الأثار القانونية للدعوى الجنائية على المسئولية التأديبية
المستشار الدكتور / إسلام إحسان – نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية
المسئولية التأديبية هى المسئولية القانونية التى تنشأ بسبب إخلال الموظف بواجبات وظيفته ، سواء نشأ عن ذلك الإخلال ضرر من عدمه ، و سواء أكان ذلك الضرر فى حال نشوئه مادياً أم معنوياً .
و المسئولية التأديبية تستقل عن المسئولية الجنائية و المسئولية المدنية الناشئة جميعها عن ذات الفعل الخاطىء للموظف، إذ يجوز الجمع بين المسئوليات الثلاثة ، فيسأل الموظف جنائياً إذا شكل الفعل الخاطىء جريمة جنائية مؤثمة قانوناً ، و يسأل كذلك تأديبياً عن ذات الخطأ إذا كان الفاعل موظفاً و ترتب على الفعل إخلال بواجبات الوظيفة ، و يسأل أخيراً مدنياً إذا نشأ عن ذلك الفعل ضرر لحق بجهة عمله أو الغير .
و لا يعد الجمع بين هذه المسئوليات القانونية إزدواجاً فى العقاب ، أو تكراراً للمساءلة ، إذ لكل مسئولية نطاقها و مجالها الخاص بها ، و الأثر المترتب عليها فتنفرد كل مسئولية بأثر خاص بها سواء العقوبة الجنائية أو الجزاء التأديبي أو التعويض المدني .
قوام المسئولية التأديبية بإعتبارها مسئولية شخصية شأنها شأن المسئولية الجنائية هو إتيان الموظف فعلاً إيجابياً أو سلبياً ، يشكل إخلالاً بواجبات وظيفته أو خروجاً على مقتضياتها ، مع الأخذ فى الإعتبار أن المخالفات التأديبية ليس لها تحديد تشريعي على سبيل الحصر على غرار الجريمة الجنائية ، إنما يقصد بها الإخلال بالواجبات الوظيفية ، و مخالفة الموظف لأحكام القوانين واللوائح أو التعليمات الإدارية ، و المراد بالإخلال بمقتضيات الوظيفة هو أن يطأ الموظف مواطن الزلل وتحوم حوله الشبهات بما تضيع معه الثقة التي لا بد من توفرها في الوظيفة العامة والموظف العام معا .
و تقوم مسئولية الموظف التأديبية عن المخالفات التى يرتكبها حتى لو كانت في حياته الخاصة خارج زمان و مكان عمله الوظيفي ، مادام لها تأثير في حياته الوظيفية و على سمعته وكرامته الوظيفية ( 1 ) ، فإذا ضبط الموظف ليلاً و هو يتعاطى المخدرات فإنه يسأل تأديبياً لما فى سلوكه هذا من إساءة للجهة التى يعمل بها .
مفاد نصي المادتين ٤٥٦ من قانون الإجراءات الجنائية ، و ۱۰۲ من قانون الإثبات الصادر بالقانون رقم ٢٥ لسنة (١٩٦٨) أن الحكم الصادر في المواد الجنائية تكون له حجية قبل الجميع، وأمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين المدنية والجنائية ، فى حين لم ينص المشرع على ذات الحجية للحكم الجنائي على المسئولية التأديبية ، و من هنا يثور التساؤل حول تأثير الدعوى الجنائية على المسئولية التأديبية للموظف عن ذات الفعل ، و هو ما يمكن إجماله و توضيحه فى القواعد و المبادىء القانونية الأتية :-
أولاً .. لا يجوز لجهة التأديب عند تصديها لتأديب الموظف أن تقوم بتكييف المخالفة التأديبية على أساس أحكام الجريمة الجنائية الناشئة عن ذات الفعل ، إنما يجب أن يتم تكييف المخالفة التأديبية على أساس إدارى صرف ، بدون التعرض للجريمة الجنائية والبحث فى مدى توافر أركانها القانونية من عدمه على الوجه المنصوص عليها بقانون العقوبات ، إنما يتم تكييف الوقائع المادية المنسوبة للموظف من خلال التحقق مما إذا كانت المخالفة التأديبية تشكل مخالفة للواجب الوظيفى أو خروج على مقتضاه أو السلوك مسلك يتنافى مع قدسية الوظيفة العامة ( 2 ) .
ثانياً .. تلتزم جهة التأديب سواء أكانت جهة العمل أو المحكمة التأديبية أو مجلس التأديب أو النيابة الإدارية بحسب الأحوال بأن تؤخذ فى الإعتبار الوصف الجنائى للواقعات المكونة للمخالفة التأديبية ، اذ ان لهذا الوصف و العقوبة الجنائية المقررة أثر فى مجال التأديب فى ناحيتين : – هما تقدير جسامة الفعل عند تقدير مقدار الجزاء التاديبى الذى توقعه ، و اثر الوصف الجنائى فى استطالة مدة سقوط المخالفة التأديبية ، إذا كان القانون المنظم لشئون الوظيفة ينص على أن الدعوى التأديبية لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية ( 3 ) .
ثالثاً .. تصرف النيابة العامة بحفظ الأوراق بناءً على محضر جمع الاستدلالات هو إجراء إداري يصدرعنها بوصفها سلطة استدلال و ليس بوصفها سلطة تحقيق ، و من ثم لا يترتب عليه قطع تقادم الدعوى الجنائية إلا إذا اتخذ في مواجهة المتهم أو أخطربه رسمياً ، فهو ليس من إجراءات التحقيق أو الاتهام التي تقطع مدة التقادم الجنائي ، و من ثم لا يؤثر على سقوط المخالفة التأديبية ( 4 ) .
رابعاً .. تحقيقات النيابة العامة لا تحوز حجية أمام المحاكم التأديبية أو مجلس التأديب أو السلطات التأديبية بصفة عامة ، فالحجية مقررة للحكم الجنائي النهائي ، وليست للتحقيقات الجنائية ، ما تنتهي إليه النيابة العامة من ثبوت إدانة الموظف لا يجوز حجية إنما يخضع للفحص والتمحيص والتقييم أمام المحكمة التأديبية. ( 5 )
خامساً .. إنتفاء أركان الجريمة الجنائية لا ينال من قيام المخالفة التأديبية تامة ، فالفعل وإن انتفت عنه الصفة الجنائية في بعض الأحوال لفقدانه شرطا من الشروط الواجب توفرها لاكتمال وصف الجريمة الموجبة للعقاب الجنائي ، فإن ذلك لا ينفي عن الفعل نفسه وصف أنه مخالفة تأديبية تتوفر له كل أركان المسئولية التأديبية ( 6 ) .
سادساً .. الحكم الجنائي بالبراءة لإنتفاء الواقعة يقيد المسئولية التأديبية ، للحكم الجنائي حجية أمام مجلس التأديب إذا كانت البراءة قائمة على انتفاء الواقعة أو ثبوت عدم وجود جريمة.( 7 )
سابعاً .. الحكم الجنائي بالبراءة لعدم توافر أركان الجريمة الجنائية وفقاً لنصوص قانون العقوبات لا يحوز حجية أمام الجهات التأديبية و يجوز مساءلة الموظف تأديبياً و مجازاته . ( 8 )
ثامناً .. صدور عفو عن الجريمة الجنائية المحكوم فيها أو عفو عن العقوبة الجنائية ، لا يقيد سلطات التأديب ، و لا يمنع مجازاة الموظف . ( 9 )
تاسعاً .. قوة الشيء المحكوم به أمام جهات التأديب تثبت للحكم الجنائي النهائي الحضورى ، وليس لقرار النيابة العامة.
( 10)
………………………………….
الهوامش :
1 – المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 21638 لسنة 59ق – جلسة 13/12/ 2014 .
2 – المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 39372 لسنة 57 ق عليا – جلسة 7/6/2014 .
3 – المحكمة الادارية العليا الطعن 889 سنة 38 ق عليا جلسة 27 /11 /1993 .
4 – المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 3697 لسنة 69 ق – جلسة 17/12/2002
5- المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 10170 لسنة 53ق – جلسة 14/12/2012
6 – المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 28334 لسنة 52ق – جلسة 27/12/2008
7- المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 1526 لسنة 44 ق – جلسة 17/10/2001
8- المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 1180 لسنة 38ق – جلسة 21/3/1995
9- المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 39372 لسنة 57ق – جلسة 7/6/2014
10 -المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 31977 لسنة 60ق – جلسة 25/11/2015