثيرا بأهمية التعايش السلمي بين مختلف الديانات والأعراق دون تمييز أو عنصرية.
إن ما يشهده العالم اليوم من انتهاكات وازدراء للأديان وإساءات من رسوم وأفلام مسيئة الى الرسول الكريم هي بمثابة انتهاك صريح للدين الإسلامي ويعد انتهاكا للاتفاقات الآتية :
1- الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ( ECHR )
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( ICCPR )
3- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR )
وقد رسخت المحكمة الدولية الأوروبية لحقوق الإنسان ((ECHR عدة مبادئ في الإساءة إلى المعتقدات الدينية أو رموزها في قضايا عديدة مما يؤكد فكرة أن مبدأ الإساءة إلى الدين غير مقبولة دوليا وقانونا وتعتبر انتهاكا.
كما نصت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) في المادة 10 على حرية التعبير وأنها حق مكفول لكل إنسان ولكن شريطة وضع القيود الإجرائية.
المادة 0 “1- لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقى وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية، وذلك دون إخلال بحق الدولة في تطلب الترخيص بنشاط مؤسسات الإذاعة والتلفزيون والسينما.
2- هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات. لذا يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية، وشروط، وقيود، وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي، لصالح الأمن القومي، وسلامة الأراضي، وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة، وحماية الصحة والآداب، واحترام حقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار، أو تدعيم السلطة وحياد القضاء.”
أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أحكامها وتصريحاتها أن كلما كان التعبير في موضع نقاش فكرى ديمقراطي يطرح مسائل تهم المجتمع فانه محمى بحقوق حرية التعبير بموجب المادة ١٠ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، و كذلك شددت في أحكامها على أهمية وضرورة التسامح بين المجتمعات والشعوب وتقبل الشعائر ومعتقدات الأخرين، في حين أن الدولة ملتزمة كل الالتزام بالحماية للمواطنين بممارسة شعائرهم و معتقداتهم في نطاق يسوده السلام والحرية باعتبار أن لكل فرد الحرية في اختيار عقيدته وممارسة شعائر ديانته والحفاظ على روح التسامح المتبادل بين الأفراد وتقبل رفض البعض لمعتقدات الأخرين وأن الدولة ملتزمة بضمان التمتع السلمى.
ويظل السؤال هنا هل الإساءة إلى الأديان ورموزها تعد من حرية التعبير وفقا للقواعد الدولية؟
في هذا المقال نجيب عن هذا السؤال ببعض القضايا التي تسببت في انتهاكا فعليا للعقائد والأديان تحت ستار حرية التعبير بقضايا فعلية من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ECH
1- ادعاء امرأة على الرسول محمد بزواج القاصرات”PEADOPHILIA”
E.S V AUSTRIA
في 2008 عقدت امرأة نمساوية ندوات بعنوان (معلومات أساسية عن الإسلام) توصف فيها الرسول محمد بأنه له ميول جنسية للأطفال ” pedophile” ناقشت فيهما الزواج بين النبي محمد وفتاة تبلغ من العمر تسع سنوات تدعى عائشة، وقالت أيضًا إن محمد “كان أمير حرب، وكان لديه العديد من النساء، على هذا النحو، وكان يحب أن يفعل ذلك مع الأطفال”، وأن الرجال المسلمين يرون محمد على أنه “الرجل المثالي، والإنسان المثالي، والمسلم المثالي”، وأن محاولة الاقتداء به تعني أن “المسلمين يدخلون في صراع مع الديمقراطية ونظام قيمنا”
حررت ضد تلك المرأة اتهام جنائي بموجب القانون النمساوي بتحريضها على الكراهية وأدانتها المحكمة الإقليمية بفيينا بموجب مواد القانون النمساوي بشأن “تحقير العقائد الدينية”، تمسكت المرأة بدفاعها أن ما صرحت بها هو حقها في “حرية التعبير”، رأت المحكمة أن “التدخل في حرية المرأة في التعبير يشكل إدانة جنائية كان له ما يبرره”.
وقصت المحكمة الإقليمية بالحُكم عليها بدفع غرامة قدرها 480 يورو وتكاليف الإجراءات.
استأنفت المرأة حكم المحكمة الإقليمية زاعمه أن تصريحاتها ذات حقائق موضوعية وليست أحكامًا قيمة لأنها أشارت إلى وثائق تاريخية ذكرت أن محمد قد مارس الجنس مع طفلة وأنها لم تكن تنوي الاستخفاف بمحمد، وأن تصريحاتها تعد من حرية التعبير ومحمية بموجب المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
رفضت محكمة الاستئناف في فيينا استئناف المرأة، وأشارت أن تصريحات المرأة لم تكن استفزازية فحسب، بل كان القصد منها “هجومًا مسيئًا على نبي الإسلام”، وأنه “تم تجاوز الحدود المسموح بها عند انتهاء النقد وبدء الإهانات أو السخرية من معتقد ديني أو شخص يرمز للعبادة”.
ثم استأنفت المرأة أمام المحكمة العليا التي رأت أيضًا أن إدانتها كان تقييدًا مبررًا لحقها في حرية التعبير، وشددت المحكمة العليا على أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان شددت على أنه “في سياق الدين، يقع على عاتق الدول الأعضاء واجب قمع بعض أشكال السلوك أو التعبير التي تسيء دون مبرر للآخرين وتدنس”.
ثم لجأت المرأة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بحجة أن إدانتها الجنائية كانت انتهاكًا لحقوقها في التعبير بموجب المادة 10.
رأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن المحكمة الإقليمية قد وازنت مناسب بين الحق في حرية الدين والتعبير من خلال إدانة امرأة “بتهمة تحطيم المذاهب الدينية”، ادعت المرأة إن حقوقها بموجب المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان قد انتهكت، واستنادًا إلى مبدأ هامش التقدير، قضت المحكمة بأن المحاكم المحلية كانت على حق في التأكيد على أن التدخل في الحق في حرية التعبير له ما يبرره لحماية التعايش السلمي بين الأديان المختلفة في المجتمع.
2- الإساءة لنبي الله عيسى عليه السلام وانتهاك الدين المسيحي:
WINGROVE V. UNITEDKINGDOM
كتب مخرج بريطاني سيناريو وأخرج فيلما بعنوان “رؤى النشوة” عام 1989 فيلم قصير مستمد من كتابات وحياة القديسة “تيريزا أفيلا”، الراهبة الكرميلية في القرن السادس عشر، أظهر جزء من الفيلم جسد المسيح الجريح ملقى على الأرض حيث قبلت القديسة تيريزا لأول مرة الندبات في قدميه قبل أن يتحرك على جسده ويقبل أو يلعق الجرح في جانبه الأيمن من جسده، ثم تجلس إلى جانب المسيح ويحتوي على مشاهد مثيرة للمسيح.
قام مخرج الفيلم بتقديمه المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام لإصدار شهادة تصنيف وتم رفض طلبه أن المحتوى الفيلم ينتهك القانون الجنائي من حيث مسائل الازدراء والبذاءات المتعلقة بالمسيح وخلصت لجنة أن الاستئناف التي أيدت رفض إصدار شهادة التصنيف، أن المحتوى العام للفيديو غير لائق وأن تصوير المسيح كمشارك في الرغبة المثيرة للقديسة تيريزا “من شأنه أن يثير غضب مشاعر المسيحيين”.
أيدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ECHR، رفض مجلس إدارة الفيلم إصدار شهادة تصنيف لفيلم متهم بالازدراء ووجدت أنه لا يوجد انتهاك للحق في حرية التعبير. وعللت المحكمة أن التدخل منصوص عليه بشكل صحيح بموجب القانون وتسعى إلى تحقيق هدف مشروع يتمثل في حماية العقيدة المسيحية من التعبيرات التي تشير إلى الازدراء.
كما قضت بأن التدخل ضروري في مجتمع ديمقراطي بالمعنى المقصود في المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتلك القضايا ليست الوحيدة بالمحاكم الدولية وإنما هي من ضمن عدة قضايا تنتهك الدين الإسلامي والمسيحي وتسئ الى رموزهم.
ويعمل المجتمع الدولي على الحفاظ على السلام بين الشعوب والديمقراطية وعدم إيذاء مشاعر الآخرين بازدراء أديانهم ومعتقداتهم، لذلك فإن الانتهاكات غير مقبولة قانونا على المستوى الدولي وأنها بعيدة كل البعد عن حرية التعبير ويجب نبذ التعصب واحترام الأديان ورموزها لضمان تعايش سلمي وهو ما نأمل أن نراه قريبا بين الشعوب.
مرفق بعض أسماء لقضايا دولية تسئ إلى الأديان ورموزهم للاطلاع :
1- E.S V AUSTRIA
2- WINGROVE V. UNITEDKINGDOM
3- I.A V. TURKEY
4- Giniewski v france
5- Otto-Preminger-Institut v. Austria
المصادر:
1- https://www.echr.coe.int/documents/convention
2- EUROPEAN COURT OF HUMAN RIGHTS
3- https://globalfreedomofexpression.columbia.edu/
4- https://www.strasbourgconsortium.org/