«الإدارية العليا»: يجب اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات المختصة قبل رفع الدعوى

أصدرت دائرة توحيد المبادئ بمجلس الدولة حكمًا بشأن مدي قبول الدعاوي التي ترفع ابتداء إلي المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها وذلك إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى.

جلسة 3 من ديسمبر سنة 2022

الطعن رقم 39225 لسنة 66 القضائية (عليا)

بالجلسة المنعقدة علنا برئاسة السيد الأستاذ المستشار / عادل فهيم محمد عزب

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. محمد ماهر أبو العينين حسنين حمزة وأحمد محمد حامد محمد حامد وسعيد عبد ربه علواني خليف ومنير محمد عبد الفتاح غطاس وعادل سيد عبد الرحيم حسن بريك وسعيد سيد أحمد القصير وفوزي عبد الراضي سليمان وعطية حمد عيسى عطية وأسامة يوسف شلبي يوسف ومحمود إبراهيم محمد أبو الدهب نواب رئيس مجلس الدولة

وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ اشرف سيد إبراهيم محمود

نائب رئيس مجلس الدولة

مفوض الدولة

وسكرتارية السيد/ أسعد سيد عمر سكرتير المحكمة

أصدرت الحكم الآتي

في الطعن رقم ٣۹۲۲٥ لسنة ٦٦ ق. عليا

المقام من /

وزير الخارجية بصفته

ضد /

….

في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة – الدائرة الخامسة عشرة في الدعوى رقم ٣٨١٣٦ لسنة ٧١ ق. بجلسة 29/1/2020

الإجراءات

في يوم السبت الموافق 14/3/2020 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعن بصفته – قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا – تقريرًا بالطعن الماثل، وقيد بجدولها بالرقم المسطر أعلاه، طعنًا في الحكم المشار إليه عاليه، والقاضي في منطوقه اولا : بسقوط حق المدعية في المطالبة بفروق بدل السكن عن الفترتين من 2/11/1993 حتى 24/12/1993، ومن 6/6/1999 حتى 5/7/1999 بالتقادم الطويل. ثانيًا: بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع باحقية المدعية في تقاضي فروق بدل السكن عن الفترات الأخرى وذلك على النحو المبين بالأسباب، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات .

وطلب الطاعن بصفته في ختام تقرير الطعن – للأسباب الواردة به – بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبول الطعن شكلا وبوقف الدعوى تعليقا لحين الفصل في الدعويين رقمي ١٥٧ و ١٥٨ لسنة ٣٧ ق. دستورية، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بأحقية المطعون ضدها في حساب العلاوات الخاصة المقررة قانونا ضمن نسبة بدل السكن الذي صرف لها عن عملها ببعثات ومهام التمثيل الدبلوماسي المصرية في الخارج على أساس سعر صرف الدولار وقت الاستحقاق مع مراعاة أحكام التقادم الخمسى على النحو المبين تفصيلا بالأسباب، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة والمطعون ضدها المصروفات مناصفة.

ونظر الطعن أمام الدائرة السابعة (فحص) بالمحكمة الإدارية العليا، وبجلسة 7/6/2021 قررت إحالته إلى الدائرة الثامنة عليا (فحص) للاختصاص، وبجلسة 31/7/2021 قررت إحالته إلى الدائرة الثامنة عليا (موضوع) وتدوول نظره أمامها وبجلسة 23/1/2022 قررت وقف الطعن تعليقاً وإحالته إلى الهيئة المشكلة طبقاً لنص المادة (٥٤) مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ والمضافة بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨٤ (دائرة توحيد المبادئ) وذلك للبت في المسألة المعروضة بترجيح أحد إتجاهي المحكمة الإدارية العليا الآتيين:

الأول: عدم قبول الدعوى إذا رفعت قبل اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات المنصوص عليها في القانون رقم 7 لسنة ٢٠٠٠ والمعدل بموجب القانون رقم 6 لسنة ٢٠١٧ ولو تم تقديم الطلب إلى اللجنة بعد رفع الدعوى.

الثاني: قبول الدعوى طالما تم اللجوء إلى اللجنة، وتحقق الإجراء المطلوب، ولو تم تقديم الطلب بعد رفع الدعوى.

ونفاذًا لذلك، ورد الطعن الماثل إلى دائرة توحيد المبادئ وتحدد لنظره أمامها جلسة 5/2/2022، وفيها قررت المحكمة تأجيل نظر الطعن لجلسة 2/4/2022 وكلفت هيئة مفوضي الدولة بإعداد تقرير بالرأي القانوني في الطعن .

وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني ارتات فيه الحكم بترجيح المبدأ القانوني القاضي بعدم قبول الدعاوى التي تخضع لأحكام وقواعد ونصوص القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها إذا تم اللجوء للجان التوفيق في بعض المنازعات المنصوص عليها في هذا القانون بعد تاريخ إقامة الدعوى، وذلك على النحو المبين تفصيلا بالأسباب، وبإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه على هدى ما تقدم

وتدوول نظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ مرة أخرى وذلك على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 19/4/2022 قررت المحكمة التأجيل لجلسة 7/5/2022، وأمرت بإحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير تكميلي في ضوء النقاط المثارة بالجلسة وهي :

أولاً: تحديد ماهية مواد القانون المحال أمرها إلى المحكمة الدستورية العليا في الدعوى الموضوعية وتحديد ما إذا كان لها أثر قانوني على المبدأ المنظور المراد ترجيحه من عدمه.

ثانياً: تحديد طبيعة اللجوء للجان التوفيق في بعض المنازعات المنصوص عليها وفقا للقانون رقم 7 لسنة ٢٠٠٠ وما إذا كان إجراء من إجراءات الدعوى المنصوص عليها بقانون المرافعات أم أنه يعد شرطا من شروط قبول الدعوى.

ثالثاً: تحديد الميعاد القانوني لتوفر شروط قبول الدعوى وما إذا كان هذا الميعاد هو تاريخ إيداع عريضة الدعوى أم تاريخ إعلان العريضة أم تاريخ الفصل في الدعوى.

رابعاً: تحديد الطبيعة القانونية لما تصدره لجان التوفيق في بعض المنازعات المنصوص عليها وفقا للقانون 7 لسنة ۲۰۰۰ من أعمال قانونية.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا تكميليًّا في الطعن انتهت فيه إلى ذات رأيها القانوني السابق مشتملاً على أسبابه على النحو الوارد به. وتدوول نظر الطعن أمام هذه الدائرة على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 15/10/2022 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وصرحت بتقديم مستندات ومذكرات خلال أسبوعين وانقضى هذا الأجل ولم يقدم أي شيء، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.
المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا. من حيث إن عناصر المنازعة الماثلة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أنه بتاريخ ٢٠١٧/٣/٢٦ أقامت المطعون ضدها الدعوى رقم ۳۸۱۳٦ لسنة ٧١ق. أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الخامسة عشرة) طالبة في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن ضم العلاوات الخاصة لبدل السكن وصرفها مع الفروق والعلاوات الخاصة التي سبق أن تم صرفها عن فترات العمل بالخارج بسعر الصرف وقت السداد وفقا لحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم ۹۸٥٤ لسنة ٥٠ ق. عليا، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وذكرت المدعية شرحًا لدعواها أنها من العاملين بالجهة الإدارية المدعى عليها والتحقت بالعمل بسفارات مصر العربية في الخارج لعدة فترات كما هو مبين ببيان الحالة الوظيفية الخاص بها، وقد قامت الجهة الإدارية بصرف بدل السكن لها عن مدد عملها بالخارج بنسبة ۲۰% من إجمالي الراتب غير شامل العلاوات الخاصة، وأضافت أنها طالبت الجهة الإدارية بإعادة حساب هذا البدل بعد إضافة العلاوات الخاصة إلى الراتب وصرف الفروق المستحقة لها نتيجة لذلك، إلا أن جهة الإدارة لم تستجب لطلبها؛ الأمر الذي حدا بها إلى اللجوء إلى لجنة فض المنازعات المختصة، ثم أتبعت ذلك بإقامة الدعوى الماثلة والتي اختتمتها بطلباتها آنفة البيان .

وبجلسة 29/1/2020 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه سالف الذكر. وشيدت قضاءها – بعد استعراضها نص المادة (٥٣) من قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي الصادر بالقانون رقم ٥٤ لسنة ۱۹۸۲ – على أن الجهة الإدارية صرفت للمدعية بدل السكن خلال تسع فترات دون حساب قيمة العلاوات الخاصة ضمن نسبة هذا البدل، كما أن المدعية تتقاضى راتبها من وزارة الخارجية، وكانت العلاوات الخاصة يدور صرفها مع الراتب وجودًا وعدمًا وتندرج ضمن العلاوات المنصوص عليها في المادة (٥٣) من قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي المشار إليه.

والتي تدخل في حساب بدل السكن، فمن ثم يتعين أخذها في الاعتبار عند حساب هذا البدل شأنها في ذلك شأن الرواتب والبدلات والعلاوات الأخرى المقررة للمدعية؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء بأحقيتها في حساب قيمة العلاوات الخاصة المقررة لها خلال الفترات المشار إليها ضمن نسبة بدل السكن الذي سبق صرفه لها وبفئة، الخارج مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية على أن يتم صرف هذه الفروق بالمقابل النقدي المصري على أساس سعر الصرف للعملة الأجنبية وقت الاستحقاق، وفقًا لما انتهى إليه حكم دائرة توحيد المبادئ الصادر في الطعن رقم ۳۰۰۱ لسنة ٥٦ ق.عليا بجلسة 2/6/2018، وأضافت المحكمة أنه بالنسبة إلى طلب المدعية أحقيتها في حساب قيمة العلاوات الخاصة ضمن نسبة بدل السكن الذي صرف لها عن فترتي عملها بالخارج من 25/11/1993 حتى 24/12/1993، ومن 6/6/1999 حتى 5/7/1999.

فقد خلت الأوراق مما يثبت أن المدعية قد طالبت الجهة الإدارية المدعى عليها بحساب قيمة تلك العلاوات ضمن نسبة بدل السكن الممنوح لها عن هاتين الفترتين قبل اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات، ومن ثم يكون حقها في المطالبة عنهما قد سقط بالتقادم الطويل بمضي أكثر من خمس عشرة سنة على تاريخ نشوء الحق، وبناء عليه انتهت المحكمة إلى قضائها سالف الذكر.

وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا لدى الطاعن بصفته، فأقام الطعن الماثل نعيًا على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وذلك على النحو الوارد تفصيلا بصحيفة الطعن، واختتم الطاعن تقرير الطعن بطلباته سالفة البيان.

ومن حيث إن جوهر الإحالة إلى هذه الدائرة ينحصر في الترجيح بين اتجاهين بالمحكمة الإدارية العليا فيما صدر عنها من أحكام بشأن قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، وذلك إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى.

حيث ذهب الاتجاه الأول إلى عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها إذا تم اللجوء لتلك اللجان المنصوص عليها بهذا القانون بعد تاريخ إقامة الدعوى تأسيسا على أن المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوى الشان الحصول على حقوقهم في أقرب وقت ممكن، ولتخفيف العبء عن القضاة أصدر القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ المشار إليه بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة بالمادة الأولى والعاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة.

وذلك أيًّا كانت طبيعة هذه المنازعات، ورتب أثرًا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوى التي تقام مباشرة أمام المحكمة، وأخرج عن الخضوع لأحكامه منازعات بعينها أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشرة، … ومن ثم يتعين على صاحب الشأن في المنازعات الخاضعة لأحكامه قبل اللجوء إلى المحكمة أن يتقدم بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء وبعد تقديم التظلم من القرار المطعون فيه وانتظار المواعيد المقررة للبت فيه، وبالنسبة إلى طلب التعويض المرتبط بطلب الإلغاء يتعين بشأنه كذلك اللجوء للجنة التوفيق، وإلا أضحى غير مقبول.

(في هذا الاتجاه حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم ٢٩١٤ لسنة ٤٩ ق. عليا- جلسة 25/11/2006، والطعن رقم ۹۰۲٥ لسنة ٥٦ ق. عليا –جلسة 19/3/2016، والطعن رقم ٢٧٥٠٤ لسنة ٦٠ ق. عليا –جلسة28/1/2018، والطعن رقم ١٠٥۷۹۹ لسنة ٦٣ ق. عليا – جلسة19/1/2019)

بينما ذهب الاتجاه الثاني إلى قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها إذا تم اللجوء لتلك اللجان المنصوص عليها بهذا القانون بعد تاريخ إقامة الدعوى، تأسيسا على أن الغاية من هذا القانون وطبقا لما أفصحت عنه مذكرته الإيضاحية هي تحقيق العدالة الناجزة التي تصل بها الحقوق إلى أصحابها دون الاضطرار إلى ولوج سبيل التقاضي، وما يستلزمه في مراحله المختلفة من الأعباء المادية والمعنوية، وما قد يصاحبها في أحيان كثيرة من إساءة استغلال ما وفره القانون من أوجه الدفاع والدفوع، واتخاذها سبيلا للكيد، ووسيلة لإطالة أمد الخصومات على نحو يرهق القضاء ويلحق الظلم بالمتقاضين.

ومن ثم فإنه على ضوء ما تغياه المشرع من إصدار القانون رقم ۷ لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق من تخفيف الأعباء عن كاهل القاضي والمتقاضي، فإذا أقام المدعى في إحدى المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون دعواه مباشرة إلى المحكمة المختصة قبل اللجوء إلى إحدى اللجان التي أنشأها هذا القانون، ولكنه في أثناء نظر الدعوى، وقبل صدور الحكم المنهي للخصومة فيها تدارك هذا الأمر وتقدم بطلبه إلى اللجنة المختصة إعمالا لأحكام القانون المذكور، فإن هذا المدعى يكون قد استوفى الإجراء الذي أوجبه هذا القانون بما لا تثريب معه على المحكمة إن هي مضت في السير في نظر دعواه دون حاجة للحكم بعدم قبولها لعدم اتخاذ الإجراء الشكلي، فإذا تم تقديم طلب التوفيق بعد رفع الدعوى، فإن الإجراء المطلوب قانونا يكون قد استوفى وتحققت الغاية منه، ولا محل للدفع بعدم قبول الدعوى لذلك.

بالإضافة إلى ذلك فإنه وإعلاء لحق التقاضي الذي صانه الدستور وكفله للكافة، فقد درجت هذه المحكمة في فهمها وتطبيقها للنصوص القانونية التي تنظم الإجراءات السابقة على اللجوء إلى قضاء مجلس الدولة كالتظلم الوجوبي أو اللجوء إلى لجنة التوفيق على اعتبار أن تلك الإجراءات ليست أشكالا جامدة مقصودة لذاتها، وإنما هي وسائل شرعها المشرع لإمكان إنهاء المنازعة قبل اللجوء إلى القضاء تيسيرًا على أصحاب الشأن وعلى جهة الإدارة.

وتخفيفًا للعبء الواقع على المحاكم، إلا أنه لا يجوز أن تطبق تلك النصوص على وجه جامد ينحرف بها عن المقصد منها، فإذا اتخذت تلك الإجراءات ولو بعد رفع الدعوى فإن الغاية منها تكون قد تحققت، ولا يجوز أن يكون ذلك سببًا للقضاء بعدم قبول الدعوى، وانتهت إلى أنه لا يشترط لقبول الدعوى الالتزام بالأسبقية الزمنية لتقديم التظلم على رفع الدعوى مادام قد قدم فعلا خلال الميعاد المقرر قانونا لتقديمه، كما قضت بأنه إذا تم تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة بعد رفع الدعوى، فإن الإجراء المطلوب قانونا يكون قد استوفى، وتحققت الغاية منه، ولا محل للدفع بعدم قبول الدعوى لهذا السبب.

(في هذا الاتجاه حكمها الصادر في الطعن رقم ٢٩٠٦ لسنة ٤١ ق. عليا – جلسة 13/11/1999، وفي الطعن رقم ٣٥٩٧٩ لسنة ٥٢ ق. عليا – جلسة 15/10/2010، وفى الطعن رقم ۱۲۰۷۸ لسنة ٦٢ ق. عليا – جلسة 28/1/2018، وفي الطعن رقم ٨٠٥٧٧ لسنة ٦٥ ق. عليا – جلسة 19/6/2021).

ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يدور حول قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، وذلك إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى.

ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها تنص على أنه: ينشأ في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر، للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها، أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة.

وتنص المادة الرابعة من القانون ذاته على أنه: عدا المنازعات التي تكون وزارة الدفاع والإنتاج الحربي أو أي من أجهزتهما طرفا فيها وكذلك المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية وتلك التي تفردها القوانين بأنظمة خاصة، أو توجب فضها أو تسويتها أو نظر التظلمات المتعلقة بها عن طريق لجان قضائية أو إدارية أو يتفق على فضها عن طريق هيئات تحكيم تتولى اللجان المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون التوفيق بين أطراف المنازعات التي تخضع لأحكامه. ويكون اللجوء إلى هذه اللجان بغير رسوم.

وتنص المادة التاسعة من القانون المذكور والمستبدلة بموجب القانون رقم ٦ لسنة ٢٠١٧ بتعديل بعض أحكام القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ على أن: مع مراعاة أحكام المادة العاشرة مكررًا من هذا القانون تصدر اللجنة قراراتها مسببة، وذلك في ميعاد لا يجاوز ثلاثين يوما من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها وتثبت ذلك بمحضرها.

ويُعرض القرار خلال سبعة أيام من تاريخ صدوره على السلطة المختصة والطرف الآخر في النزاع، فإذا اعتمدته السلطة المختصة وقبله الطرف الآخر كتابة خلال الخمسة عشر يوما التالية لحصول العرض قررت اللجنة إثبات ما تم الاتفاق عليه في محضر يوقع من الطرفين ويلحق بمحضرها وتكون له قوة السند التنفيذي، ويبلغ إلى السلطة المختصة لتنفيذه.

وتنص المادة الحادية عشرة من القانون ذاته على أنه : عدا المسائل التي يختص بها القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض، والطلبات الخاصة بأوامر الأداء، وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ، لا تقبل الدعوى التي ترفع ابتداءً إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول وفقًا لحكم المادة السابقة.

ومن حيث إنه باستقراء النصوص المتقدمة يبين أن المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول على حقوقهم في أقرب وقت ممكن، ولتخفيف العبء عن القضاة، أصدر القانون رقم 7 لسنة ٢٠٠٠ بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة بالمادة الأولى والعاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، وذلك أيا كانت طبيعة هذه المنازعات، ورتب أثرا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوى التي تقام مباشرة أمام المحكمة، وأخرج عن الخضوع لأحكامه منازعات بعينها أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشرة …. ومن ثم يتعين على صاحب الشأن في المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل اللجوء إلى المحاكم أن يتقدم بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء.

ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع أوجب على المدعي اللجوء إلى لجنة التوفيق المختصة بشأن منازعته المدنية أو التجارية أو الإدارية وذلك قبل ولوجه سبيل التقاضي؛ ليعرض عليها أمر منازعته لتتولى فحصها وإصدار التوصية المناسبة في موضوعها في ضوء أحكام القانون الواجب التطبيق، عسى أن تستجيب جهة الإدارة إلى طلب المدعى أو أن يقتنع الأخير بأن مظنة حقه لا سند لها من القانون فيعدل عن مخاصمة جهة الإدارة قضاءً، فإن أنكرت هذه الجهة حق المدعى أو لم تنزل توصية اللجنة في نفسه منزلة اليقين كان له اللجوء إلى القضاء وولوج سبيله استدعاء لحقه في التقاضي الذي كفله له الدستور، ومن ثم فإذا تنكب المدعي السبيل الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ سالف الذكر ولجأ مباشرة بدعواه إلى المحكمة، فقد رتب المشرع جزاءً قانونيًّا على ذلك مقتضاه عدم قبول هذه الدعوى جزاءً وفاقًا لإغفاله اتباع هذا السبيل.

كما جرى قضاؤها بأنه مع صراحة نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ والتي نصت على أن لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق المقرر في هذا القانون، مثل عدم سابقة التظلم الوجوبي المنصوص عليه في المادة (۱۲) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ ، حيث أوجب المشرع على ذوى الشان حتى تقبل طعونهم بالإلغاء في القرارات النهائية للسلطات التأديبية أن يتظلموا منها قبل رفع الدعوى إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئة الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم، وكذا الدفع بعدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات أو لجان فحص المنازعات التي أنشئت بالتطبيق لنص المادة (١٥٧) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم ۷۹ لسنة 1975، وأن هذا الدفع هو في حقيقته دفع ببطلان الإجراءات، إذ إنه موجه إلى إجراءات الخصومة وشكلها وكيفية توجيهها، وبهذه المثابة يعد من الدفوع الشكلية.

(حكمها الصادر في الطعن رقم ٨٠٥٧٧ لسنة ٦٥ ق. عليا – جلسة19/6/2021)

وفي ضوء ما تقدم، وإعمالا للقاعدة الأصولية في التفسير من أنه لا اجتهاد عند صراحة النص، وأن إعمال النص خير من إهماله، فإنه يتعين التقيد بصريح نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة ٢٠٠٠ سالف الذكر، والالتزام بالفهم السليم لها، والتطبيق الصحيح لحكمها، والتي نصت في إفصاح جهير وصريح لا يجوز تأويله على محمل آخر من أنه لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول كإجراء شكلي جوهري يتعين مراعاة اتخاذه قبل سلوك طريق الدعوى القضائية، بحسبانه هو الأصل في استخلاص ذي الشأن لحقه ورفع الظلم عنه، دون أن يتحمل مشقة القضاء وإجراءاته، وقد حدد المشرع بعبارات صريحة النتيجة المترتبة على مخالفة هذا الإجراء وهى عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة.

ومن حيث إنه بناء على ما سلف بيانه، فإنه يغدو الاتجاه الأول في أحكام المحكمة الإدارية العليا بعدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة ۲۰۰۰ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها ، إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى هو الأولى بالترجيح.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بترجيح الاتجاه الوارد في أحكام المحكمة الإدارية العليا، الذي من مقتضاه عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة ٢٠٠٠ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، وذلك إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هدى ما تقدم .

صدر هذا الحكم وتلي علنا بالجلسة المنعقدة يوم السبت ۱۰ من جمادى الأولى سنة ١٤٤٤ هجرية، الموافق ٣ من ديسمبر ۲۰۲۲ ميلادية، وذلك بالهيئة المبينة بصدره.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى