أنا والآخر

كتب: الأستاذ/ محمود سلامة

عزيزي الذي يرى في نفسه العصمة والسوية والسلام ومحبة كل المخلوقات، هذا المقال لك، ولكنه ليس عنك.

أنا لا أعيشُ وحدي على هذا الكوكب، هناك آخرون مثلي في النوع، مختلفين عني في السلوك والذكاء والرؤية والعقيدة والعرق.

لستُ وحدي، فهناك آلافٌ من المخلوقات المتوحشة والأليفة تشاركني هذا الكوكب البائس.

لستُ وحدي، فلستُ صاحب الحق الوحيد في الحياة، الحياة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ومدلولاتٍ.

أنا مجردُ ضيفٍ يقتسم الخبز والماء والملح والهواء مع مليارات من الخلق ما علمتُ منهم وما لم أعلم، فلماذا أتصارع وبني جلدي على جمع ما سنتركه؟ ولماذا أحوز لخلَفي ما سيخلفون عليه من لن أراهم؟ ولماذا أهتم بأن أجمع لأجيالٍ لن أعاصرها مضطرًا لأن أجور وآخذُ دون حقٍ حقًا ليس لي؟

ربما لأني لو لم أسبقه إلى أرض لَتَسَيَّدَني عليها وانتزع ثرواتها لنفسه ممتلكًا بها قوةً تعطيه الحقَ من وجهة نظره في حكمي ومن ثم اعتباري من ممتلكاته كوني واقعًا في حدود ملكه.

نعم، إنه صراع البقاء للأقوى، ربما هذا يوضح جانبًا من التنمر لم ألتفت له أنا الإنسان من قبل. الإنسان في سعي دائم للقوة، وكل ما يمثل القوة يعيش له جامعًا  ليس إلا ليقي نفسه وذريته من الأخطار المحيقة به من الآخرين الذين يفكرون بنفس منطقه، فالجميع يقي نفسه من الخطر المحتمل المؤسس على افتراض السوء في الآخر، والذي قد يوصله إلى الإغارة عليه ليهزمه فيأمن شره. ففي الإنسانية المعاصرة البريء متهم حتى تثبت براءته، وهذا الاتجاه العام أصبح مؤثرًا في أبناء المجتمع من القضاة.

هذا الشعور صقلته التجارب التاريخية على مر العصور حتى بات على حد النفعية المطلقة، وبشكلٍ آليٍّ تصالحت المصالح التي نشأت مرتبطةً، فتشكلت الجماعات السلطوية المالية والعسكرية، بل والدينية، تلك السلطات التي كانت بحاجة لبعضها البعض كأدواتٍ ربما جمعتها في النهاية السلطة المالية تحت سقفها.

في الحقيقة الإنسان عدو لكل شيء، متمردٌ على كل ما سواه في المطلق، فهو سيد كل المخلوقات، يرى كل شيء مخلوقٌ له وحده، ولا حق لغيره في الحياة طالما مثلت حياته تهديدًا له، أو مثلت وفاته مكاسبَ له.

الإنسان لا يصارعُ المخلوقات فحسب على السيادة، بل يحارب بني جنسه، فعرقه عدو لكل الأعراقِ، ثم بلده عدوة لكل الدول، ثم محافظته، ثم قريته، ثم عائلته، ثم أسرته، ثم نفسه عدوة لغيره، ثم نفسه عدوة لنفسه.

الأب دائمًا يحبُ أكثر أبنائه نجاحًا أو أكثرهم تعويضًا لخواء داخله، والأم المقهورة تحب ابنها القوي الذي كبر ليحميها من البطش أو الفاقة اكثر، بل أنها تعتبر الباقين من رعاياه.

ومن ينفعك، فأنت تقبله لنفعه لك، لا لاقتناعك باختلافه، فإن كان مختلفا عنك ومختلفًا معك ولا نفع منه، فسيرحب به أعضاء نادي أعدائك، سواء كان عدوًا محققًا أو محتملًا. فالعلاقات قائمة على المنفعة، المالية، الجسدية، العاطفية، والذكي الذي يربط منافع الناس به ويربط نفسه بمنافعهم، سيضمن بقائه، ويضمن منافعه.

الإنسان في نسخته الأصلية سيقبل الآخر ما دام ينفعه، أو على الأقل إذا ضمن أنه لن يشكل عليه خطرًا، وليتأكد من ذلك فإنه سيكون البادئ بالهجوم ليكون خير وسيلة للدفاع، فإن هزمه فقد أمنه، ولكنه سيحافظ على ضعفه حتى ولو لم يتفوق عليه، فسيبقيه ضعيفًا ليضمن سلامة من وما يريد أن يضمن سلامته، ليس حبًا في الآخر الذي يحميه، ولكن حماية لمصالحه.

الإنسان هو المفترسُ الأول المتربع على هرم السلسلة البيولوجية.

زر الذهاب إلى الأعلى