أثر تحريض الشرطي للموظف على قبول الرشوة
مقالات: محمد أحمد الفقي
تناولنا في المقال الماضي العنصر الأول من عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو طلب أو قبول أو أخذ الرشوة، ويثور التساؤل حول مدى مشروعية قيام مأمور الضبط بعرض الرشوة على الموظف بهدف إيقاعه في الجريمة والقبض عليه إذا ما إستجاب الموظف له؟ وبصورة أدق ما هو الحد الفاصل بين الإجراءات المشروعة التي يمكن أن يقوم بها رجل الشرطة لكشف جريمة ما مثل التنكر في زي طالب الخدمة و عرض الرشوة على الموظف، وبين تحريضه للغير و دفعه لإرتكاب جريمة بغرض إثباتها عليه؟ والإجابة على هذا التساؤل أنه لا يجوز معاقبة جاني على جريمة تم دفعه وإغرائه لإرتكابها، والعلة من عدم معاقبة الجاني إذا ما حرضه مأمور الضبط على قبول الرشوة هو أن الجاني في هذه الحالة يكون مثل الأداة السلبية في يد الشرطة، وتكون جريمة قبول الرشوة في هذه الحالة تكون ثمرة نشاط القائمين على تنفيذ القانون، وليس وليداً للسلوك الإجرامي للجاني المتهم بقبول الرشوة.
ويترتب على ثبوت تحريض مأمور الضبط للموظف لقبول الرشوة بطلان كافة إجراءات الإستدلال والتحقيق المنبني على تلك الواقعة، لأنه لولا تدخل مأمور الضبط بنفسه لما وقعت جريمة قبول الرشوة ولما تولد السلوك الإجرامي لدى الجاني، فالمقرر قانوناً أن سلطة رجال الشرطة في التحري وإكتشاف الجرائم لا تبيح لهم إختبار الأفراد في ميولهم ومدى إستعدادها للتردي في الجريمة، فإذا حدث ذلك أصبحت الجريمة وليدة تدبير غير مشروع ويصم البطلان كل إجراء ترتب على هذا التدبير، وقد قضت محكمة النقض بجلسة 16/6/1953 في الحكم المنشور بمجموعة الأحكام س4 رقم 253 ص988 بأن مهمة الشرطة الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مركبيها فكل إجراء يقوم به رجالها في هذا السبيل يعد صحيحاً طالما أنهم لم يتدخلوا في خلق الجريمة بطريق الغش والخداع أو التحريض على مفارقتها.
مع الأخذ في الإعتبار أن الدفع بالتحريض هو دفع بالطعن في سلامة الإجراءات، وأن ثبوت الجريمة في حق الجاني بدليل آخر خلاف الدليل المتولد عن التحريض يجيز إثبات التهمة في حق المرتشي، كما أن إعداد الشرطة لكمين لضبط المتهم لا يعتبر تحريضاً على إرتكاب جريمة الرشوة، طالما ثبت نية الموظف العبث بمقتضيات وظيفته، وللحديث بقية.