أية أدوار تلعبها نقابة المحامين في خدمة الشباب؟
علي عبدالجواد
كانت – ولاتزال – نقابة المحامين على مدار العصور، صاحبة الريادة في إعداد أجيال قوية مثقفة على قدر المحاماة، ففي الوقت التي تهدف فيه النقابة إلى تنظيم ممارسة المهنة، وضمان حسن أدائها، وكفالة حق الدفاع للمواطنين، وتقديم المساعدات القضائية لغير القادرين منهم، والعناية بمصالح أعضائها، وتزكية روح التعاون بينهم، وضمان استقلالهم في آداء رسالتهم، وتشجيع البحوث القانونية ودراسات الشريعة الإسلامية، أولت النقابة اهتمامًا خاصًا بشباب المحامين حتى تفجرت الطاقات الكامنة داخل هؤلاء الشباب، لينطلقوا إلى ساحات دور العدالة يضعون بصماتهم الأولى مسلحين بالعلم والمعرفة وأخلاق مهنتهم العظيمة.
نقابة المحامين بتاريخها الحافل بالقامات من الزعامات الوطنية، أمثال الزعيم سعد باشا زغلول، ومحمد فريد، ومصطفى النحاس، وغيرهم من الزعامات ممن لا يتسع المجال لذكرهم، وانطلاقًا من شعارها الأول « الدفاع عن استقلال وسيادة الوطن».. ظلت تلعب أدوارًا مهمة وبارزة في مسيرة الحياة الوطنية، فأدت دورًا أساسيًا في حركة النضال ضد الاستعمار، والاحتلال، بمصر والوطن العربي. كل ذلك كان له عظيم الأثر في نفوس الشباب الذين ظلوا طوال سنوات الدراسة بكليات القانون في الجامعات المختلفة يحلمون بالانضمام إلى نقابة المحامين، وينالون شرف انطلاق مسيرتهم من عرين المجال الذي خرج على مدار التاريخ أبطالًا جسورين يحملون راية العدل ويسعون لتحقيقه في كل زمان ومكان.
انطلاقًا من هذه الأدوار المحورية لنقابة المحامين، يسعى هذا التحليل إلى تسليط الضوء على أبرز ما تميزت به نقابة المحامين عن نظيراتها من النقابات المهنية في مصر، ودورها في إعداد الشباب، ومدى أهمية هذا الدور.
«الشباب».. وأهمية الدور التاريخي للنقابة:
دائمًا ما يمثل الدور التاريخي لنقابة المحامين، الحافز والدافع لدى فئة الشباب، هذه الفئة التي تترسخ لديها ـ إذا ما اطلعت ـ مدى أهمية الأدوار التاريخية التي لعبتها نقابة المحامين، والتي هي أعرق النقابات المهنية في مصر، وهي أنتجت الوزراء والمسئولين الحكوميين، وكبار الشخصيات العامة، والأدباء، والمفكرين، والمثقفين، الذين قادوا العمل السياسي في مصر على مدار تاريخها الحديث.
ويشهد التاريخ المصري الحديث على ما كان لنقابة المحامين من سمو وعزة مشوار الكفاح عبر العصور؛ للدفاع عن المهنة، وأعضائها، وكيف استطاعت النقابة أن ترقى بالمهنة وتجعل المحاماة نبراسًا وتعلي من كرامة المحامي.
ولا شك في أن هذا التاريخ الحافل من شأنه أن يجعل مشاعر الشباب ملهبة تجاه مهنتهم، فيستنشقون رحيق عظمتها، ويترسخ حبها في أعماق قلوبهم، ويظلون دائمًا على أهبة الاستعداد للتغريد مرة داخل السرب وأخرى خارجه نحو تحقيق العدل بالعلم والحكمة والثقافة والهمة وعشق المحاماة، لينطلقوا بخطوات مسرعة على سلم التقدم يلحقون بركب العظماء من رموز المهنة السابقين.
«الشباب».. ومحفزات الانضمام إلى النقابة:
المراقب لأوضاع نقابة المحامين، يرى أنها من منطلق حرصها على تقديم أفضل الخدمات لأعضائها، فهي دائمة السعي نحو تحقيق إنجازات في العديد من الملفات النقابية، والتي أبرزها المعاش، والعلاج، إضافة إلى ميكنة الخدمات النقابية، وهو المشروع الذي كان لنقيب المحامين الحالي الأستاذ عبدالحليم علام، خطة لتنفيذه ومراحل لتطبيقه، إلى جانب التطوير الشامل الذي شهده الموقع الإلكتروني لنقابة المحامين، وما أدمجه من خدمات خاصة لمساعدة شباب المحامين في كافة مراحل التقديم والالتحاق بجداول النقابة.
وهذه الملفات الخدمية التي حققت فيها النقابة مستويات متقدمة من التحسين والتطوير، لا شك أنها كانت ـ ولا تزال ـ سببًا في ترجيح كفة المحاماة عن غيرها من المجالات الأخرى لدى الشباب في المراحل قبل الجامعية، ودافعًا لطلبة الحقوق في الجامعات المصرية في إنجاز المرحلة الجامعية للالتحاق بالنقابة والاستمتاع بخدماتها، وعونًا لأعضاء الجمعية العمومية من المحامين في ربوع الجمهورية بما تتميز به من خدمات. ويمكن إيجاز أهم الخدمات محفزات الانضمام إلى نقابة المحامين في الآتي:
(*) المعاش الأعلى على مستوى النقابات المهنية: فهذه الميزة التي تتفوق بها نقابة المحامين عن مثيلاتها من النقابات المهنية في ملف المعاش، يجعلها دائمًا محط ترجيح وسعي من الشباب الذين ينظرون إليها بأنها من أكثر المهن التي توفر خدمة معاشية محترمة لأعضائها. ومن هنا تستمر نقابة المحامين في خططها المالية لزيادة الحد الأدنى والحد الأقصى للمعاش بما يتناسب مع الزيادة المطردة في الأسعار. وتيسر النقابة إجراءات الحصول على المعاش لشيوخ المحامين وأسر المتوفين منهم واختزال الدورة المستندية المطلوبة لها، وهي بذلك تراجع بشكل دوري الطلبات وتعلنها عبر موقع النقابة.
(*) توفير خدمات مميزة في ملف علاج الأعضاء وأسرهم: وهو الأمر الثاني الذي يجعل نقابة المحامين محل تقدير من أعضائها، وخاصة الشباب، الذين بمجرد قيدهم في الجدول الابتدائي تفتح أمامهم خدمات العلاج المميزة التي تقدمها النقابة من خلال تعاقدها مع مجموعة مميزة من المستشفيات ومراكز التحاليل والأشعة على مستوى الجمهورية، إلى جانب نسب المساهمة الكبيرة في علاج الأعضاء، ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى ما حدث في ظل نقيب المحامين الحالي من زيادة نسبة مساهمة النقابة العامة في علاج السادة المحامين وأسرهم، دون تكبد المحامي أي زيادة في رسوم الاشتراك بالمشروع.
(*) تسهيل الخدمات من خلال الميكنة واللامركزية الإدارية: التحقت نقابة المحامين بركب التحول الرقمي، وذلك بفضل النقيب العام الذي وضع خطة عاجلة للميكنة وعمل على تنفيذها، وتطبيقها على عدة مراحل ، تمت جميعها بنجاح خلال فترة وجيزة لم تتخطى الشهرين، فأصبحت النقابة تقدم خدمات مميكنة من استخراج بطاقات العضوية، ومشروع العلاج من خلال المنظومة الإلكترونية الشبكية بمقار النقابات الفرعية، وسداد الرسوم بـالدفع الالكتروني من خلال «الفيزا كارت»، توأيضًا استخراج شهادات القيد وختم بطاقات الرقم القومي من الفرعيات. ولا شك أن هذه الخطوة من سهلت على جميع المحامين شبابًا وشيوخًا، ووفرت عليهم المال، وعبء الانتقال من المحافظات إلى مركز تقديم الخدمات بالنقابة العامة في القاهرة.
(*) الدفاع عن الأعضاء في أزماتهم وخاصة في أثناء وبسبب عملهم: أثبتت واقعة محامي مطروح والتي حدثت مطلع العام الجاري، وانتفاض نقابة المحامين بكل مكوناتها للوقوف إلى جانب 6 من أعضائها أن نقابة المحامين أن كرامة المحامي خط أحمر، وفي ذلك تسعى النقابة دائمًا على تذليل العقبات التي يلاقيها المحامي في أثناء ممارسة عمله، وكثيرًا ما انتقل النقيب العام ومجلس النقابة للوقوف إلى جانب المحامين في أزماتهم، وفي محن أخرى كلف النقباء الفرعيين وأعضاء مجلس النقابة العامة بمساندتهم.
(*) تطوير موقع نقابة المحامين لخدمة الأعضاء: شهد موقع نقابة المحامين تطويرًا شاملًا، حيث أدخل في صفحاته مجموعة من الخدمات المهمة، تنوعت بين الخدمية والتثقيفية، لتخدم بذلك شباب وشيوخ المهنة، وتسهل على الجميع في معرفة النقابة وجميع الإدارات العاملة بها، والخدمات التي تقدمها. واتاح الموقع العديد من الأحكام، والمعلومات، والكتب القانونية، والمحاضرات التي كانت عونًا للشباب في ظل ارتفاع أسعار أمهات الكتب. كما اشتمل التطوير على وضع خريطة للنقابات الفرعية وكيفية التواصل معها، إلى جانب العديد من الخدمات المهمة للأعضاء، ما كان له وقع إيجابي في نفوس الأعضاء وخاصة الشباب منهم الذين يدركون مدى أهمية المواقع الإلكترونية في تسهيل الخدمات.
وهنا يمكن القول، أن نقابة المحامين تقديم مجموعة من الخدمات تميزها عن غيرها من النقابات المهنية، إلى جانب التيسير على الأعضاء بإدخالها النظم الحديثة المميكنة في الدفع والتحصيل، والاتجاه إلى اللامركزية في الإدارة، مما جعلها متكاملة ومتفردة بتملكها مجموعة الميزات سالفة الذكر عن غيرها من النقابات المهنية الأخرى.
دور نقابة المحامين تجاه الشباب:
دائمَا ما اضطلعت نقابة المحامين بدور مهم تجاه شبابها، فهي يسرت عليهم الانضمام دون شروط تعسفية، ووفرت لهم أسباب العلم من خلال التدريب بقاعات معهد المحاماة على مستوى الجمهورية، ونظمت نشاطات متعددة لخدمتهم، ويمكن إلقاء نظرة على هذا الدور في الآتي:
(-) القيد دون شروط تعسفية: الخطوة التيسيرية الأولى على شباب المحامين، تتمثل في فتح الباب أمام جميع خريجي كليات الحقوق بالجامعات المصرية، للقيد بالجدول العام متى انطبقت عليهم الشروط والتي لا تعدو أنها شروط غير تعسفية، فلا يطلب ما لا يستطاع، بل أن النقابة دائمًا ما تصدر قرارات في أوقات متفرقة من العام تسهل بها على شباب المحامين، إلى جانب إدخالها نم ميكنة، والدفع بموظفين في إدارة القيد لسرعة تقديم الخدمات لهم، وهي بذلك تتيح فرصة أمام كافة الخريجين – على عكس هيئات كثيرة – للانضمام فور تخرجهم إلى نقابة ترعاهم، وتدربهم على ممارسة المهنة.
(-) التدريب: إلى جانب التحاق شباب المحامين بمكتب شيوخ وأساتذة المحاماة لتلقي التدريب العملي والانطلاقة الفعلية نحو ممارسة المهنة، تعمل نقابة المحامين من خلال معهد المحاماة المنتشر في كافة المحافظات على تدريب شباب المحامين من خلال استقدام أساتذة القانون وشيوخ المحاماة لتقديم المحاضرات في شتى أفرع القانون، وإيمانًا منها بأهمية تلقي هذا التدريب الذي هو أحد شروط نقل القيد إلى الجدول الابتدائي، يشرف على المحاضرات الأمين العام الأستاذ حسين الجمال، وعدد من أعضاء مجلس النقابة العامة فيما يخص معهد القاهرة الكبرى، بينما تشرف النقابات الفرعية بنقبائها وأعضاء المجلس على إدارة المعهد بالمحافظات.
(-) التثقيف: بين حين وآخر، تراعي نقابة المحامين إقامة ندوات تثقيفية سواء بمقر النقابة العامة، أو بالنادي النهري للمحامين في المعادي، أو في النقابات الفرعية بمقراتها في المحافظات، وتتنوع هذه الندوات حول أفرع القانون المختلفة، وبشكل خاص تقام الندوات المتخصصة في قانون الجرائم الإلكترونية، والطب الشرعي، لأهمية دراستهما بشكل عملي. إلى جانب ذلك تطرح تتوفر في النقابة العامة مكتبة قانونية تتيح الاطلاع على أمهات الكتب تيسيرًا على الشباب خاصة في الوقت الذي لا يستطيع فيه الجميع اقتناء هذه الكتب لارتفاع أسعارها، من ناحية أخرى تقيم النقابة من خلال لجانها (الفكر القانوني ومقررها الأستاذ محمد راضي مسعود ـ واللجنة الثقافية ومقررها الأستاذ محمد كركاب ـ ولجنة الشباب ومقررها الأستاذ محمد عبدالوهاب) العديد من النشاطات المهمة للسادة المحامين حيث تطرح الكتب مخفضة الأسعار، وتقام معارض الكتاب بشكل دوري في مقر النقابة العامة.
ختامًا، يمكن القول أن نقابة المحامين تلتزم برعاية شباب المحامين مهنيًا واجتماعيًا وثقافيًا، وهي في هذا المضمار حققت إنجازات مهمة كانت داعمًا للشباب في مسيرتهم نحو تحقيق الذات في رسالة المحاماة التي تتطلب مسيرتها أشواقًا إلى المعرفة، تصنع الفارق وتخلق محامي متميز. لذلك فالنقابة وشيوخها وشبابها يسعون جنبًا إلى جنب لخدمة رسالة المحاماة.