أثر الحبس الاحتياطي على عقود اللاعبين
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة – المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي
مقدمة
فجر يوم الأحد الموافق الحادي عشر من شهر أغسطس 2024م، شهدت مدينة العلمين بالساحل الشمالي في محافظة مطروح حادث تصادم أسفر عن وفاة أحد المواطنين، إثر دهسه بسيارة ملاكي كان يقودها أحمد فتوح، لاعب الفريق الأول لكرة القدم بنادي الزمالك. وقد وقع الحادث أمام قسم شرطة العلمين، حيث كان أحمد فتوح يقود سيارته وبرفقته شخص آخر. وبدأت الواقعة عندما فوجئ المارة في منطقة الحادث بسيارة ملاكي مسرعة تفقد السيطرة على الطريق وتدهس الضحية، الذي توفي على الفور، وتم على الفور استدعاء الإسعاف، التي قامت بنقل جثمان الضحية إلى مستشفى العلمين النموذجي، حيث تم تأكيد وفاته. وذكرت وسائل الإعلام المصرية أن الضحية كان يعمل في وظيفة «أمين شرطة»، وأن حارس مرمى الزمالك محمد صبحي هو الشخص الذي كان بصحبة فتوح في السيارة أثناء واقعة دهس الضحية.
وعقب الحادث، تمكنت قوات الأمن من القبض على اللاعب أحمد فتوح والتحفظ عليه وعلى السيارة التي استخدمت في الحادث، بالإضافة إلى استدعاء الشخص المرافق له لأخذ إفادته بشأن ما حدث. وبعد التحقيق مع اللاعب بواسطة النيابة العامة، صدر الأمر بحبسه احتياطياً لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق.
وفي يوم الخميس الموافق الخامس عشر من شهر أغسطس 2024م، وفي بيان صادر عنها، أعلنت النيابة العامة إحالة لاعب نادي الزمالك أحمد محمد أبو الفتوح (الشهير بأحمد فتوح) إلى محكمة الجنايات بتهمة تعاطي مخدر الحشيش والقتل الخطأ، وذلك بعد ثبوت قيادته للسيارة تحت تأثير المخدر أثناء حادثة الدهس. وجاء في البيان: «أمرت النيابة العامة بإحالة المتهم أحمد محمد أبو الفتوح – لاعب كرة القدم – إلى محكمة الجنايات المختصة، لمحاكمته فيما نُسب إليه من إحرازه جوهر الحشيش المخدر بقصد التعاطي، وتسببه خطأ في قتل المجني عليه/ السيد أحمد السيد، حال قيادته سيارة تحت تأثير ذلك المخدر وبحالة ينجم عنها الخطر». وأردفت النيابة العامة في بيانها: «ثبت بتحقيقات النيابة أن المتهم قاد سيارته بأحد الطرق الساحلية بسرعة هائلة جاوزت السرعة المقررة قانوناً تحت تأثير تعاطي جوهر الحشيش المخدر، فصدم المجني عليه حال عبور الطريق، فتناثرت أشلاؤه بداخل السيارة وعلى جنبات الطريق وحدثت وفاته، كما ثبت بتقرير مصلحة الطب الشرعي احتواء العينة المأخوذة من المتهم على المادة المخدرة المشار إليها». وأضافت النيابة: «هذا وقد استجوبت النيابة العامة المتهم، وتحقيقاً لدفاعه قامت بسؤال الطبيب الشرعي بالتحقيقات والذي جزم – وفق الثابت بتقرير فحص العينة – بتعاطي المتهم لجوهر الحشيش المخدر، وهو ما أيدته تحريات جهة البحث».
وفي يوم الاثنين الموافق السادس عشر من شهر سبتمبر 2024م، قررت محكمة جنايات مطروح – الدائرة الثانية بإخلاء سبيل اللاعب بكفالة خمسين ألف جنيه، وتأجيل نظر القضية لجلسة الثاني والعشرين من أكتوبر 2024م.
وبمجرد حدوث واقعة الدهس، قام مجلس إدارة نادي الزمالك بتكليف فريق قانوني للدفاع عن اللاعب والحضور معه أمام جهات التحقيق، كما حرص المدير الإداري لنادي الزمالك على التواجد في مقر النيابة لمرافقة اللاعب، انتظاراً لما تسفر عنه التحقيقات. كذلك، أعلن النادي عن دعمه للاعب في الأزمة التي يمر بها، ولم يصدر عن النادي أي رد فعل أو موقف يعبر عن اتخاذ موقف تجاه اللاعب، سواء بتوقيع عقوبات مالية عليه أو وقف صرف راتبه أو فسخ عقده مع النادي. ومع ذلك، وبغض النظر عن موقف نادي الزمالك في هذا الشأن، فإن التساؤل قد يثور في كل الحالات المماثلة عن أثر الحبس الاحتياطي على عقود اللاعبين، لاسيما إذا كان السلوك راجعاً في أساسه إلى سلوك عمدي غير مشروع للاعب، متمثلاً في تعاطي المخدرات أو شرب الخمر وقيادة السيارة تحت تأثير المخدر.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، نود في البداية التأكيد على أن اللوائح الرياضية الدولية والوطنية تخلو من نص صريح بهذا الشأن. وإزاء خلو اللوائح الرياضية من الحكم القانوني بهذا الشأن، فلا مناص إذن من الرجوع إلى القواعد العامة الواردة في لوائح أوضاع وانتقالات اللاعبين بشأن إنهاء العقد. كذلك، يبدو من المناسب في هذا الخصوص الرجوع إلى نصوص التشريعات العمالية فيما يتعلق بأثر الحبس الاحتياطي على علاقة العمل.
خطة الدراسة
لإلقاء الضوء على الموضوع الذي نحن بصدده، وللإلمام به من جوانبه كافة، نرى من المناسب تقسيم خطة الدراسة إلى أربعة مطالب، كما يلي:
المطلب الأول: أثر الحبس الاحتياطي على علاقة العمل.
المطلب الثاني: أثر الحكم بالإدانة على علاقة العمل.
المطلب الثالث: مدى جواز اعتبار الحبس الاحتياطي سبباً وجيهاً لإنهاء العقد.
المطلب الرابع: الرأي القائل بتغير الحكم حسب الظروف.
المطلب الأول
أثر الحبس الاحتياطي على علاقة العمل
تمهيد وتقسيم:
باستقراء التشريعات العمالية المقارنة فيما يتعلق بأثر الحبس الاحتياطي على علاقة العمل، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهات أربعة: أولهما، يخلو من نص خاص في هذا الشأن. أما ثانيها، فيقرر وقف العامل بمجرد توجيه الاتهام إليه بغض النظر عن صدور أمر بحبسه احتياطياً. وثالثها، يقرر جواز وقف العامل عن العمل لحين صدور قرار من جهة التحقيق أو حكم من المحكمة بحقه، مع وقف أجره. ورابعها، يقرر جواز وقف العامل عن العمل لحين صدور قرار من جهة التحقيق أو حكم من المحكمة بحقه، مع وقف نسبة من أجره.
التشريعات الخالية من النص على أثر الحبس الاحتياطي على علاقة العمل
يخلو القانون السعودي من نص خاص بشأن أثر الحبس الاحتياطي على علاقة العمل.
اتجاه وقف العامل بمجرد توجيه الاتهام إليه
تجيز بعض التشريعات العمالية العربية وقف العامل بمجرد توجيه الاتهام إليه، بغض النظر عن صدور أمر بحبسه احتياطياً من عدمه. فعلى سبيل المثال، وطبقاً للمادة السابعة والستين من قانون العمل المصري، الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003م، «إذا اتهم العامل بارتكاب جناية أو بارتكاب جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة أو اتهم بارتكاب أي جنحة داخل دائرة العمل جاز لصاحب العمل وقفه مؤقتاً، وعليه أن يعرض الأمر على المحكمة العمالية المشار إليها في المادة (71) من هذا القانون خلال ثلاثة أيام من تاريخ الوقف. وعلى المحكمة أن تبت في الحالة المعروضة عليها خلال سبعة أيام من تاريخ العرض، فإذا وافقت على الوقف يصرف للعامل نصف أجره، أما في حالة عدم الموافقة على الوقف يصرف أجر العامل كاملاً من تاريخ وقفه. فإذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة الجنائية أو قدم للمحاكمة وقضى ببراءته وجب إعادته للعمل مع تسوية مستحقاته كاملة وإلا اعتبر عدم إعادته فصلاً تعسفياً. وإذا ثبت أن اتهام العامل كان بتدبير صاحب العمل أو من يمثله وجب أداء باقي أجره عن مدة الوقف».
وفي أحد أحكامها القديمة، قضت محكمة النقض المصرية بأنه: وفقاً للمادة 30 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 «إذا نسب إلى العامل ارتكاب جناية أو جنحة إضراب غير مشروع أو التحريض عليه أو ارتكاب أية حادثة جناية أو جنحة داخل دائرة العمل جاز لصاحب العمل أن يقفه من تاريخ إبلاغ الحادث إلى السلطات المختصة لحين صدور قرار منها في شأنه. فإذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضي ببراءته وجب إعادته إلى عمله وإلا اعتبر عدم إعادته فصلاً تعسفياً تنطبق عليه أحكام المادة 39. وإذا ثبت أن اتهام العامل كان بتدبير صاحب العمل أو وكيله المسئول وجب أداء أجره عن مدة الوقف» ومؤداها أن المشرع رخص لرب العمل وقف العامل عن مزاولة نشاطه – كإجراء وقائي – بمجرد اتهامه بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها فيها بحيث لا يكون للعامل الحق في أن يتقاضى أجره عن مدة الوقف إلا إذا ثبت أن صاحب العمل هو الذي لفق الاتهام ودبره بقصد الكيد له والتخلص منه وليس يكفي في ذلك أن يكون الاتهام صادراً منه أو من وكيله – وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى في قضائه على أنه متى كان «صاحب العمل هو الذي استخلص التهمة ووزنها ثم وجهها إلى العامل وساندها بالأدلة وأوقف العامل نتيجة لها ثم ثبتت براءته منها تعين على رب العمل أن يدفع له أجراً عن مدة الوقف» فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه (نقض 18 مايو سنة 1966م، الطعن رقم 222 لسنة 32 القضائية، مجموعة الأحكام، س 17، رقم 158، ص 1162).
وفي الإطار ذاته، وفي دولة الامارات العربية المتحدة، وتحت عنوان «الإيقاف المؤقت عن العمل»، وطبقاً للمادة الأربعين من المرسوم بقانون اتحادي رقم (33) لسنة 2021 بشأن تنظيم علاقات العمل، «1. لصاحب العمل إيقاف العامل مؤقتاً عن العمل لمدة لا تزيد على (30) ثلاثين يوماً، بهدف إجراء تحقيق تأديبي معه إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، مع وقف نصف الأجر خلال مدة الوقف، وإذا انتهى التحقيق إلى الحفظ أو لعدم المخالفة أو مجازاة العامل بجزاء الإنذار، يصرف له ما تم إيقافه من الأجر خلال مدة الإيقاف. 2. لصاحب العمل إيقاف العامل مؤقتاً عن العمل عند اتهامه بارتكاب جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال أو الجرائم الماسة بالشرف أو الأمانة، وذلك إلى حين صدور قرار نهائي من الجهة القضائية المختصة، ويوقف أجره عن مدة الوقف، فإذا صدر قرار بعدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضي ببراءته لعدم الجناية أو انتهى التحقيق إلى الحفظ لعدم كفاية الأدلة، وجب إعادته إلى عمله مع صرف كامل أجره الموقوف».
اتجاه وقف العامل مع وقف أجره
ترتب بعض التشريعات العمالية العربية أثراً على حبس العامل احتياطياً على ذمة التحقيق في جناية أو جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة، وهذا الأثر هو جواز وقفه عن العمل، لحين صدور قرار من جهة التحقيق أو حكم من المحكمة بحقه، مع وقف أجره. ففي دولة الكويت، على سبيل المثال، وطبقاً للمادة الثالثة والأربعين من القانون رقم 6 لسنة 2010 في شأن العمل في القطاع الأهلي، «إذا حبس العامل بسبب اتهام صاحب العمل له حبساً احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي غير نهائي، اعتبر موقوفاً عن العمل ولا يجوز لصاحب العمل إنهاء عقده إلا إذا أدين بحكم نهائي. وإذا صدر حكم ببراءته من التهمة أو التهم التي أسندها إليه صاحب العمل التزم هذا الأخير بصرف أجره عن مدة وقفه، مع تعويضه تعويضاً عادلاً تقدره المحكمة».
وفي مملكة البحرين، ووفقاً للمادة الحادية والثمانين من قانون العمل في القطاع الأهلي، الصادر بالقانون رقم (36) لسنة 2012م، «إذا نسب إلى العامل ارتكاب جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة أو ارتكاب جنحة داخل دائرة العمل، جاز لصاحب العمل وقفه مؤقتاً عن العمل إلى أن يصدر قرار من النيابة العامة في شأنه، فإذا قررت النيابة العامة حفظ التحقيق أو أمرت بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو قضت المحكمة المختصة ببراءة العامل لأسباب تتعلق بنفي نسبة الجريمة إليه وجب إعادته إلى عمله. وإذا ثبت أن اتهام العامل كان بتدبير من صاحب العمل أو من يمثله وجب أداء أجره عن مدة الوقف، ويجب على كل من النيابة العامة والمحكمة المختصة – إذا ثبت لها ذلك – أن تشير إليه في قرارها أو في حكمها». وتنص المادة الثالثة والثمانون من القانون ذاته على أنه «مع مراعاة حكم المادة (81) من هذا القانون، كل عامل يحبس احتياطياً يوقف عن عمله بقوة القانون ويحرم من أجره مدة حبسه. ولا يخل حكم الفقرة السابقة بحق صاحب العمل في إنهاء عقد العمل إذا توافرت الشروط الأخرى للإنهاء».
وفي دولة قطر، وطبقاً للمادة التاسعة والخمسين من قانون العمل، الصادر بالقانون رقم (14) لسنة 2004م، «الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العمال هي: … 4 -الوقف عن العمل دون أجر أو بأجر مخفض لحين البت في التهمة الجنائية المنسوبة إليه، وإذا ثبت براءة العامل من التهمة أو تم حفظها، اعتبر الوقف كأن لم يكن، ويتم دفع ما يكون مستحقاً للعامل من أجر عن مدة الوقف».
اتجاه وقف العامل مع وقف نصف أجره
ترتب بعض التشريعات العمالية العربية أثراً على حبس العامل احتياطياً على ذمة التحقيق في جناية أو جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة، وهذا الأثر هو جواز وقفه عن العمل، لحين صدور قرار من جهة التحقيق أو حكم من المحكمة بحقه، مع وقف نصف أجره، وذلك بشروط وضوابط وإجراءات معينة.
المطلب الثاني
جواز إنهاء علاقة العمل حال إدانة العامل بحكم نهائي
تورد غالبية التشريعات العمالية المقارنة نصوصاً تجيز لصاحب العامل إنهاء علاقة العمل، إذا أدين العامل بحكم نهائي. فعلى سبيل المثال، تخول المادة (129) من قانون العمل المصري، الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003م، «لصاحب العمل أن ينهى عقد العمل ولو كان محدد المدة أو مبرماً لإنجاز عمل معين إذا حكم على العامل نهائياً بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، وذلك ما لم تأمر المحكمة بوقف تنفيذ العقوبة».
وفي مملكة البحرين، وطبقاً للمادة (107) من قانون العمل في القطاع الأهلي، الصادر بالقانون رقم (36) لسنة 2012م، «يجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل دون إخطار أو تعويض في أي من الحالات التالية: … 7- صدور حكم نهائي على العامل في جناية أو في جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة».
وفي دولة قطر، تنص المادة الحادية والستون من قانون العمل، الصادر بالقانون رقم (14) لسنة 2004م، على أن «يجوز لصاحب العمل أن يفصل العامل دون إنذار ودون منحه مكافأة نهاية الخدمة في الحالات التالية: … 10 -إذا أدين العامل بحكم نهائي في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة».
وفي سلطنة عمان، وطبقاً للمادة الأربعين من قانون العمل، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (53) لسنة 2023م، «يجوز لصاحب العمل فصل العامل دون سبق إخطاره، وبدون مكافأة نهاية الخدمة في أي من الحالات الآتية: …. 6- إذا حكم عليه نهائيًّا في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، أو في جنحة ارتكبت في مكان العمل أو في أثناء القيام به».
المطلب الثالث
مدى جواز اعتبار الحبس الاحتياطي سبباً وجيهاً لإنهاء العقد
تمهيد وتقسيم:
كرست لائحة أوضاع وانتقالات اللاعبين الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم ست مواد تكرس مبدأ عاماً، وهو «الحفاظ على الاستقرار التعاقدي بين اللاعبين المحترفين والأندية»، وهي المواد 13، 14، 15، 16 و17.
انتهاء العقد بانقضاء مدته أو بناء على اتفاق بالتراضي
تقرر المادة الثالثة عشرة من اللائحة مبدأ «احترام العقد»، بنصها على أن «لا ينتهي العقد بين اللاعب المحترف والنادي إلا بانقضاء مدة العقد أو بناء على اتفاق بالتراضي». ومن ثم، قد يتم في مثل هذه الحالات اتفاق الطرفين على فسخ العقد بالتراضي.
إنهاء العقد بناء على سبب وجيه
أما المادة الرابعة عشرة من اللائحة، فتتعلق بحالة «إنهاء العقد بناء على سبب وجيه»، وتنص على أنه «1. في حال وجود سبب وجيه، يجوز لأي طرف من طرفي العقد إنهاءه من دون أن تترتب عن ذلك أي عواقب (دفع تعويض أو فرض عقوبات رياضية). 2. أي سلوك مسيء من قبل طرف بغرض إجبار الطرف المقابل على إنهاء أو تغيير شروط العقد يخول ذلك الطرف المقابل (لاعب أو نادي) إنهاء العقد لسبب وجيه». ومن ثم، يثور التساؤل في هذا الصدد عما إذا كان حبس اللاعب احتياطياً يشكل سبباً وجيهاً لإنهاء العقد.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، قد ينظر البعض إلى الموضوع من زاوية قرينة البراءة، وبحيث ينتهي به الأمر إلى القول بعدم جواز بوجود إخلال من اللاعب، ولا يجوز بالتالي من وجهة نظرهم إنهاء العقد قبل ثبوت إدانته. يدعم ذلك أن التشريعات العمالية – كما سبق أن رأينا – تجيز فقط وقف العامل، مع وقف أجره كاملاً أو وقف نصف راتبه.
وفي المقابل، قد يقول البعض إن قرينة البراءة لا يجوز أن تجعلنا نغفل عن حقيقة أن النادي لن يستفيد من اللاعب خلال فترة حبسه احتياطياً. وفي حالة اللاعب أحمد أبو الفتوح، فقد أثبت تحليل العينة المأخوذة منه تعاطيه المخدرات، وهو ما يمثل إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته.
إنهاء العقد بناء على سبب وجيه لعدم دفع الرواتب المستحقة
بالنظر لخصوصية وذاتية حالة عدم دفع الرواتب المستحقة منظوراً إليها باعتبارها سبباً وجيهاً لإنهاء العقد، فقد رؤي إضافة مادة جديدة إلى اللائحة تتعلق بهذه الحالة على وجه الخصوص، حيث تنص المادة الرابعة عشرة (2) على أنه «1. في حالة إخفاق النادي بشكل غير قانوني في دفع راتبين شهريين على الأقل للاعب في مواعيد استحقاقهما، يعتبر أن لدى اللاعب سبب وجيه لإنهاء عقده، بشرط أن يكون قد أخطر النادي المدين كتابة ومنح النادي المدين مهلة نهائية لا تقل عن 15 يوماً للوفاء التام بالتزاماته المالية. يمكن النظر أيضاً في أحكام بديلة في العقود القائمة في وقت دخول هذا الحكم حيز التنفيذ. 2. بالنسبة لرواتب اللاعبين التي لا تدفع على أساس شهري، تؤخذ في الاعتبار القيمة التناسبية المقابلة لشهرين. يعتبر أيضاً التأخر في سداد مبلغاً يعادل شهرين على الأقل سبباً وجيهاً للاعب لإنهاء عقده، شريطة امتثاله للإشعار المنصوص عليه في الفقرة 1 أعلاه. 3. في تحديد اتفاقيات المساومة الجماعية التي تم التفاوض عليها بشكل صحيح من قبل ممثلي أصحاب العمل وممثلي الموظفين على المستوى المحلي وفقاً للقانون الوطني، عن المبادئ المنصوص عليها في الفقرتين 1 و2 أعلاه، وفي مثل هذه الحالة تسود أحكام هذه الاتفاقية».
وهكذا، تجيز لائحة أوضاع وانتقالات اللاعبين الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم إنهاء العقد بناء على سبب وجيه لعدم الرواتب المستحقة. والفرض هنا أن من يملك الفسخ هو اللاعب جزاءً على إخلال النادي بالتزامه بسداد رواتب العقد. ويشكل ذلك أحد المبادئ العامة الحاكمة للعقود الملزمة لجانبين. وينعقد إجماع قوانين المعاملات المدنية المقارنة على تقرير الحكم ذاته، وبحيث يجيز المشرع لكل طرف أن يطلب فسخ العقد إذا أخل المتعاقد الآخر بالتزاماته التعاقدية مع حق طالب الفسخ في التعويض إن كان قد أصابه أي ضرر جراء عدم وفاء الطرف الآخر بالتزاماته. فالفسخ إذن هو انهاء الرابطة التعاقدية بناء على طلب أحد المتعاقدين إذا أخل الطرف الآخر بتنفيذ التزاماته ويتم بصدور الحكم بفسخ العقد. فعلى سبيل المثال، وطبقاً للمادة 157 من القانون المدني المصري، «(1) في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض. (2) ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته». وتعليقاً على الحكم الوارد بالمشروع التمهيدي بهذا الشأن، أوردت المذكرة الإيضاحية ما يلي:
1- يفترض الفسخ وجود عقد ملزم للجانبين، يتخلف فيه أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه فيطلب الآخر فسخه، ليقال بذلك من تنفيذ ما التزم به. ويقع الفسخ بناء على حكم يقضى به أو بتراضي العاقدين، أو بحكم القانون. وبذلك يكون الفسخ قضائيا، أو اتفاقيا، أو قانونيا على حسب الأحوال.
2- في حالة الفسخ القضائي يتخلف أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه، رغم أن الوفاء لا يزال ممكناً، ويكون العاقد الآخر بالخيار: بين المطالبة بتنفيذ العقد، وبين طلب الفسخ، على أن يكون قد أعذر المدين من قبل. فإذا اختار الدائن تنفيذه العقد وطلبه، وهو يدخل في حدود الإمكان، كما هو حكم الفرض، تعين أن يستجيب القاضي لهذا الطلب، وجاز له أن يحكم بالتعويض، إذا اقتضى الحال ذلك. أما إذا اختار الفسخ، فلا يجبر القاضي على إجابته إليه، بل يجوز له أن ينظر المدين إلى میسرة إذا طلب النظرة، مع إلزامه بالتعويض عند الاقتضاء، بل ويجوز له أن يقضي بذلك من تلقاء نفسه. وله كذلك، ولو كان التنفيذ جزئياً، أن يقتصر على تعويض الدائن عما تخلف المدين عن تنفيذه، إذا كان ما تم تنفيذه هو الجزء الأهم في الالتزام على أن للقاضي أن يجيب الدائن إلى طلبه، ويقضي بفسخ العقد، مع إلزام المدين بالتعويض دائماً، إن كان ثمة محل لذلك. ولا يكون التعاقد ذاته، في حالة الفسخ، أساسا للالتزام بالتعويض، إذ هو ينعدم انعداماً يستند أثره بفعل الفسخ. وإنما يكون مصدر الإلزام، في هذه الحالة، خطأ المدين أو تقصيره. على أن القاضي لا يحكم بالفسخ إلا بتوافر شروط ثلاثة: أولها أن يظل تنفيذ العقد مكناً. والثاني أن يطلب الدائن فسخ العقد، دون تنفيذه. والثالث أن يبقى المدين على تخلفه، فيكون من ذاك مبرر للقضاء بالفسخ. فاذا اجتمعت هذه الشروط تحقق بذلك ما ينسب إلى المدين من خطأ أو تقصير.
والفرض في نص لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم الذي يجيز الفسخ لعدم سداد الرواتب المستحقة أن اللاعب هنا هو الذي يطلب الفسخ، رغم قيامه بأداء التزاماته المنصوص عليها في العقد. وغني عن البيان أن هذا الحكم لا ينطبق على حالة عدم قيام النادي بسداد رواتب اللاعب خلال فترة الحبس الاحتياطي. إذ ثمة مسوغ مشروع للنادي في هذه الحالة إذا امتنع عن سداد رواتب اللاعب.
إنهاء العقد لعدم الإشراك في 10% من المباريات
تحت عنوان «إنهاء العقد بسبب رياضي وجيه»، تنص المادة الخامسة عشرة من اللائحة على أن «يجوز للاعب المعترف به قانونياً والذي أشرك في أقل من 10% من المباريات الرسمية لناديه خلال الموسم، إنهاء عقده قبل المدة المحددة، بناء على وجود سبب رياضي وجيه. تراعى ظروف اللاعب عند تقييم مثل هذه الحالات. يجب إثبات وجود السبب الرياضي الوجيه على أساس كل حالة على حدة. في مثل هذه الحالة، لا تفرض عقوبات رياضية ولكن يجوز دفع تعويض. لا يجوز للاعب المحترف إنهاء عقده على هذا الأساس إلا خلال الخمسة عشر يوماً التي تلي المباراة الرسمية الأخيرة بالموسم للنادي الذي هو مسجل به».
والفرض في هذا النص أن اللاعب لم يشارك في 10% من المباريات الرسمية لناديه خلال الموسم، رغم أنه كان تحت إمرة ناديه، ومع ذلك لم يقم النادي بإشراكه في الحد الأدنى اللازم من المباريات. وبناء على ذلك يقوم اللاعب بإنهاء العقد. ونعتقد أن هذه الحالة لا تنطبق على حالة الحبس الاحتياطي. إذ ثمة مانع حال دون إشراك اللاعب في المباريات، وهذا المانع يعود إلى اللاعب نفسه. ولا يتصور بالتالي أن يتمتع اللاعب بمكنة إنهاء العقد في هذه الحالة، رغم أنه كان السبب في عدم إشراكه في الحد الأدنى اللازم. بل إنه لا يجوز – في اعتقادنا – للاعب أن يستند إلى هذا الحكم خلال الموسم الرياضي الذي كان خلاله أو خلال فترة زمنية منه محبوساً احتياطياً، بحيث تعذر خلال هذه الفترة إشراكه في عدد لا بأس به من المباريات.
حظر إنهاء العقد أثناء الموسم
تحت عنوان «قيود على إنهاء العقد من طرف واحد أثناء الموسم»، تنص المادة السادسة عشرة من اللائحة على أنه «لا يجوز إنهاء العقد من طرف واحد خلال سريان الموسم». وإذا كانت واقعة حبس اللاعب أحمد فتوح احتياطياً قد حدثت خلال الفترة بين الموسم الرياضي المنقضي والموسم الرياضي الجديد، فإن التساؤل عن الحالات المماثلة التي يكون فيها الحبس الاحتياطي قد حدث خلال فترة المنافسات الرياضية الرسمية، وما إذا كان الحظر المنصوص عليه في المادة السادسة عشرة ينطبق على هذه الحالة، وبحيث لا يجوز إنهاء العقد، ولو كانت واقعة الحبس الاحتياطي تشكل سبباً وجيهاً لإنهاء العقد.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، وفيما لو تم اعتبار الحبس الاحتياطي سبباً وجيهاً لإنهاء العقد، نرى أن القيد أو الحظر المنصوص عليه في المادة السادسة عشرة من اللائحة لا يسري في هذه الحالة.
المطلب الرابع
الرأي القائل بتغير الحكم حسب الظروف
أثناء الندوة المنعقدة يوم الأربعاء الموافق السادس عشر من شهر أكتوبر 2024م، والتي نظمتها الأكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم (IAMA)، عن الحكم الصادر من محكمة العدل الأوربية في قضية لاسانا ديارا ضد الفيفا، طرحت تساؤلاً على المستشار أحمد الورفلي، القاضي السابق والمحكم التونسي المتخصص في القانون الرياضي عن مآل عقد اللاعب الذي يتم حسبه على ذمة تحقيقات جزائية، سواء تعلق الأمر باعتقال احتياطي (احتفاظ، إيقاف تحفظي…) أم بحكم بالسجن.
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، كتب المستشار أحمد الورفلي على صفحته بموقع التواصل المهني لينكدن ما يلي: الرأي في مسألة حبس اللاعبين احتياطياً ينبغي أن يكون متغيراً بحسب الظروف أي أنه لا يمكن أن يكون هناك تعامل واحد لكل الفرضيات. ففي كثير من البلدان، يمكن أن تطول مدة الحبس الاحتياطي في الجنايات، كما توجد بلدان لا تضع قوانينها سقفاً زمنياً للاعتقال الاحتياطي. وفي تونس، حدد القانون منذ نوفمبر 1987 أمداً أقصى للاحتفاظ بالمظنون فيه من قبل الأجهزة الأمنية، وأمداً أقصى للإيقاف التحفظي بقرار من قاضي التحقيق. لكن، متى بدأت المحاكمة (بعد انتهاء طور التحقيق)، تصبح مدة الايقاف غير محددة زمنياً، رغم أن محكمة النقض قالت في قرار تاريخي إن مدة 14 شهراً هي مدة اجمالية للإيقاف التحفظي لا يمكن مواصلة حبس الشخص تحفظياً بعدها لأي ظرف أو سبب كان.
فالرأي الراجح حسب التشريع الحالي وتوجّهات محكمة النقض هو أنه بعد نهاية التحقيق، يصبح الحبس الاحتياطي غير محدد بزمن. ومن الحجج على ذلك أنه لو كان المشرع يقصد أن تكون مدة 14 شهراً مدة اجمالية للإيقاف التحفظي مهما كانت تطورات الإجراءات لكان عليه أن يقسمها بين مختلف الجهات المتدخلة (قاضي التحقيق، دائرة الاتهام، محكمة النقض، الدائرة الجنائية، المحكمة الاستئنافية). لكن أن يترك الأجل صبرة واحدة غير مجزّأ يعني أنه يمكن لقاضي التحقيق أن يستهلك كامل الأجل أو أن يترك منه يوماً واحداً أو أسبوعاً واحداً، بحيث لا يترك أي هامش لمن ينظر في الملف من بعده، وبالتالي يسحب من دائرة الاتهام والدائرة الجنائية صلاحية الإيقاف التحفظي في غياب أي نص أو منطق مقبول.
غير أن الإشكال الذي يطرح بالنسبة للاعب كرة القدم (وللعمال عموماً أو الأجراء على حد تعبير المشرع التونسي) هو أن الإيقاف التحفظي (والاحتفاظ) يظل احتياطياً، بحيث لا يمكن من البداية توقّع التاريخ الذي سينتهي فيه، كما لا يمكن لأحد أن يتكهّن بأنه سينتهي باسترجاع الشخص حريته أو على عكس ذلك بالحكم عليه بعقوبة قد تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي. وفي ظل هذه الضبابية، لا يمكن أن تبقى حقوق النادي معلّقة أو أن تعامل بطريقة عشوائية. فيجب أن يكون هناك منطق يتيح للنادي اتخاذ الإجراء المناسب بحسب مصلحته وبحسب تطورات الأحداث، بما في ذلك إمكانية فسخ العقد والتخلص من العبء المالي الناجم عنه، إذا رأى أن من مصلحته أن يفعل ذلك.
لذلك، وبناء على ما سبق، يرى المستشار أحمد الورفلي أن النادي عليه ألا يستبق الأمور وألا يتسرع في الفسخ. لكن إذا طالت مدة حبس اللاعب فله أن يبادر إلى فسخ العقد بقطع النظر عن أيّ اعتبارات أخرى، أي حتى ولو تمسّك اللاعب بقرينة البراءة وبأنّ الأصل هو الحرية، لأن المعتبر بالنسبة للنادي هو عدم قدرته على الاستفادة من خدمات اللاعب في ذلك الظرف الزمني وعدم قدرته على توقع زمن استرجاع اللاعب حريته، وبالتالي قدرته على تنفيذ الخدمات محل العقد، والتي من أجلها يتحمل النادي العبء المالي من أجور ومكافآت.
ويعني ذلك طبعاً نقل التبعة: فإذا ما بادر النادي إلى فسخ عقد اللاعب ثم تقرر حفظ التهمة أو حكمت المحكمة بالبراءة فإن اللاعب يحقّ له أن يطالب الدولة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء الحبس غير المبرر وما ترتب عنه من فسخ عقده وبالتالي من خسائر مالية (ومعنوية). وفي هذا توجد بعض البلدان التي أقرت هذا الحق في مطالبة الدولة بالتعويض صراحة، مثل تونس، ولو أن التعويض تافه (3 دينارات أي أقل من دولار واحد عن كل يوم ايقاف مع حد أقصى لمجموع التعويض عن 3 سنوات إيقاف، أي حوالي 1000 دولار في النهاية مهما كانت مدة الايقاف وحجم الضرر، أي ما فات اللاعب من كسب وما لحقه من ضرر معنوي). أما في البلدان التي لم تنص صراحة على حق اللاعب في التعويض، فالمفروض أن ذلك لا يمنع اللاعب (كغيره من الناس) من طلب التعويض عن الحرمان غير المبرر من حريته.
وعلى كل حال، فإن استحالة الحصول على تعويض من الدولة لأي سبب، ولو كان وجود قانون ينص صراحة على عدم التعويض أو غياب النص أو تصدي المحاكم لمثل هذه الطلبات بالرفض لا يعني نقل تبعة الحبس الاحتياطي إلى الخواص (أي إلى النادي)، لأنه سيتحمل عندئذ وزر فعل غيره أي الدولة، حال أن القاعدة هي أن «لا تزر وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».
فإيقاف اللاعب يؤدي إلى تغيّبه عن التدريبات وعن المباريات، وعدم تواجده في ميادين التدريب واللعب، ولا يمكن تصنيفه كغياب شرعي، ومن ثمة يعتبر هذا الغياب سببا مشروعا (juste cause) للفسخ. وفي قانون العمل العام، اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ 20 يوليه 1989 أن المؤجر يحق له طرد العامل، إذا برر العامل غيابه عن العمل بأنه تمت دعوته إلى امتحانات عسكرية، في حين تبين أنه كان في الحقيقة محل إيقاف تحفظي، إذ جاء بحكمها ما يلي:
«Mais attendu que la cour d’appel a relevé que M. X… avait essayé de tromper son employeur en ne se présentant pas à son poste deux jours d’affilée au prétexte qu’il était soumis à des épreuves de pré-sélection militaire, alors qu’en réalité il passait ce temps en compagnie de désœuvrés et se livrait à une agression sexuelle qui entraînait son arrestation et sa mise en détention provisoire» (Voir: Cass. Soc. 20 juillet 1989, pourvoi n° 86-45581, https://juricaf.org/arret/FRANCE-COURDECASSATION-19890720-8645581).
وجدير بالذكر أنه في هذه القضية، اقتصر غياب الأجير على يومين فقط، وأن المحكمة اعتبر أن الخطأ لا يتمثل في مجرد الغياب بل في الكذب ومغالطة المؤجر في خصوص سبب الغياب، حال أن الأمر يتعلق بإيقاف تحفظي من أجل جريمة جنسية.
وفي المقابل، وفي حكم صادر عن محكمة استئناف «دوي» (Douai) بتاريخ 30 يناير 1998، اعتبرت المحكمة أن الإيقاف التحفظي للأجير لا يبرر طرده، لأن الأصل هي البراءة، وأن الإيقاف لا يعزى إلى فعله، بل سُلّط عليه. وهذا التوجه أقرّته محكمة النقض الفرنسية في حكمها المؤرخ في الحادي والعشرين من شهر نوفمبر سنة 2000م، مع إيضاح مهم في خصوص شروط اعتبار أن الغياب عن العمل بسبب الإيقاف التحفظي غياب شرعي لا يبرر الطرد، حيث ورد بحكمها ما يلي:
«Le placement d’un salarié en détention provisoire, présumé innocent alors que l’obstacle mis à l’exécution du contrat de travail ne lui est pas imputable entraîne la suspension du contrat de travail…
La cour d’appel, ayant constaté que cette incarcération n’avait entraîné aucun trouble dans l’organisation et le fonctionnement de l’entreprise a exactement décidé que ce fait de vie personnelle ne constituait pas une cause de licenciement» (Voir: Cass. Soc. 21 novembre 2000, Pourvoi n° 98-41.788, https://www.legifrance.gouv.fr/juri/id/JURITEXT000007043776).
فالشرط الذي وضعه هذا الحكم هو أن يثبت أن غياب اللاعب لم يتسبب في اضطراب محسوس في سير العمل بالمؤسسة، وهذا الشرط مفترض في حالة لاعب كرة القدم، وذلك لسببين على الأقل:
الأوّل، هو أنّ عقود اللاعبين عقودٌ محدودة المدّة وجوباً، وهي قصيرة بطبيعتها، ومن ثمة فإن كل غياب يؤثر على قدرة النادي على الاستفادة من خدمات اللاعب بخلاف العامل العادي الذي يستمر في العمل لدى نفس المؤجر لمدد طويلة قد تصل أحياناً إلى أربعين سنة.
والثاني، هو أن النادي لديه عدد محدود من اللاعبين وهو ينتدب عدداً معقولاً منهم على أساس أن يكون له 11 لاعباً أساسياً باستمرار مع عدد معقول من الاحتياطيين. وبما أن كرة القدم رياضة فيها كثير من الاحتكاك فإن خطر الإصابة يلاحق اللاعبين في كل وقت. فحتى إذا كان اللاعب المعني احتياطياً بل وحتى إن كان هو اللاعب الثالث في مركزه فإن ذلك لا يمنع من أن خطر إصابة اللاعب الاحتياطي قائمة في كل حين، فضلاً عن أن المدربين يقومون في غالب الأحيان بتدوير اللاعبين لأسباب تكتيكية، بحيث لا يمكن مثلاً التعلل بأن اللاعب احتياطي ولا يلعب باستمرار لادعاء أن غيابه بسبب الإيقاف الاحتياطي لا يؤثر على النادي. فهذه حجة لا تمضي في نظري. فالضرر الذي يلحق بالمؤجر مفترض، بخلاف ما قررته المحاكم الفرنسية في نزاعات العمل العادية من أن المؤجّر هو الذي يتحمّل عبء اثبات الضرر الذي يلحق المؤسسة من جراء غياب اللاعب.
ويتماشى هذا التحليل مع موقف محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ 9 يوليه 2002م، والذي أكدت فيه أنه، ولئن كان المبدأ هو أنه لا يحق للمؤجر فسخ عقد العمل لأسباب متصلة بالحياة الخاصة للأجير، فإن الأمر على خلاف ذلك حين تؤدي هذه الأمور إلى الإضرار الجسيم بالمؤسسة المؤجرة. كما تضيف المحكمة أنه إذا تم إيقاف اللاعب احتياطياً بسبب اعتدائه على عشيقته التي هي بدورها من أجراء نفس المؤسسة، فإن ذلك يبرر فسخ عقده، بالنظر إلى ما يسببه سلوكه من اضطراب للمؤسسة. راجع:
Cass. Soc., 9 juillet 2002, N° de pourvoi: 00-45068, https://juricaf.org/arret/FRANCE-COURDECASSATION-20020709-0045068.
ومن ثم، فإن النادي عليه أن يتريث لمدة معقولة قبل اتخاذ قرار الفسخ، ويمكنه إذا استمر الحبس بعد هذه المدة المعقولة أن يعلق العمل بالعقد أو أن يفسخه بحسب ما يرى فيه فائدة، دون أن يتحمل أي التزام بالتعويض أو بمواصلة دفع أجور للاعب.
أما عن المدة المعقولة، فأرى أنه يمكن قياسها على المدة المعقولة التي يحق بعدها للاعب فسخ عقده بخطأ من النادي، وهي مدة ثلاثة أشهر إذا لم يقع دفع أجوره من قبل النادي. فالأصل أن ثلاثة أشهر من الحبس (الاحتياطي أو النهائي) كافية لتبرير فسخ عقد اللاعب من قبل النادي. والبديهي أن هذه القاعدة مقرر لصالح النادي وحده، لا لصالح اللاعب. لكن هذه المدة هي مؤشر لا غير، لأنه يمكن أن توجد ظروف يصح فيها الفسخ إذا تم حبس اللاعب لمدة أقل من ذلك، كما إذا كان الحبس قد حصل في آخر حياة العقد بحيث لم يبق منها إلا بعض الأسابيع، حيث يمكن للنادي أن يتخلص من اللاعب إذا أضحى من الواضح أنه لن يستفيد من اللاعب في المستقبل بشكل مناسب، أو إذا بقيت مدة قصيرة من العقد في حين أن النادي أقصي من المسابقات المتبقية، بحيث إنه حتى إذا تم الافراج عن اللاعب لأي سبب فإن الوقت لن يكفيه ليتدرب من جديد وليسترجع لياقته البدنية، وليصبح جاهزاً للّعب بفاعلية من جديد.
أما الإدانة، فهي تثبت ارتكاب جريمة قد لا يكون لها أي رابط بالحياة الرياضية، كما قد تكون بعقوبة سجنية غير نافذة أو بالغرامة (الخطية)، وبالتالي تقاس الأمور بقدرها أي حالة بحالة. فإذا حُكم على اللاعب بعقوبة سالبة للحرية فإن ذلك يعني عدم امكانية استفادة النادي من خدماته. لكن هذا لا يعني أن النادي له الحق في الفسخ مهما كان صنف الجريمة أو مهما كانت درجة اتصالها بالحياة الرياضية. فإذا كانت مدة السجن معتبرة، فهي تعطي النادي الحقّ في الفسخ، لكن إذا كانت قصيرة، كما إذا كانت مخالفة عقوبتها السجن 15 يوماً (لكن المحاكم غالباً ما تقضي فيها بمدد أقصر من ذلك)، فلا أرى أنها كافية لتبرير الفسخ، إلا إذا كانت الجريمة مرتبطة مباشرة بالحياة الرياضية، كتناول المخدرات أو المنشطات أو العنف في الملاعب أو تهييج الجماهير…، حيث يمكن فسخ العقد، ولو كانت العقوبة الجزائية خفيفة.
راجع: أحمد الورفلي، مآل عقد اللاعب في صورة اعتقاله احتياطيا أو سجنه، مقال منشور على صفحته بموقع التواصل المهني (Linkedin)، 20 أكتوبر 2024م.