إلى أين وصل مشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة؟
أسماء دياب
ظلت ممارسة العنف ضد المرأة بعيدة عن الحسابات الدقيقة لفترة طويلة، ربما لوجود حالة الرضا المجتمعى بهذا الوضع، وربما لأن القوانين تدعم وتشجع هذا الاتجاه. فالمحاكم المصرية إلى الآن تحكم بأن دية المرأة على النصف من الرجل، ونصوص القانون المصرى تميز بين الرجل والمرأة فى نصوص التجريم والعقاب، مثل قيام جريمة الزنا، أو فى العقاب عنها، أو فى عذر التلبس، وغيره الكثير من الأوضاع فى القانون، وواقع المحاكم المصرية، الذى يفرق تفرقة مجحفة وظالمة بين الرجل والمرأة لمصلحة الرجل. هذه المقدمة لتوضيح أن تغيير الوضع ليس باليسير تقبله لدى الوعى الجمعى داخل المجتمع المصرى بمجرد تعديل القوانين.
فالعنف ضد المرأة، بداية من ولادتها إلى آخر يوم من عمرها، يعد وأدا معنويا للمرأة، أشبه بالوأد الفعلى الذى كان يحدث فى الجاهلية الأولى، وسط رضا مجتمعى، تدعمه آراء فقهية تعكس الصورة الذهنية لدى الفقهاء القدامى عن المرأة فى عصرهم، وهى تناقض روح الشرع، وتعاليم الدين التى نزلت على رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم. وهذه الآراء الفقهية نشأ عليها المجتمع، لانتشارها فى الفتاوى على الفضائيات إلى وقت قريب، وهى تحقر من شأن المرأة، وتضعها فى منزلة أقل من الرجل، مما أدى إلى أن الأرض أصبحت خصبة لانتهاك حقوق النساء، دون أدنى مقاومة من منهن أنفسهن أو من المجتمع.
فطبقاً للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تعرض 46% من نساء مصر للعنف من قبل الأزواج، وتعرض ٩٠ % من النساء لعملية الختان، و 11% أجبرن على الزواج، وربع النساء تزوجن دون الثامنة عشر عاما، فيما أوضح المسح أن 43% من نساء مصر تعرضن للعنف من قبل الأب، و 96% من النساء تعرضن للتحرش.
فكم من الأسر حرمت فيها المرأة من حقوقها، مثل الحرمان من التعليم، أو الحرمان من الميراث. فكثيرا ما نرى الإخوة الذكور يستأثرون بالميراث، ويحرمون أخواتهم من الإناث، فيعشن على المساعدات، ولا تجرؤ المرأة على المطالبة، أو حتى الاعتراض، حتى لا تتعرض لغضب إخوتها أوالعائلة. وفى بعض الأحوال، تتنازل المرأة عن حقها طواعية، نتيجة قلة وعيها أو شعورها بالدونية. ففى بعض الأوساط، تشعر المرأة وتقتنع بأنه ليس من حقها شىء، وتربى أبناءها على ذلك، هذا يحدث بالفعل إلى الآن، خاصة فى المجتمعات التى تتسم بالطابع القبلى، وتخضع بشكل كامل للسلطة الذكورية.
إذا تحدثنا عن حقوق النساء المنتهكة، فنحن نحتاج إلى عشرات المقالات، لذا وجب علينا الآن أن نتساءل عن مصير مشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة ؟ ولماذا تعثر ولم يخرج إلى النور حتى الآن ؟ فهذا المشروع تبنته النائبة نادية هنرى، منذ نوفمبر 2018، لكنه لم ير النور إلى الآن، فهذا المشروع من المفترض أنه سيجابه كل هذه الأوضاع، فهو جزء من رؤية الدولة، فى الآونة الأخيرة، لحماية حقوق النساء، ورفع الظلم عنهن، خاصة أن القيادة السياسية، متمثلة فى شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي، تدعم هذا الاتجاه بكل قوة، فسيادته لا يترك مناسبة الا وتحدث عن أحد حقوق النساء المعتدى عليها، سواء الطلاق الشفوى، أو الزواج المبكر، أوغيرها.
فنصوص المشروع الجديد تتضمن بابا كاملا لمجابهة العنف الأسرى، حيث عدل المشروع المادة (242) من قانون العقوبات الخاصة بالتجريم ببعض المواد الجديدة. ففى المشروع الجديد “من أكره امرأة على الزواج يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين”.
وفيما يخص جرائم الاغتصاب الزوجى، فنص المشروع على “أن كل من مارس العنف ضد زوجته لممارسة العلاقة الجنسية بالقوة، وتسبب فى إحداث ضرر جسدى أو جنسى أو نفسي للزوجة، يعاقب بالحبس”.
فيما يخص ظاهرة التحرش وحوادث الاغتصاب، عمل المشروع على استبدال كلمة “الجرائم الجنسية” بعبارة “هتك العرض وإفساد الأخلاق”، وهذا يفتح الباب لإدخال بعض مظاهر التحرش لم تكن مجرمة قبل ذلك، وأيضا تعديل بعض المواد فى القانون، منها المواد 267 و268و 269 إلى عقوبات أشد”، فكل من اغتصب شخصاً يعاقب بالسجن المشدد أو المؤبد، ولا يعتد برضا المجنى عليه، إذا كان طفلاً ذكراً أو أنثى، ولم يتم ال18 عاماً”.
ما سبق يعد من أهم النصوص المعدلة والمستحدثة، بالإضافة إلى إلغاء المواد الآتية من قانون العقوبات، لأنها تخالف ما ورد بهذا المشروع، فألغيت المادتان ( ٦٠ و ٧) الخاصتان بإعفاء الرجال من التجريم فى الجرائم الواقعة على النساء، والمادة (237) لأنها تحمى الرجال فى حالة قتلهم لزوجاتهم من العقاب، وفقاً للعقوبة الخاصة بالقتل، وتخالف ما ورد بهذا المشروع من أحكام جديدة، وإلغاء المواد(269 مكرر، 273، 274،275،276،277،278،279) الخاصة بجرائم زنا الزوج والزوجة، والفعل الفاضح العلنى وغير العلنى، وذلك لتمييزها ضد النساء. علاوة على ذلك، تمت إضافة باب تاسع إلى قانون المواريث، بعنوان “العقوبات”، يتضمن مادة جديدة تنص على” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تجاوز مئة ألف جنيه، كل من امتنع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى من الميراث”. وعلى الرغم من أن هذه المادة غير رادعة بشكل كاف، خاصة إذا كان الميراث كبيرا، فإنها خطوة على الطريق.
أخيراً، من الواضح لكل منصف أن لدى الدولة الإرادة الحقيقية لرفع العنف الواقع على المرأة، بكل أشكاله وصوره.
أما الآن، فعلينا تهيئة المناخ فى المجتمع، إلى أن يخرج مشروع القانون إلى النور، لاستقبال هذه المستجدات عن طريق رفع الوعى لدى المواطن، “امرأة ورجلا وطفلا”، وهذا الوعى لا يكون بعقد المؤتمرات والندوات فحسب، فلا يعقل أن تخاطب النخبة بعضها بعضا، فهذا شأن يخص كل طوائف وطبقات المجتمع، لذلك على الدولة والجهات المعنية أن تنزل إلى الأرض فى القرى، والنجوع، والمناطق الشعبية، الأقل تعليما وفقراً، لتوعية النساء بحقوقهن، ليس للمطالبة بها فقط، ولكن لتنشئة جيل جديد، قادر على احترام الأنثى، فالمرأة هى الأساس، والتشكيل السليم لوعى المرأة يعد هو بداية الطريق والأمل لبناء القادم.