اتجاهات القضاء في التوقيع على بياض

 

بقلم: الأستاذ/ محمد عبد الرؤف موسى

لجأ الناس للأوراق الموقعة على بياض وبصفة خاصة إيصالات الأمانة، وذلك ضماناً للالتزامات المستقبلية على المُوقع.

التوقيع على بياض: هو قيام شخص بالتوقيع على ورقة ـ أي كانت كينونة الورقة ـ دون وجود أي بيانات أخرى بها، وأحياناً لا يُسطر بها غير اسم المُوقع ورقم تحقيق الشخصية.

طريق معرفة حقيقة الورقة ذاتها: يتم التوصل كون الورقة سند الدعوى موقع عليها على بياض بلجوء المُوقع لطريق الطعن بالتزوير، فتخضع الورقة للفحص بالطب الشرعي قسم الأبحاث والتزييف ويرسل تقرير موضح فيه ذلك، والذي ينص صراحة فيه على كون الورقة موقع عليها على بياض وتم تسطير البيانات في ظرف مغاير للتوقيع.

فعند حدوث خلاف بين المُوقع وحائز الورقة، يقوم الحائز بمليء بيانات الورقة ويتخذها وسيلة للضغط على المُوقع باللجوء للقضاء بطرق مختلفة ومتنوعة، طمعاً في الحصول على حكم قضائي يرغم به أو يفاوض المُوقع للرضوخ لطلباته، والتي يتعسف فيها خاصة بعد إغلاق طرق الطعن على الحكم أمام المُوقع.

هناك اتجاهين للقضاء بناء على الورقة الموقعة على بياض ويغلب عليها الإدانة وهي على النحو التالي:

أحكام الإدانة (وهي الأغلب): وتتخذ من التالي نصوصاً مؤيدة لذلك الاتجاه

المادة 14 من قانون الإثبات والتي تنص:

“يعتبر المحرر العرفي صادراُ ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة”.

أحكام محكمة النقض وأهمها:

“حجية الورقة العرفية إنما تستمد من التوقيع عليها بالإمضاء أو ببصمة الختم أو ببصمة الإصبع، وهي بهذه المثابة تعتبر حجة بما ورد فيها على من وقعها حتى يثبت عدم صدور التوقيع منه”.

الطعن رقم 2143 لسنة 58 ق جلسة 24/11/1993 تعليقاً على نص م 14 إثبات

وكذلك الطعن رقم 111 لسنة 33 ق جلسة 4/4/1957 س 18 ص 760 تعليقا على نص المادة 394/1 من القانون المدني.

ولكن أخطرهم حكم النقض التالي والذي أباح إضافة بيانات غير صحيحة للورقة الموقعة على بياض:

“يجوز أن يوقع الشخص ورقة على بياض خاصة في الشيكات ثم يسلمها للدائن ليدون فيها ما تم الاتفاق عليه، فإذا تمت كتابة البيانات فوق التوقيع أصبح للورقة حجية الورقة العرفية وإذا لم يكن من سلمت إلية الورقة أميناً ودون بيانات مغايرة للبيانات المتفق عليها فإن المدين لا يستطيع إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة متى تمسك المستفيد من الورقة بذلك”.

موسوعة الإرشاد القضائية -الكتاب الثاني- المرشد في قانون الإثبات المستشار / يحيى إسماعيل – الطبعة الرابعة 2013 ص 154

وغيره من أحكام محكمة النقض التي أيدت الإدانة بناء على الورقة الموقعة على بياض.

أحكام البراءة: على الجانب الآخر نجد أحكام صادرة من ذات المحكمة بتجريم تغيير الحقيقة في الورقة الموقع على بياض ومنها:

“الأصل في الأوراق الموقع على بياض أن تغيير الحقيقة فيها ممن استأمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة ومن ثم يرجح في إثباته إلى القواعد العامة ومن مقتضاها أنه لا يجوز إثبات عكس ما هو ثابت في الورقة الموقعة على بياض إلا أن تكون هناك كتابة أو من مبدأ ثبوت بالكتابة ولا يخرج عن هذا الأصل الإحالة ما إذا كان من استولى على الورقة قد حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري عندئذ يعد تغير الحقيقة فيها تزويراً يجوز إثابته بكافة الطرق”.

طعن رقم 36 لسنة 26 ق جلسة 9/1/1961 س 12/212

“لما كان المقرر قضاء أن تغيير الحقيقة في الورقة على بياض وأن كان يعتبر على ما جرى به قضاء محكمة النقض خيانة أمانة يخضع للقواعد العامة إلا أنه إذا وقع هذا التغيير من آخر بغرض سلمت له الورقة اختيار فأنه يعتبر تزويراً يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة”.

طعن 457 لسنة 35 ق جلسة 22/1/1970 س 21 ص 174

“التزوير في الأوراق العرفية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة هو تغيير الحقيقة في المحرر بقصد الغش بإحدى الطرق التي عينها القانون تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وكان اصطناع المحررات هو من طرق التزوير المنصوص عليها في المادتين 217 ، 221 عقوبات …… “.

طعن رقم 813 لسنة 44ق جلسة 13/2/1979 تعليقاً على نص المادة 29 من قانون الإثبات.

“تغيير الحقيقة الذى يؤدى إلى اعتبار المحرر مزوراً هو ما يتغير به مضمون هذا المحرر بحيث يخالف حقيقة المعنى الذى قصد إثباته به م 49 ، 52 إثبات”.

طعن رقم 413 لسنة 48 ق جلسة 24/6/1982 س 33 ص 821

وغير ذلك من أحكام أخرى.

وبمطالعة الأحكام سواء المؤيدة للإدانة أو الرافضة لها بناء على الورقة الموقعة على بياض يتضح تضارب وتضاد واضح بين الأحكام وبعضها البعض، وبذلك يكون هناك اتجاهين متضادين لذات الموضوع وهو أمراً غير مقبول عقلاً أو قانوناً.

ولكن بالنظر الدقيق المتفحص نجد عدم وجود تضارب أو تضاد ولكن الاتجاهين قد اشترطا ثلاث شروط هامة وهي:

1– العلم النافي للجهالة: ويقصد هنا هو توافر علم المُوقع على بياض بما وقع عليه، وبما سيُسطر بصلب الورقة المسلمة منه في حالة لجوء حائز الورقة لاستخدامها.

2- التسليم بإرادة حرة بالصلب المستقبلي: ويقصد هنا بكون المُوقع قد وافق بشكل حر وبدون الضغط عليه أو إجباره بطريقة ما على التوقيع على الورقة دون ملئ صلبها بذات المجلس، مع علمه بما سيدون بالصلب مستقبلاً فصدرت موافقته بإرادة تامة غير معيبة.

3- حقيقة ما أُثُبت بالورقة:ـ يتضح بجلاء اشتراط أن يكون ما أثُبت بالورقة الموقعة على بياض هو بيان حقيقي؛ لما اتفق عليه الطرفين بالفعل وليس مجرد بيان غير حقيقي، قصد به الحائز للورقة استخدامه كوسيلة ضغط على المُوقع أو اصطناع مستند لواقعة غير حقيقية بالمرة.

الواقع العملي يظهر اتجاه أغلب الدوائر للإدانة في الورقة الموقعة على بياض، ولم تخف حدة الإدانة إلا بعد عمل حملة إعلامية بإظهار بعض الغارمات من سجونهم يستنجدنا من ظلم ما وقع عليهن، مما دفع عدد من الدوائر للقضاء برفع الحصانة الجنائية عن الورقة الموقعة على بياض وإصباغ الصفة المدنية عليها، وذلك في وجهة نظري المتواضعة كارثة، فتُأثر القاضي بالجدل الإعلامي أمر في غاية الخطورة.

الإدانة أو البراءة في الورقة الموقعة على بياض تستلزم بالضرورة سعى القاضي لإتاحة الفرصة لنفسه ولطرفي التداعي ليستقر في وجدانه بما لا يدع مجال للشك من توافر شروط الإدانة أو انتفاءها كما بينا بعاليه ـ العلم، الإرادة، الحقيقة، فارتكان القاضي للتوقيع الموجود على الورقة وحده كدليل إدانة أرى من وجهة نظري المتواضعة بأنه ارتكان خطأ.

وفي نهاية طرحي هذا أقول أن ما جاء فيه صواب يحتمل الخطأ أو العكس وأن كان به شيء من المعقول.

 

زر الذهاب إلى الأعلى