أبيات المهنة الحرة
بقلم: عصام الدين جاد المحامي
أبيات عظيمة وضعها ورسخها أسلاف أصحاب كلمة الحق، لتعلو مهنة “المحاماة” وتبقى شريفة تحترم حقوق الغير.
وتتميز مكانة المحامي في المجتمعات بمكانة كبيرة، نظرًا إلى ما يعهده كل ممتهن لها، وأدواتها المتمثلة في رمزي “الورقة والقلم”، والحديث الشارح لما دونته الأحبار.
والقصد من مصطلح “أبيات المحاماة”، هو مجموعة القواعد الحاكمة لعلاقة المحامين بموكليهم والجهات الأخرى.
وقد أكدت نصوص القوانين المنظمة لمهنة المحاماة في دول العالم على حريتها وحرية أعضائها، لكن هذه الحرية مقيدة بتقاليد التعامل السديد.
ونصت المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في بنده الرابع عشر على أن:
“تكون تصرفاتهم في جميع الأحوال حرة متيقظة مماشية للقانون والمعايير المعترف بها وأخلاقيات مهنة القانون”.
فيما نص قانون المحاماة المصري في مواده (٦٢ إلي ١١٩) بشكل خاص ومميز على واجبات المحامين، والتي تشمل طريقة تعامل المحامين مع موكليهم، ومع الهيئات التي يتعاملون معها، ومع بعضهم البعض.
ونصت المواد على وجه الخصوص (٦٢، ٦٣، ٦٥،٦٤، ٦٧، ٦٨) على السبيل اللازم في تعاملات المحامين، حتى يتجلى الوقار والمكانة التي يمتازون بهما، فجاء في نص المادة ٦٢ أنه: “على المحامي أن يلتزم في سلوكه المهني والشخصي بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة، وأن يقوم بجميع الواجبات التي يفرضها عليها هذا القانون والنظام الداخلي للنقابة ولوائحها وآداب المحاماة وتقاليدها”.
ورسخت المادة ٦٥ السلوك القويم في حفظ المحامي علي أسرار موكله بأن “علي المحامي أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إذا طلب منه ذلك من أبلغها إليه، إلا إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة”.
وأيد ذلك النص ما نصت عليه المادة ٦٦ من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية المصري: “لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم من طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته، ما لم يكن ذكرها مقصودًا به ارتكاب جناية أو جنحه”.
ووضع أيضًا قانون المحامين في مادته ١/٦٨ القواعد اللازمة التي تحكم تعامل المحامين مع بعضهم: “يراعي المحامي في معاملته لزملائه ما تقضي به قواعد اللياقة وتقاليد المحاماة”.
وعندما وضع أباء المهنة القواعد اللازمة لكيفية تعامل المحامين في مسيرتهم لتحتفظ المحاماة بمسيرتها السامية، لتولد هذه التقاليد في أثناء القسم الذي لا يقرر لطالب القيد لممارسة المهنة إلا به.
وتتابعت التشريعات العربية في تأييد ذلك، وكتب في ذلك الأستاذ علي مصبح المحامي في موقع “الإمارات اليوم” ما يجب علي المحامين في تعاملاتهم، وأشار في مقاله إلى واجبات التعامل بين الزملاء فيما بينهم بساحات المحاكم، قائلًا:
“وبطبيعة الحال فإن مهنة المحاماة تتطلب التعامل مع مصالح متعارضة، فيجب ألا يؤثر ذلك في علاقة المحامين بعضهم ببعض”.
وفي مشهد أخير أرسله الأستاذ عمر هريدي عضو مجلس النقابة العامة للمحامين المصريين عبر كلمته لموقف: “اليوم بمحكمة جنايات القاهرة في جناية قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد، طلبت من الزميل الشاب محمد كمال المحامي أن يبدأ المرافعة (تشجيعًا له ولشباب المحامين)، وكنت أقف بجواره متلامسًا لروب المحاماة الذى يرتديه، وبين الحين والآخر أسدي له همسًا بعض نقاط الدفاع،… وعندما انتهى تمامًا، أثنيت على ما أبداه من دفوع ودفاع، وتمسكت بالانضمام إليه وانتهيت من المرافعة بعد أكثر من ساعة، وخلال المرافعة كنت أستعير وأشير إلى مرافعة زميلي الشاب ودفوعه التي تعلمت منها وأضافت إليّ الكثير والكثير. كم أنا سعيد بجيل الشباب من المحامين، فهم المستقبل بإذن الله”.
ستظل المحاماة مهنة عظيمة عالية بتقاليدها، وبما تصنعه في خدمة المجتمع.