أركان المسئولية التقصيرية

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 4237 لسنة 73 القضائية، أن المسئولية التقصيرية لا تقوم إلا بتوافر أركانها الثلاثة، من خطأ ثابت في جانب المسئول، إلى ضرر واقع فى حق المضرور، وعلاقة سببية تربط بينهما.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المطعون ضدها أقامت على الطاعن الدعوى رقم…. لسنة 1998 مدنى الجيزة الابتدائية بطلب إلزامه بأن يؤدى إليها مبلغ مليون وربع المليون جنيه تعويضًا عما أصابها من أضرار مادية وأدبية نتيجة لما ارتكبه الطاعن فى حقها حينما كان سفيرًا لمصر فى دولة…. وكانت تشغل معه منصب الوزير المفوض حيث فوجئت بنقلها إلى ديوان عام الوزارة بالقاهرة ثم تخطيها فى حركتى الترقيات إلى درجة السفير وهو ما أصابها فى شعورها وشرفها ولذا فقد أقامت دعواها. رفضت المحكمة الدعوى بحكم استأنفته المطعون ضدها بالاستئناف رقم…. لسنة 116 ق القاهرة، وفيه قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بما قدرته من تعويض عن الضرر الأدبى.

طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم…. لسنة 70 ق وفيه نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه والإحالة، وبعد تعجيل المطعون ضدها الاستئناف قضت المحكمة بإلزام الطاعن بتعويضها بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه عن الضرر الأدبى. طعن الطاعن للمرة الثانية فى هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقضه وعرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال حين قضى بإلغاء الحكم الابتدائى برفض الدعوى لانتفاء الخطأ فى حقه دون تسبيب كافٍ ودون بيان عناصر المسئولية الموجبة للتعويض واكتفى بتوافر الخطأ فى حقه مما سطره عن المطعون ضدها فى كتابه لوزارة الخارجية وأنه لم يقدم الدليل على ما تضمنه كتابه من عبارات ماسة بشرفها واعتبارها.

على الرغم من أنها لا تخضع لنظام تقارير الكفاية دون أن يفطن إلى حقيقة دفاعه من أن بلاغه لوزارة الخارجية بشأن المطعون ضدها لا يعد تقريرًا بكفاءتها لأن تقارير الكفاءة تحرر على نماذج خاصة وأن ما قام به يدخل فى إطار واجبه القانونى باعتباره رئيسًا للبعثة الدبلوماسية ومسئولاً عن حسن سير العمل بها وهو واجب قانونى عام فرضته أحكام القانون رقم 45 لسنة 1982 الخاص بنظام السلك الدبلوماسى والقنصلى ولم ينحرف فى أدائه عن السلوك العادى المألوف مما يعيبه ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعى فى محله، ذلك أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وإن كان مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أن تكييف هذا الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه هو من المسائل التى يخضع فيها قضاء محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان النص فى المادة 58 من القانون رقم 45 لسنة 1982 بإصدار قانون نظام السلك الدبلوماسى والقنصلى على أنه “يجب على أعضاء السلك الإقامة فى المدن التى بها مقار وظائفهم فى الخارج إلا لأسباب يقرها وزير الخارجية وعليهم الالتزام فى سلوكهم العام والشخصى بالواجبات التى تفرضها صفتهم التمثيلية ويقتضيها الحفاظ على سمعة البلاد وكرامة وظائفهم ويجب أن يظهروا بالمظهر اللائق بالوظائف التى يشغلونها… وبالإضافة إلى ما تقدم تسرى على أعضاء السلك القواعد العامة المنظمة لواجبات العاملين المدنيين بالدولة والأعمال المحظورة عليهم.

والمقررة بمقتضى القوانين المعمول بها” يدل وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية على أن نص المادة سالفة البيان أشارت إلى واجبات أعضاء السلك الدبلوماسى والقنصلى وأضافت إليها الواجبات المنصوص عليها فى المادتين 76، 77 من القانون رقم 47 لسنة 1978 الخاص بنظام العاملين المدنيين بالدولة ولما كانت الفقرة الثامنة من المادة 76 من القانون الأخير قد أوجبت على العامل تنفيذ ما يصدر إليه من أوامر بدقة وأمانة ويتحمل كل رئيس مسئولية الأوامر التى تصدر منه كما يكون مسئولاً عن حسن سير العمل فى حدود اختصاصاته، وكان الطاعن قد تمسك فى دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن ما أعده من تقرير بشأن مسلك المطعون ضدها فى دولة….. وإرساله لوزارة الخارجية – رئاسة كل منهما – مؤيدًا بالمستندات إنما يأتى فى إطار واجبه القانونى باعتباره رئيسًا للبعثة الدبلوماسية فى دولة…

ومسئولاً عن حسن سير عملها وكان الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى حقيقة ومرمى دفاع الطاعن فى هذا الخصوص واعتبر كتابته تقريرًا عن المطعون ضدها وما تضمنه من عبارات تمس مسلكها رغم توخيه الحيطة والحذر إنما هو من قبيل تقارير الكفاية التى لا تخضع لنظامه وكيّف هذا الفعل بأنه خطأ موجب للمسئولية فإنه يكون قد أخطأ فى فهم الواقع جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه.

وحيث إنه لما كان الطعن للمرة الثانية فإنه يتعين على المحكمة أن تحكم فى موضوع الدعوى عملاً بالمادة 269/ 4 من قانون المرافعات. ولما كان من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المسئولية التقصيرية لا تقوم إلا بتوافر أركانها الثلاثة من خطأ ثابت فى جانب المسئول إلى ضرر واقع فى حق المضرور وعلاقة سببية تربط بينهما.

وكان الثابت فى الأوراق أن المستأنف عليه نتيجة لما ورد إليه من شكاوى فى حق المستأنفة لشرائها ملبوسات وسيارة دون سداد باقى ثمنها وما تلاحظ له عليها من تكاسل وإهمال وعدم تعاون فى أدائها الوظيفى أعد بذلك تقريرًا ضمنه هذه المثالب وأخطر به جهة رئاستهما – وزارة الخارجية – وكانت هذه المثالب قد أوردتها تقارير أخرى لأجهزة الرقابة – جهاز التفتيش والصلاحية ومجلس السلك – كما أوردتها تقارير رؤسائها السفراء السابقين على نحو ما هو ثابت بمذكرة وزارة الخارجية المقدمة بحافظة مستندات المستأنف عليه بجلسة 27/ 3/ 2003.

ومن ثم فإن ما تضمنه تقريره الذى توخى فيه الحيطة والحذر وابتغى المصلحة العامة ولم يخرج فيه عن السلوك المألوف ويدخل فى إطار واجبه القانونى باعتباره رئيسًا للمستأنفة ومسئولاً عن البعثة الدبلوماسية وحسن سير العمل بها وقد فرضته عليه أحكام المادتين 58 من القانون رقم 45 لسنة 1982 بإصدار قانون السلك الدبلوماسى والقنصلى و76 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة ولا يشكل خطأ فى حق المستأنف عليه موجبًا لمساءلته، وإذ انتهى الحكم المستأنف إلى رفض الدعوى فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون وتقضى المحكمة بتأييده.

زر الذهاب إلى الأعلى