أصول الصياغة التشريعية.. الإحالة في التجريم والعقاب
تعليق على حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية الصادر في 13 نوفمبر 2024م في الطلب رقم 4 لسنة 2023 هيئة عامة
الدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي
مقدمة
في جلستها العلنية المنعقدة يوم الأربعاء الموافق الثالث عشر من شهر نوفمبر سنة 2024م، أصدرت الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض المصرية حكمها في الطلب رقم 4 لسنة 2023 هيئة عامة، بإقرار الأحكام التي انتهت إلى أن العقوبة المُقررة لجريمة القذف إذا تضمن طعناً في عرض الأفراد أو خدشاً لسمعة العائلات المنصوص عليها في المادة 308 من قانون العقوبات هي الحبس والغرامة معاً، وجواز الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة فيها، والعدول عما تعارض مع ذلك من أحكام.
وفي تسبيب قضائها، تقول الهيئة العامة للمواد الجنائية: «لما كانت المادة الثانية من القانون رقم 147 لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، ولئن ألغت عقوبة الحبس المنصوص عليها في المادتين 303، 306 منه، ورفعت الحدود الدُنيا والقُصوى لعقوبة الغرامة المقررة لهاتين الجريمتين لظروف واكبت ذلك التعديل كشفت عنها مضابط جلسات مجلس الشعب ومناقشات أعضائه والمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، ولحكمة ارتاها المشرع – أبقى على نص المادة 308 من قانون العقوبات بما تضمنته من تشديد العقوبة على جريمتي القذف والسب العلني إذا تضمن طعناً في عرض الأفراد، أو خدشاً لسمعة العائلات، والتي استبان من جماعها بجلاء انصراف نية المُشرع إلى الإبقاء على هذه المادة صالحة للإعمال بذاتها، ونافذة فيما نصت عليه من وجوب توقيع عقوبة الحبس والغرامة معاً على الجريمتين – سالفتي البيان – استهداءً بما نصت عليه المادة 18 من قانون العقوبات، مع الأخذ في الاعتبار ما نصت عليه المادة 308 المار بيانها في عجزها من وضع حد أدنى لعقوبة الحبس إذا كان النشر في إحدى الجرائد أو المطبوعات، ومن ثم جواز الطعن بالنقض في الحكم النهائي الصادر بالإدانة فيها. والقول بسريان عقوبة الغرامة دون سواها على جريمتي القذف والسب العلني إذا تضمن طعناً في عرض الأفراد أو خدشاً لسمعة العائلات، من شأنه تقييدٌ لمُطلق نص المادة 308 من قانون العقوبات وتخصيصٌ لعمومه بغير مُخصص والذي جاء واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المُراد منه».
ومع تأييدنا للهيئة العامة للمواد الجنائية فيما انتهت إليه من رأي، نود أن نلفت النظر إلى أن السبب الأساسي لاختلاف أحكام القضاء في شأن تطبيق المادة 308 عقوبات هو لجوء المشرع إلى أسلوب الإحالة في العقاب، بحيث لم يتضمن النص التجريمي كلاً من شق التجريم وشق العقاب في ذات النص، ودون حاجة للرجوع إلى نص آخر، وإنما لجأ إلى الإحالة إلى نصوص المواد 179 و181 و182 و303 و306 و307. ومع ذلك، وبالتمعن في عبارات الإحالة، نجد أنها لم تتضمن إحالة كاملة إلى المواد المحال إليها، وإنما أحالت إليها فقط في حدود العقوبة المقررة.
ولزيادة الأمر إيضاحاً، نرى من الملائم المقارنة بين الإحالة الواردة في المادة 337 عقوبات – قبل إلغائها بموجب قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999م وبين الإحالة الواردة في المادة 308 عقوبات. إذ أن الإحالة الواردة في المادة 337 جاءت عامة شاملة، بحيث تنص على أن «يحكم بهذه العقوبات (أي العقوبات المقررة لجريمة النصب المنصوص عليها في المادة السابقة عليها مباشرة، وهي المادة 336 عقوبات)». أما المادة 308 عقوبات، فتنص صراحة على تقرير عقوبتي الحبس والغرامة معاً، وأحالت فحسب إلى المواد الأخرى فيما يتعلق بالحدود المقررة لكل من الحبس والغرامة. ومن ثم، فإن إلغاء عقوبة الحبس من المواد المحال إليها لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يقود إلى القول بإلغاء عقوبة الحبس، لاسيما وأن نص المادة 308 قد تضمن النص صراحة على حد أدنى خاص لعقوبة الحبس، وهو ستة شهور، وذلك في حالة وقوع القذف والسب بطريق النشر في إحدى الجرائد أو المطبوعات.
ومن ثم، ورغم أن الهيئة العامة للمواد الجنائية قد حسمت الخلاف بشأن تفسير المادة 308 عقوبات، فإن ذلك لا ينبغي أن يلفت أبصارنا عن مساوئ اللجوء إلى أسلوب الإحالة في التجريم والعقاب. ومن ثم، نرى من الملائم انتهاز مناسبة صدور حكم الهيئة العامة سالف الذكر لإلقاء الضوء مرة أخرى على هذا الأسلوب من أساليب الصياغة التشريعية. ففي مؤلفنا الصادر عام 2011م بعنوان القوانين الجنائية الخاصة.. النظرية العامة، قمنا بإلقاء الضوء على حالات استخدام أسلوب الإحالة في صياغة نصوص التجريم والعقاب، وذلك بهدف تقييم مدى صواب استخدام هذا الأسلوب، حيث انتهينا إلى عدم ملاءمة استخدام أسلوب الإحالة في التجريم والعقاب. لتحميل الدراسة كاملة، يتم الضغط على هذا الرابط