استحقاق الزوجة النفقة الزوجية بين القانون والواقع التطبيقي

كتب: محمد سيداحمد طراد

* من المتفق عليه فقهاً وقانوناً، أن الزوجة تستحق نفقة علي زوجها جزاء احتباسها لزوجها تحقيقاً لمقاصد الزواج وذلك عند تسليم نفسها له وعدم امتناعها عن ذلك الا إذا كان الامتناع عن حق.

*حيث أنه وكما هو معروف أن العقد الصحيح ليس هو السبب المباشر في وجود نفقة الزوجة على زوجها كما هو الشأن في المهر، بل احتباس الزوج لزوجته، ودخولها في طاعة، ليتمكن من جني ثمرات زواجه واستيفاء حقوق الزوجية وجوب النفقة للزوجة على زوجها قرارها في بيته واحتباسها من أجله، فإن امتنعت الزوجة من طاعة زوجها سقطت نفقتها؛ لأن الأحكام الشرعية تدور مع أسبابها وجوداً عدماً.

* وفي ذلك الشأن قضت محكمة النقض بأن: ـــ

” النص في المادة 11 مكرراً ثانياً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أن ” إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف النفقة الزوجية من تاريخ الامتناع، وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها بالعودة ….” مما مفاده ـــ علي ما ورد بالمذكرة الإيضاحية والراجح في مذهب أبي حنيفة ـــ أن نفقة الزوجة علي زوجها جزاء احتباسها لها تحقيقاً لمقاصد الزواج بأن تسلمه نفسها حقيقة أو حكماً بأن تكون مستعدة للدخول في طاعته وغير ممتنعة عن الانتقال إليه، فكل من كان محبوساً بحق مقصود لغيره فنفقته عليه ، ولان النفقة حقها وانتقالها إليه حقه مادام قد أوفاها عاجل صداقها وأعد لها مسكناً شرعياً وكان أميناً عليها فإن طلبها بالنقلة إليه فامتنعت، فإن كان امتناعها بحق، كان امتنعت لاستيفاء مهرها العاجل فلها النفقة وإن امتنعت بغير حق فلا نفقة لها لأنها تستوجب النفقة بتسليم نفسها لزوجها ، فلم يتحقق شرط وجوب النفقة فلا تجب ، ولذا لا تستحق الناشزة النفقة “.

” طعن رقم 76 لسنة 65 ق ” أحوال شخصية ” جلسة 25/12/2000 ”

* وينص قانون الأحوال الشخصية في مادة الأولي من رقم 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 في الفقرة الأولى أن: ــ ” تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ الي العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكماً حتى لو كانت موسرة أو مختلفة معه في الدين.

وتنص الفقرة الرابعة: ــ ” ولا يجب النفقة للزوجة إذا ارتدت، أو امتنعت مختارة من تسليم نفسها دون حق أو اضطرت إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج.

* غير أن الواقع العملي والتطبيقي – علي ما يبدو للكاتب – استقر علي وجوب القضاء للزوجة بالنفقة الزوجية عند رفعها الدعوي دون قيد أو شرط عليها ودون التحقق من توافر شروط استحقاقها للنفقة، فالمستقر عليه تطبيقياً أن النفقة الزوجية تُسقط من علي الزوج في حالة الحكم علي الزوجة بنشوزها دون التحقق في دعوي النفقة الزوجية من احتباس الزوجة لزوجها من عدمه أو استعدادها لذلك وهذا خطأُ وخلط كما سنوضح لاحقاً، فنحن نري أن دعوي النفقة الزوجية لابد أن يتم تحقيق عناصرها من خلال التيقن من توافر شروط استحقاق الزوجة لهذه النفقة فإن توافرت الشروط حكم لها بالنفقة وان لم تتوافر يحكم برفضها او وقفها تعليقياً لحين القضاء في دعوي الطاعة أو الاعتراض علي انذار الطاعة ومن بعدهما دعوي النشوز إن وجدوا.

والدليل عندنــــــــا على صحـــــة هذا الرأي قانونـــــــــاً ما يلي: ـــ

1 ـــ أن النفقة مقابل الاحتباس الشرعي، وليست مقابل عقد الزواج الصحيح، فهي بذلك تدور وجوداً وعدماً مع فكرة الاحتباس، حيث أنه يتم الخلط بين وجود عقد الزواج فقط وبين فكرة الاحتباس حقيقتاً أو حكماً عند القضاء بالنفقة الزوجية.

2 ـــ الفقرة الأولي والرابعة السالف ذكرهما لم يضعا قيداً أو شرطاً علي الزوج عند إثباته واقعة امتناع الزوجة عن طاعة زوجها، بمعني أنهما لم يعلقا عدم استحقاق النفقة الزوجية على أي حكم أخر مثل الحكم بنشوز الزوجة أو غيره.

3 ـــ من الممكن أن يتم أثبات امتناع الزوجة عن طاعة زوجها، ومن ثم عدم استحقاقها للنفقة الزوجية، سواء بشهادة الشهود أو غير ذلك أثناء نظر دعوي النفقة الزوجية، دون الانتظار لما يسفر عنه دعاوي الطاعة أو الاعتراض على إنذارها أو صدور حكم نهائي بالنشوز، وذلك لعموم لفظ الامتناع الوارد في الفقرة الرابعة من القانون سالف الذكر.

4 ـــ ولو سلمنا جدلاً كما جري عليه العمل في المحاكم، من أن النفقة تستحق بمجرد رفع الدعوي إلي أن يتم أثبات نشوز الزوجة وعدم طاعتها له، فإن النص بذلك قد تم إخراجه عن مدلوله، والتضييق في مفهومه، وهذا لا يصح، إذ أنه وكما هو معروف ومستقر عليه شرعاً وقانوناً وعرفاً أن النفقة شرط الاحتباس، وفهم النص علي غير نحو ما هو مستقر عليه يعد خروجاً وتزايداً غير مبرر.

5 ـــ النص أفسح المجال للقاضي في أعمال سلطته التقديرية للوصول بالقضية إلى حكم يتوافق وعين الحق، فلا يوجد طريق بعينة للوصول إلي مقصد النص، وإنما كل الطرق سواء عند المشرع طالما تم أتباع العدل عند توخيها.

6 ـــ كل قضية تجب أن تتحقق فيها كافة الدفوع وسماع وجهات النظر بين الطرفين وتحقيق جميع عناصر الإثبات المقررة قانوناً للطرفين، حيث أنه وكما تعلمنا لا يصح أن يتم صدور حكم في قضية ثم نتفاجئ بعد ذلك بأن هذا الحكم ما كان ليصدر أولاً إذا ما حكم بنشوز الزوجة، فكيف يكون حال المبالغ التي تم صرفها إلا أن يكون استردادها قد أصبح شيء بالغ الضرر والصعوبة.

7 ـــ لا يصح أن تستفيد الزوجة من جراء فعل جاءت به للأضرار بزوجها، ويساعدها على ذلك القضاء لها بالنفقة دون تحقق شروط استحقاقها.

8 ــ المادة 11 مكرر ثانياً من القانون رقم 25 لسنة 1929 تنص علي أن « إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجية من تاريخ الامتناع ، وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان علي يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها ، وعليه أن يبين في هذا الإعلان المسكن … الخ » مفاد ذلك النص أن الزوجة تعد ممتنعة من تاريخ دعوتها بإنذار علي يد محضر، وذلك يعد قرينة قانونية ضد الزوجة ويكون عليها أن تثبت عكسها أمام القاضي الذي ينظر دعوي النفقة، فإذا لم تستطع كانت دعواها بذلك جديرة بالرفض.

9 ـــ ثم أن القضاء بنفقة الزوجة دون تحقيق عناصر الدعوي، وعدم أثبات الزوجة دعواها، بأنه لا خطأ من جانبها و أن عدم احتباسها في بيت زوجها كان من جراء الزوج، و اهمال ذلك يعد تعدياً صارخاً علي الشرع والقانون والمبادئ المستقرة قانوناً وعرفاً ومن ذلك كله ” البينة على من ادعى ” و ” أن البينة على من يدعي خلاف الأصل ، بمعنى أن من يتمسك بالثابت أصلاً لا يكلف بإثباته وإنما يقع على عاتق من يدعي خلاف هذا الأصل عبء إثبات ما يدعيه باعتبار انه يستحدث جديداً لا تدعيه قرينة بقاء الأصل على أصله ” و ” الأصل في الإنسان البراءة ” … الخ .

10 ـــ تنص المادة الأولي من قانون الأحوال الشخصية علي أنه : – ” ولا تسمع دعوى النفقة عن مدة ماضية لأكثر من سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى …. الخ ” مفاد ذلك أن الزوجة تستطيع الاحتفاظ بحقها في النفقة لسنة ماضية، إذ أن المشرع أراد بوضع هذا النص إلزام الزوجة بتقديم الحجة والدليل على استحقاقها للنفقة فضلاً عن عدم نشوزها، وعلى عدم وجود خطاء من جانبها، ثم إذا ما توافر ذلك كان لها الحق في النفقة ولها بذلك سنة ماضية، والقانون لم يضيعها.

* وحيث أن أعمال النص للوصول إلى عين العدل ووفقاً لما تقدم وباستفراغ الجهد للوصول إلى حكم صحيح منه يعتبر أنصافاً لحق المتقاضين، حيث أن الاجتهاد في النص السالف كالباب المفتوح الذي ننفذ منه إلى المبادئ الكلية للنص بالا تعارض ولا تعطيل لمقصده، وهو ما سبق وصح عندنا.

* والقول بغير ذلك يعتبر خروج علي مفهوم النص و تنحيته و الالتواء به عن مقاصده وإلباسه غير توجهاته، بل تظل في مضامينها ومراميها قواعد كلية تتوخى أغراضاً لا تفريط فيها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى