استبعاد الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة في الإجراءات الجنائية
كتبه: محمد شعبان المحامي
تحظي حقوق الإنسان وحرياته وحرمة حياته الخاصه باهتمام بالغ على الصعيد الدولي والاقليمي للدول
ففي القانون الدولي نجد انه نصت عليها العديد من الاتفاقيات الدولية
كالاعلان العالمي لحقوق الإنسان و الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الاساسية والاعلان الأمريكي لحقوق الإنسان ، كما نصت دساتير الدول وتشريعتها على ذلك بما يضفي القدسية والحماية اللازمة لتلك الحقوق والحريات بما يكفل للافراد التمتع بها في حرية وممارستها دون أن يعوقه الغير في ممارستها، ودون اخلال في تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وحقوق المجتمع في حماية النظام العام
ان رسالة القانون الجنائي ليست قاصرة على حماية الحريات الفردية للافراد وإنما تمتد لحماية حقوق المجتمع في نفس الوقت، وطالما كانت مهمة القانون الجنائي صيانة المصلحتين الخاصة والعامة لذا يجب عدم منح الاولوية لأحدهما على الآخر، فلا نؤيد الرأي القائل بضرورة الحرص على حريات الأفراد ولو كانت على حساب مصلحة المجتمع والذي بموجبه يصبح من الأفضل “بأن يفلت مائة مجرم من العقاب خير من أن يدان بريئ واحد”
كما لا نرجح الصالح العام على الصالح الخاص “الظلم افضل من الفوضى” بل يجب التوازن بين المصلحتين معا في إطار الدستور والقانون.
فإذا كانت رسالة قانون الإجراءات الجنائية يسعى الي التوصل للحقيقة باعتبارها غاية العدالة الجنائية في كل نظام الا ان التساؤل يثار مباشرة حول السبل والقنوات المقبولة التي يتعين سلوكها وصولاَ الي تلك الغاية، بمعنى هل يقبل اي دليل في الدعوي يتم الوصول اليه بطرق غير مشروعة ولو اصفر عن الوصول اليه عن كشف الحقيقة وضبط الجناة؟!
هل الغاية هي الوصول إلى الحقيقة من حيث ماديتها؟
أم المراد هو الحقيقة في قالب قانوني محدد؟
وهو ما سنوضحه في التالي
(انظر ا. د. احمد عوض بلال الطبعة الثالثة ٢٠١٣ قاعدة استبعاد الأدلة)
موقف الفقه والقضاء من القاعدة
و يمكننا التمييز بين ثلاثة اتجاهات في هذا الشأن
١-ذهب البعض إلى أن للدليل غير المشروع حجية كاملة في الإثبات.
٢-كما ذهب البعض الي انعدام أي حجية للدليل غير المشروع.
٣-واخيرا ذهب البعض الي التفرقة بين دليل الادانة ودليل البراءة مقررا انعدام اي قوة إثبات له في الادانة دون البراءة.
ويمثل هذا الرأي الاتجاه الغالب في الفقه، وقد اعتنق هذا الاتجاه القضاء المصري والفرنسي
حيث نصت المادة ٣٣٦ من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “اذا تقرر بطلان اي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة ، ولزوم إعادته متى أمكن ذلك”
كما نصت على ذلك محكمة النقض المصرية وأرسته في العديد من احكامها
“حيث قضت بعدم الاعتداد بالدليل الناجم عن إجراء غير مشروع”
،الهدف من الإجراءات الجنائية ليس هو كشف الحقيقة بعيدا عن احترام حرية المتهم..، فلا قيمة للحقيقة التي يتم الوصول إليها على مذبح الحرية ”
نقض 3 / 1 / 1985
كما قضت محكمة النقض المصرية
(وإذ كان من المسلم به انه لا يجوز أن تبني إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، الا ان المشروعية ليست بشرط واجب في دليل البراءة وذلك بأنه من المبادئ الاساسية في الإجراءات الجنائية ان الأصل في الإنسان” المتهم” البراءة)
فلا حاجة للمحكمة ان تثبت براءة المتهم، كل ما تحتاج اليه هو أن تتشكك في الادانة.
فإن الحصول على دليل البراءة بناء على إجراء غير مشروع قد تتوافر فيه حالة الضرورة، ففي قضية موضوع الاتهام فيها جناية سرقة بالإكراه تم تلفيق الاتهام فيها بحبكه عالية فما كان من المتهمون إلا أن قاموا بالتسجيل للمجني عليهم الذين اعترفوا بتلفيق الاتهام وذلك من خلال المساومة التي جاءت بهذه التسجيلات حيث نسخت نسخة من هذه التسجيلات على أسطوانة إلكترونية وقدمت للنيابة العامة وقد صدر القرار من المحام العام بأن لا وجه لإقامة الدعوى.
(مذكرة احد الساده المحامين أمام النيابة العامة أ. أحمد فتحي عبد القادر المحامي أشار إليها المستشار /أيمن العزاوي صدى البلد الطبعة الورقية)
وفي نفس النهج نراه في العديد من الأحكام الفرنسية إذ قضت محكمة النقض الفرنسية بعدم الاعتداد بالدليل الناجم عن إجراء غير مشروع وهو ما أكدت عليه محكمة العدل الأوربية في احد احكامها إذ قضت بعدم قبول الدليل الجنائي متى نجم عن إجراء غير مشروع تطبيقاً للمادة ٢/٦ من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الاساسية.
((Paris 28 / 3 / 1960 Gaz Pas
وعلى النقيض من الاتجاه السابق في الفقه والقضاء
نجد ان القضاء الانجليزي قد أخذ بالاتجاه القائل بأن للدليل غير المشروع حرية كاملة في الإثبات ولا تملك المحكمة استبعاده.
حيث نجد ان الأصل في القضاء الانجليزي تطبيقاً لقاعدة “الكومون لو” لا يلزم لقبول الدليل سوي تعلقه بالواقعة المراد إثباتها أياً كانت الطريقة التي تم الحصول عليه من خلالها اي حتى ولو تم ذلك بطريق غير مشروع فلا شأن للمحاكم بكيفية تحصيله.
ففي قضية R. V. Keeton حيث تقرر قبول دليل قدمه رجل شرطة استقاه من التنصت على محادثة هاتفية أجراها المتهم مع زوجته أثناء احتجازه بقسم الشرطة.
وقد جاءت المحكمة العليا supreme court بدورها لتضع قيداً على استعمال السلطة التقديرية للقاضي في استبعاد الدليل المتحصل عليه بطريق غير مشروع حيث جاء في الحكم انه فيما عدا اعترافات المتهم وبوجه عام الأدلة المتحصل عليها من قبل المتهم بعد ارتكاب الجريمة، فإن قاضي الموضوع لا يتمتع باي سلطة تقديرية في رفض قبول دليل متعلق بالقضية بحجة تحصيله بطريق غير قانوني او غير مشروع، فلا شأن للمحكمة بكيفية الحصول عليه ”
بما يستفاد منه أن التحريض الصوري للشرطة على ارتكاب الجريمة للإيقاع بمرتكبيها لا تملك المحكمة استبعاده كدليل-ولو كان غير مشروع- لكونه سابق علي ارتكاب الجريمة وليس بعد ارتكبها”
R. V. Sang 1980 A. C. 402,)
وأخيرا مع ملاحظة ان القضاء الشرعي ينفر بوجه عام من تطبيق جزاء البطلان على المخالفات الاجرائية، مالم تتمثل في انتهاك اصل من الأصول الشرعية المجمع عليها في الفقه الإسلامي او مخالفة الكتاب او السنه او الإجماع على تفصيل.. ومن أمثلة ذلك الأدلة المتحصلة من خلال استعمال الاكراه والقسوة، أو من مجرد الفراسة، أو من اقتحام المساكن بدون مسوغ، أو من التجسس او التلصص، أو من استعمال العقاقير المخدرة.. الخ)
(انظر ا. د. احمد عوض بلال الإجراءات الجنائية المقارنة )