«أغرب القضايا».. شاب يرتكب جريمة قتل و«ساعة» تنقذه من حبل المشنقة

كتب/ عبدالعال فتحي

عندما تقرر الذهاب إلى المحكمة فعليك بالتأمل في وجوه كل من تقابله، وستجد مئات القصص والحكايات، وراء تلك الوجوه الشاحبة، التي يكسوها الخوف من مصير مجهول، فلحظة دخول القاضي للنطق بالحكم، هي لحظة حبس الأنفاس؛ فمنهم من ينتظر مصيره من الإعدام أو المؤبد، وآخرون يترقبون البراءة؛ مشاعر متضاربة ما بين هذا وذاك؛ فأروقة المحاكم تشهد كل يوم على أغرب القضايا التي تحدث في المجتمع، ونعرض من خلال كتاب «أغرب القضايا» للمستشار بهاء الدين أبو شقة، قضية تحول فيها مصير شاب من الإعدام إلى البراءة.  

ذكر المستشار بهاء أبو شقة، في كتابه «أغرب القضايا»، أنه في إحدى الأيام أتت سيدة «مسنة» إلى مكتبه الخاص،  وذلك بعد انتهاء وقت العمل الرسمي بالمكتب، وكان لديها إصرار شديد على مقابلته، باكية بوجه شاحب من أثر الدموع الغزيرة، وبعد أن تمالكت نفسها وهدأت من روعها قالت «أنا أتوسل إليك أن تترافع عن ابن ابنى.. بـس أنا ممعيش فلوس.. وجيت أستجير بيك.. إنك تقف معاه وتسانده لوجه االله.. لأنه كـل شـيء في حيـاتي.. وإذا حصـله حاجـة حيـاتي هتنتهـي».. وقالـت بتلقائية: «ربنا يحافظ عليك ويسترك دنيا وآخرة» ودى الأتعـاب الـلي ممكـن أقدمهالك وإن رفضت أنا مش حا أروح لحد تانى.. المحامى بتاعى هو ربنـا وهو اللي يتولاه ويتولاني».

وروت المسنة قصة حفيدها: «في طفولته فقد أبويه في حادث سيارة وكان عمره ثلاث سنوات، ولم يعد له في الحياة غيرى، أنا جدته لأبيه، فرأيت فيه عوضـا عـن ابنـى الـذى اختطفه الموت وهو في ريعان شبابه.. وصممت في إصرار أن يكـون كـل حيـاتي وأن أكون له كل شيء في حياته ِ، وأعوضه عن حنان الأم وشفقة الأب اللذين حرمه القدر منهما.

حلم هذا الشاب الذى عاش حياته يتيماً فاقداً للأب والأم، أن يحقق حلم حياته بأن يصبح طبيباً وأن يحقق أمنية جدته التي كرست حياتها له، التحق الشاب بكلية الطب داخل القاهرة، بعيدا عن الريف الذى نشاء وترعرع فيه وزرع بيه قوة وأخلاق الفلاح البسيط، ولكن الإقامة والمال الذى ينفـق منـه عـلى مأكلـه وملبسـه ومسـتلزمات دراسته وقفا حجر عثرة في سبيل مستقبله.. فـأين يجـد لـه مكانـا في المدينـة المزدحمة بالملايين؟ ومن أين له بالمال الذى يوفر له الاستقرار والاسـتمرار؟.

وفى هذا المشهد أيضاً كانت الجدة هي الحل، فأرسلت حفيدها لشقيقها الذى يعمل بواب بإحدى العمارات بالجيزة بجوار الجامعة، لكن الحياة دائما لا تسير بشكل واحد، في إحدى الأيام كان الشاب يقف بجوار شقيق جدته أسفل العمارة، التقى بسيدة جميلة ومثيرة وثرية تسكن شقة فاخرة تطل عـلى النيـل في العمارة التي يقف على أبوابها.. ووقفت أمامه ورمقته بنظرة طويلة من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه.. وأطالت النظـرة فتـرة بعـد أن فحصـته ً جيـدا، وسألت البواب – يبقى مين الأمور ده؟.. ويرد الرجل باستحياء وخجل: خدامك يا ست.. ده ولـد بلـدياتي.. جـه من البلد ودخل الطب.. أصله فقير ويتيم وعاوز يطلع دكتور.

كان تلك النظرات بداية اللعنة، فلم يطل انتظــاره.. لاحقتــه السيدة ذات الجمال الجاذب وســعت إليــه.. دعتــه إلى شــقتها الفــاخرة واستحوذت عليه وامتلكته بسهولة ويسـر… اشـترت لـه الملابـس الغالية وأذقته الأطعمة الشهية الدسـمة التـي عـاش محروم من تذوقها، مضت عـلى الفتـى الريفـي شـهور ولم يذهب إلى الجامعة ولم يفتح كتاب، غارق في عسلها السيدة لا يرى إلى جمالها، حولته مـن  طالـب جـامعي إلى عبـد لإشـباع نزواتهـا،ّ وبـات مسـحور بجمالها وقد ملأ حبه لها عليه حياته. ً

وكما هي الحياة تتغير دائما، فوجئ الشاب بأن السيدة تتحول عنه، لم تعد تلاحقه، زهدتـه.. ّصـدته.. طردته من عالمها، وأخرجتـه مـن جنتهـا أفهمتـه –في البدايـة− أن أحـد الرجـال ّ تقـدم، لخطبتها وأنها ستتزوج منه وعليه أن يبتعد عنها، فساقه خياله الهزيل وفكره السقيم إلى أن يعرض عليها الزواج، فقابلته بالسخرية.

ضاع الشاب بين نهارً في إدمان المخدرات وليلاً يحلم بليلة واحدةً من ليالي عشيقته يحتسى الخمر بلا هوان، فقد أصبح الموت والحياة بالنسبة له شيء واحد، فلا هو يستطيع أن يعود لجدته التي كرست حياتها من أجله خالي الوفاض مدمناً للخمر فقرر أن يتخلص ممن كانت سبب في تدمير حياته.

ذهب متسللا إلى شقة حبيبته ولم يدر بنفسه إلا وهو ينهال على جسدها بعدة طعنات وضربات متلاحقة، واعترف الشاب بجريمته أمام النيابة، وقضت المحكمة بالإعدام شنقاً.

وكان للمستشار بهاء أبو شقة رأى أخر فتقدم لمحكمة النقض لإعادة محاكمة الشاب، معتمدًا في مذكرته للمحكمة أن الجريمة حدث في تمام الساعة العاشرة مساءً وفتح المحضر في الساعة الحادية عشر، وعمر المتهم في الساعة العاشرة لم يكن تعدى الثمانية عشر من عمره، مما يؤدى أن المتهم يعتبر حدث خلال ارتكابه للجريمة، وأن بلوغه لسن الثمانية عشر كان يستلزم وقع الجريمة بعد الساعة الثانية عشر، وعليه أصدرت محكمة النقض قرارًا بإلغاء حكم الإعدام وإعادة محاكمة المتهم من جديد.

انقلبت القضية رأسًا على عقب، بعد اكتشاف أن الشاب الذي كان بمرافقة السيدة قبل وفاتها هو من نفذ الجريمة وقتل عشيقته قبل أن يأتي المتهم ويظن أنها على قيد الحياة ويسدد لها طعنات متتالية.

تفاصيل هذا المشهد كانت بأن العشيق الآخر ظن أن السيدة ستتركه كما تركت من قبله، فصمم على قتلها وهو ما حدث باستخدام أداة حديدية فوق رأسها قبل أن يدخل الشاب المتهم وهو ليس في وعيه، سدد إليها طعنات وهى قد فارقت الحياة على يد عشيقها من قبل الطعنات، وخوفا من افتضاح الأمر قام القاتل الأصلي بضرب الشاب على رأسه ليفقد الوعى ممسكاً بسكينه لتنطبق كافة الاتهامات عليه.

افتضح أمر القاتل الأصلي بعد سرقة مجوهرات عشيقته، ومحاولة بيعها، وهو ما تنبهت إليه قوات الأمن وألقت القيض عليه، الطب الشرعي أثبت أن السيدة قد فارقت الحياة قبل طعنها على يد المتهم، واستطاع المستشار بهاء الدين أبو شقة اكتشاف تفاصيل هذه الواقعة وإثباتها أمام هيئة المحكمة، ليفاجئ الجميع أن الشاب الذى حكم عليه بالإعدام بريء تمامًا من تهمة القتل.

 

وقضت المحكمة في حكم تاريخي ببراءة المتهم الشاب من تهمة القتل، وسط ذهول وعجب الجميع من تفاصيل هذه القضية.

زر الذهاب إلى الأعلى