أوجه استخدام صور الأقمار الصناعية في الإثبات الجنائي والمدني

طرح الدكتور أحمد عبدالظاهر، أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة، مسألة «أوجه استخدام صور الأقمار الصناعية في الإثبات الجنائي والمدني»، وذلك في مقاله الذي نشر عبر الموقع الإلكتروني لنقابة المحامين تحت عنوان «صناعة التشريعات الجنائية في عالم متغير.. الإثبات بواسطة الأقمار الصناعية».

وقال إن من خلال تجربة وكالة الأدلة الهوائية والفضائية، يمكن القول إن استخدام الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية يمكن أن يكون دليل إثبات ناجع في العديد من القضايا الجنائية والمنازعات المدنية، ومنها ما يتعلق بالنزاعات حول حدود الملكيات العقارية، أو تحديد حقوق ارتفاق المرور والطرق بين العقارات، أو كشف أماكن المركبات المسروقة، أو المواقع غير المشروعة لمكبّات النفايات، أو التثبت من أضرار بيئية خطرة أصابت مستنقعات حيوية وغابات قديمة. إذ يمكن أن تكون الصور الملتقطة عبر أزمان مختلفة حاسمة في مثل هذه الحالات، ويمكن أن تسهم في تكوين عقيدة القاضي الجنائي في القضية، ولاسيما إذا كانت لدى المحقق الخاص خبرة باعتباره محامياً في الأمور المتعلقة بالفضاء، ومعرفة بالصور التي يمكن اعتبارها أدلة مقبولة.

وأضاف أنه قد تضمنت أول دعوى مدفوعة الأجر لأحد المحققين في وكالة التحقيقات سالفة الذكر طلباً من أحد سكان كاليفورنيا يقول إن جاره يدعي أن إحدى خدمات رسم الخرائط على الإنترنت توضح حقه في المرور عبر حديقة منزله، بل وأراد ذلك الجار أيضاً أن يُوثّق ذلك بشكل رسمي، فلجأ صاحب المنزل إلى الشركة لإثبات عكس ذلك. وبالعودة إلى الصور الأصلية الملتقطة من الفضاء عبر فترة من الزمن، استطاعت الشركة تحديد عدم وجود أي مسلك أو ممر عبر عقار ذلك الرجل.

وذكر أنه في إحدى الدعاوى، طُلب من المحققين النظر في تجريف أرض ما بشكل غير شرعي من إحدى البحيرات المحمية ضمن القانون الأوروبي باعتبارها من الأراضي الرطبة. وتمكّنا من العثور على صور تبين عدد وحجم عمليات التجريف، وقدّما أدلة على كمية الرمل الذي جرى تجريفه وتخزينه بالقرب من البحيرة وحتى كيفية تغير الكميات بشكل مؤثر عبر السنين. ويمكن أيضاً أن تبلغنا الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية عما إذا جرى توسيع منزل أو بناء ما، ويتم تسجيل الشكل المختلف فوراً على شاشة جهاز الرادار.

وذكر أنه فيما يتعلق بجرائم السرقة وإخفاء الأشياء المسروقة، وحيث إنه يمكن الحصول على صور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية المزودة بأجهزة الرادار، وبما أن هذه الأجهزة تكشف إشارات الرادار الدقيقة المنعكسة عن سطح ما، بدلاً من التقاط أشعة الشمس المنعكسة عنها، لذا يمكن استخدامها في مهمات مختلفة تماماً، مثل الأماكن التي نُقلت إليها أشياء ثقيلة مسروقة.

وأوضح قائلًا: «كما تساعد الأقمار الصناعية المخصصة لنظام التموضع العالمي في التحري أيضاً، بفضل خدمات التتبع التي تستعمل نظام تحديد هوية السفن. وطُلب من الوكالة إذا كان بمقدورها، من خلال صور الفضاء، تحديد السفينة التي ارتطمت بأحد توربينات الرياح المولدة للكهرباء والمثبتة قرب أحد السواحل. ومع أن من المستحيل تقريباً رؤية لحظة الارتطام، فإن عملية ملاحقة مسالك السفن يمكنها أن تحدد أي منها كان في تلك المنطقة في ذلك الوقت. وعندئذ، وعلى سبيل المثال، يمكن لعيّنات طلاء جسم السفينة المأخوذ من موقع الحادث أن يكون من الأدلة الجنائية المساعدة في تحديد هوية السفينة المرتطمة بالتوربين».

وقال إنه بالإضافة إلى ما سبق، يمكن استعمال الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية في تحديد مرتكبي الجرائم البيئية. فعلى سبيل المثال، وفي إحدى القضايا بجمهورية إيرلندا، أثار قطع أشجار غابة قديمة بعض التساؤلات عما إذا كانت عملية قطع الأشجار قبل زمن طويل لا يطال العقاب بموجبه أحد، أم أنه وقع مؤخراً.

واختتم موضوعه قائلًا: «من خلال الصور الملتقطة من الفضاء في أوقات زمنية مختلفة، تمكنت «وكالة الأدلة الهوائية والفضائية» من تحديد أن الأشجار المقطوعة قد اختفت خلال فترة بضعة أسابيع من عام 2014م، وذلك على نحو دقيق. كذلك، وبالنظر لأن مكبّات النفايات المحظورة أصبحت مشكلة متفاقمة، لذا يتوقع من الصور الملتقطة من الفضاء أن تصبح مورداً رئيسياً لأدلة المستقبل في إدانة المذنبين، لاسيما وأن هذه المكبات توجد دائماً في أماكن مفتوحة. وأحد الأمثلة الحديثة على ذلك هو مكبّ غير مشروع للنفايات في شمال إيرلندا ألقي فيه ما يقرب من واحد ونصف مليون طن من النفايات، كان معظمه من نفايات مواد البناء. كذلك، يمكن تحديد أماكن التربة المرفوعة أو أعمال الحفر، وذلك من خلال التصوير الفضائي، والذي بإمكانه أن يساعد قوات الشرطة في تحديد وإيجاد بقايا بشرية مدفونة».

زر الذهاب إلى الأعلى