اقتضاء الحقوق في ظل الإجراءات الحالية

 

بقلم: الأستاذ/ أشرف الزهوي

هناك مقولة يرددها العامة، يطلقونها على من يسوف ويساوم في رد الحقوق إلى أصحابها عند طلبها، بأنهم “يموتون الحق” أي أنهم لا يعطونها لأصحابها إلا بعد زمن طويل، يستغل هؤلاء الذين يميتون الحق الإجراءات القانونية العقيمة التي يتخذها صاحب الحق للوصول إلى حقه، سواء كانت حقوق مالية أو عقارية أو حصة ميراثية.

إذا قمنا بدراسة واقعية لبحث زمن الإجراءات القانونية وتكلفتها المالية للحصول على الحق الثابت الذي يصعب على المدين إنكاره، سنجد أن التكلفة باهظة.

نبسط المسألة، لو أن أحد الأشخاص طلب منك كمحام أن تستعيد له حقه المسلوب وسنده في الدين كمبيالة أو إيصال أمانة أو حتى شيك بنكي، وكان المبلغ المطالب به عشرين ألف جنيه مصري، فما هي الإجراءات التي سيتم اتخاذها وكم تستغرق من الوقت وما هي التكلفة المالية للقيام بها وما هي الأتعاب التي ستتقاضاها.

إن أقوى سند للمديونية في المثال السابق هو الشيك البنكي، الإجراءات القانونية تبدأ بتحرير محضر بالواقعة في قسم الشرطة المختص، وهو القسم التابع له محل إقامة المتهم (الشخص المدين) يتم عرض المحضر بعد ذلك على النيابة العامة لتقوم بدورها في تقديم المتهم للمحاكمة الجنائية وغالبا ما يستغرق ذلك من شهرين إلى ثلاث شهور لتحديد موعد الجلسة الأولى.

ليس ذلك هو نهاية المطاف، بل هي الخطوة الأولى، إذا لم يحضر المتهم الجلسة فإن المحكمة ستصدر حكما غيابيا، يستطيع المتهم من الطعن عليه بالمعارضة ليتم نظر القضية أمام المحكمة من جديد دون أن يتكبد المتهم أي مصاريف، ولا توجد أي مسئولية على المتهم أن هو نجح في إضاعة الوقت قبل أن يقرر بالمعارضة في الحكم بشخصه أو بوكيل عنه، في بعض الأحوال يظل الحكم الغيابي لأكثر من ثلاث سنوات دون القيام بعمل المعارضة فيكون الدعوى قد انقضت بالتقادم، ولا يبقى للدائن إلا اللجوء للطريق الأكثر طولا وجهدا وإنفاقا، وهو إعادة المطالبة عن طريق المحكمة المدنية.

أما إذا طعن المتهم بالمعارضة خلال السنوات الثلاثة في الحكم، ثم تعمد عدم الحضور بنفسه أو بوكيل عنه فإن طريقه للتسويف والمماطلة يظل قائما ومسموحا به. حيث يحق له عمل استئناف في الحكم حتى ولو بعد فوات المدة القانونية المحددة للاستئناف، بل الأسوأ، هو أن يتخلف عن الحضور في الاستئناف مستغلا لحقه القانوني في عمل معارضة في الاستئناف.

كل ما سبق يستغرق من الوقت والجهد والمصارَيف ما يتضاءل معه قيمة الحق بعد الوصول إليه.

إذا مر أحد الأشخاص بهذه التجربة، فإنه ستردد كثيرا قبل أن يقدم على اللجوء للقضاء لاقتضاء الحق، بل إنه في أغلب الأحوال سيطبق مبدأ شعبي اقتصادي نعرفه جميعا، وهو خسارة قريبة ولا مكسب بعيد.

أما في مجال الحقوق العينية والعقارات والميراث، فإن الأمر يبدو أكثر صعوبة حيث تزيد مدة الإجراءات ويتطلب الحال سنوات وسنوات لا يعرف أحد منتهاها.

أفرز هذا البطء في الإجراءات القانونية رغم كل الجهود التي تبذلها وزارة العدل والداخلية من أجل تحقيق العدالة الناجزة، طريقة غير شرعية لاقتضاء الحقوق ولكنها في هذه المرة سينتقص من قيمتها حق من سيقوم على التنفيذ أنهم في الغالب جماعة من البلطجية لهم أسلوبهم في تهديد المدين وفضحه والتأثير النفسي عليه من أجل إجباره على سداد المستحقات التي تشغل ذمته، ويضطر المدين إلى الإذعان لهم من خلال الضغط الذي يمارسونه عليه، في مقابل ذلك فإن هؤلاء المرتزقة يتقاضون نسبة لا بأس بها من النتيجة التي حقوقها.

صحيح أن هذه الظاهرة والحمد لله غير منتشرة بشكل كبير إلا أنها موجودة حتى الآن، الحل من أجل العدالة الناجزة يتلخص في عدد من النقاط التي باتت أكثر إلحاحا من ذي قبل، يجب إلغاء نظام المعارضة في الأحكام الجنائية وتطوير منظومة الإعلانات القضائية من خلال وسائل الاتصال الحديثة المتعددة التي نضمن بها العلم اليقيني لمن يمثل للمحاكمة.

ثانيا يجب أن تكون هناك منظومة للكفالات والضمانات والإمانات المالية التي تجبر المدين للإسراع في سداد الدين أو الحق. فلو أن الدين المستحق عشرون ألف جنيه فقط، فإنه من الواجب أن يتضمن القانون غرامة يومية تضاف للدين في حال ثبوت أحقيته، والعكس صحيح فلو أن المطالبة غير حقيقية أو المستندات مزورة أو صورية أو تم اختلاسها بدون وجه حق فإن على هذا الشخص الذي قام بالمطالبة الغير صحيحة أن يسدد ضعف المبلغ المطالب به بخلاف العقاب عن البلاغ الكاذب أو التزوير أو خيانة الائتمان.

إن الحديث عن ضرورة تطوير المنظومة القانونية من أجل العدالة الناجزة تحتاج إلى مجلدات لذا سنحاول أن نتصدى لهذا الموضوع الذي أرهق كاهل المواطن والمحامي بل وكاهل القضاء والشرطة.

إن تحقيق العدالة الناجزة ليس بالأمر المستحيل طالما انتبهت السلطة التشريعية للنصوص التي يجب إضافتها أو تعديلها أو إلغائها لتمتطي العدالة صهوة الجياد بشكل دائم وفي كل الأحوال.

زر الذهاب إلى الأعلى