يحيى الجمل.. قانوني وسياسي مخضرم عين وزيرا في عهد “السادات” وأسس حزب عقب ثورة يناير
كتب: محمد علاء
يحيى عبد العزيز عبد الفتاح الجمل (1930 – 21 نوفمبر 2016)، هو فقيه دستوري وقانوني مخضرم.
نشأته
ولد يحيى الجمل في عام 1930 في محافظة المنوفية، حصل على ليسانس في القانون عام 1952من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم حصل على الماجستير عام 1963، وعلى الدكتوراه عام 1967 في القانون من نفس الجامعة.
عين يحيى الجمل عقب تخرجه كمعاون نيابة عام 1953، ثم تدرج في العديد من المناصب الحكومية بالنيابة العامة حتى أصبح وكيل نيابة عام 1954م، كما شغل عده مناصب أكاديمية ابتداءً من مدرس بكلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1964 وأستاذ مساعد عام 1970 فأستاذ بقسم القانون العام، انتهاءً بعميد لكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وفي عام 1971 تولى منصب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء ووزير التنمية الإدارية، كما شارك في صياغة عدد من دساتير الدول العربية.
عمله السياسي
شارك “الجمل” في الحياة السياسية من خلال مجموعة من المقالات في الصحف المصرية والعربية، واشتهر بالعديد من مواقفه ومقالاته السياسية الجريئة في عهد الرئيس السابق “حسني مبارك”، منتقداً النظام وما نتج عنه من فساد وانحدار في كافة المجالات الصحية والتعليمية والاقتصادية.
واستكمل “يحيي الجمل” مشواره السياسي عقب اندلاع ثورة 25 يناير المصرية التي أطاحت برموز نظام الرئيس السابق “مبارك”، وشارك بالتعاون مع مجموعة من السياسيين والمفكرين منهم الدكتور أسامة الغزالي حرب والدكتور علي السلمي في تأسيس حزب “الجبهة الديمقراطية” الذي تولى رئاسته، كما شغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء لشئون الحوار المجتمعي منذ 20/2/2011م حتى تقدم باستقالته في ١٢ يوليو ٢٠١١.
مواقف ذكرها “الجمل” في مذكراته
أصدرت دار الشروق كتاب قصة حياة عادية، عام 2011، الذي تناول مذكراته، وتضمن العديد من المواقف منذ نشأته وعمله، وأراءه السياسية، ومنها:
- سلط الضوء على القراءات التي حمسته لدراسة القانون وكانت سببا في حبه لمهنة المحاماة فيما بعد، فيقول إن حبه للتاريخ وشغفه بقراءته يرجع إلى تجربته الأولى مع كتاب “المآسي التاريخية الكبرى”، وكان يدور حول أحداث الثورة الفرنسية بطريقة روائية بالغة التشويق، الذي جعله يعيش أحداث الثورة الفرنسية الدامية ومحاكماتها الشهيرة على نحو لم يغادر مخيلته قط.
- بعد حصوله على التوجيهية بمجموع كبير ونجاحه في مسابقة اللغة العربية أتيح له دخول الجامعة بالمجان حينها، لكن ما كان يشغل بال الشاب الناضج هو الاختيار الصعب بين دراسة الفلسفة بكلية الآداب أو المحاماة بالحقوق، فهو يحب القراءات الفلسفية والأدبية وتعلق قلبه بالمحاماة منذ صغره، لكن والده حسم الجدل الذي سيطر على ذهن يحيى لأيام: “وبعد أن تتخرج في قسم الفلسفة ماذا تفعل؟ وهل ستشتغل فيلسوفا؟”، ليتخذ قراره بأن تكون الفلسفة هوايته وليكن القانون حرفته ومهنته.
- يروي في مذكراته قائلا: عرفت من الدكتور أمين بدر أن اللجنة قد أعطتني تقدير «امتياز» في مادة القانون التجاري فسررت لذلك سرورا شديدا، ولكن يبدو أن اللجنة أخطأت خطأ ماديا إذ رصدت درجتي لزميل آخر له لم يحصل قط في حياته الجامعية على درجة امتياز في أي علم من العلوم، وأعلنت النتيجة يوم 23 يوليو، وتوفى عميد الكلية في 23 يوليو، وتحرك الجيش لكي يغير وجه الحياة في مصر يوم 23 يوليو، وتبددت أمالي بارتداء روب الأستاذية وإلقاء المحاضرات.
- بعد فترة من العزلة في قريته عاد ليسجل اسمه في سجل المحامين تحت التمرين وأقسم يمين المحاماة أمام النقيب، وولم يكن قضي أسبوعا في مكتب علي منصور للمحاماة، أشهر مكاتب المحاماة في مصر حينذاك وقبلة شباب الحزب الوطني، حتى شملته حركة التعيينات الجديدة في النيابة العامة.
- قضى عامين قضاهما في نيابات البلينا وسوهاج قبل أن يعود للقاهرة للعمل بنيابة قصر النيل، ليشعر أنه انتقل من عالم إلى آخر، إذ كان الفارق كبيرا بين القرى التي تظهر فيها النسوة دون نقاب داخل المستشفيات فقط، وبين أحياء الزمالك وجاردن سيتي ووسط البلد التي تغص بمظاهر الحياة.
- وقع الاختيار على يحيى الجمل مع اثنين آخرين لرئاسة النيابة في ولايات ليبيا الثلاث طرابلس وبرقة وفزان بنظام الإعارة المتبع في النيابة العامة، وذلك بعد استقلال ليبيا وتبنيها النظام الفيدرالي، وأسندت إليه رئاسة نيابة ولاية فزان تحت إشراف النائب العام المصري وقتها، المستشار محمود القاضي.
- تهمة التأثير على العلاقات الدبلوماسية بين مصر وليبيا:
يلخص الجمل القضية على لسانه: «ولاية فزان باعتبارها أفقر الولايات كانت صاحبة النصيب الأوفر من معونة الولايات المتحدة الأمريكية في القمح، وجرى توزيعها على الفقراء المستحقين لكن بعض الأثرياء ومنهم بعض أعضاء مجلس النواب والشيوخ استحلوا لأنفسهم الجزء الأكبر من هذا القمح إما لأنفسهم وذويهم أو للتجارة فيه».
وحقق صاحبنا في الواقعة بعد اتهام شخصين أو ثلاثة من ذوي النفوذ باستغلال نفوذهم وأخذ المعونة المخصصة للفقراء لأنفسهم، لكن التحقيق امتد ليشمل غيرهما من أعضاء النواب وذوي النفوذ من العائلات الكبيرة، وهو ما تصدت له أجهزة الشرطة ووزارة العدل بالولاية.
وطلب رئيس محكمة الولاية من يحيى أن يتبع الإجراءات القانونية وإثباته بالمحضر، خاصة أن أحدا لم يستجب لطلب النيابة، لكنه لم يرتح له واشتدت حيرته حتى أرسل استقالته إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى في ليبيا، ليكتب النهاية لرحلته في الصحراء الغربية.
وظن الجمل أن قرار عودته إلى القاهرة هو الأصوب حينها، لكن لم يرد على ذهن صاحب الـ25 ربيعا، وقتها، أن يتحول أشجع مواقف حياته إلى تهمة التأثير على العلاقات الدبلوماسية بين مصر وليبيا، وتبدلت مواقف وزير العدل من توصيات الحفاظ على سمعة القضاء المصري إلى تخليه عن الحكمة السياسية في مراعاة العلاقات الدبلوماسية.
لم تتوقف مأساة “يحيى” عند حد تغيير المبادئ، فالعائد الجديد من ولاية فزان صدر قرار بنقله إلى بنى سويف، التي تبعد عن القاهرة 124 كم، لكن محاولاته الدؤوبة في الاتصالات مع الملحق العسكري في ليبيا أتت بثمارها سريعا، وعاد إلى القاهرة مرة أخرى بعد بضعة أسابيع.
- داعب الحلم الأكاديمي خيالات الجمل من جديد، فتفرغ لتحضير الدكتوراه في موضوع «الاعتراف بالدولة»، في رحلة يصفها بأنها من أمتع رحلاته في عالم الزمان والمكان جميعا، حتى جاء التاسع من مارس 1962 لينتصر لنفسه بحصوله على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة القاهرة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، لكنه انتظر عاما كاملا بعد حصوله على الدكتوراه ليحقق حلم حياته بالانضمام لهيئة تدريس كلية الحقوق بجامعة القاهرة.
- رشحه زكريا محيي الدين، نائب رئيس الجمهورية حينها، لتشكيل منظمة الشباب التي تضم عددا من المفكرين من منابع فكرية مختلفة، بهدف تخريج كوادر سياسية مقتدرة ومؤمنة بأهداف الثورة والميثاق.
- بعد عودته من باريس في الفترة التي عمل خلالها مستشارا ثقافيا للسفارة المصرية في فرنسا، فوجئ يحيى الجمل باتصال من ممدوح سالم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك ليهنئه باختياره وزيرا لشئون مجلس الوزراء، وأن عليه أن يتوجه إلى مبنى مجلس الوزراء لمقابلة الدكتور عبد العزيز حجازي المكلف بتشكيل الوزارة الجديدة في العام 1974.
- موقف مع “السادات”:
رافق “الجمل” الرئيس الراحل أنور السادات ضمن وفد حكومي بارز في إحدى زياراته الرسمية إلى فرنسا لإجراء مباحثات مع الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان بشأن التطورات السياسية والجوانب الفنية المتعلقة بمشروع مترو الأنفاق.
وفى الطائرة الرئاسية، وبعد أن انتهى الوفد من تناول الغداء باغته “الجمل” بسؤال: هل صحيح ما يقال يا سيادة الرئيس من أن سيادتك كنت وراء حملة الجيش المصري في اليمن لمساندة الثورة؟.
أطرق الرئيس قليلا ثم قال: نعم صحيح، لم أكن وحدي بطبيعة الحال صاحب هذا الرأي، كان عبد الناصر يرى نفس الرأي ولكني كنت من المتحمسين لمساندة ثورة اليمن وكنت من أنصار ذهاب الجيش المصري إلى هناك لمؤازرة الثورة.
ثم أردف الرئيس: لو لم نفعل ذلك وفشلت ثورة اليمن فإن النفوذ السعودي كان سيسيطر على العالم العربي كله، لقد كان أمرا محتوما أن نقف إلى جوار ثورة اليمن.
- عودته للتدريس:
تمر الأيام، ويجدد “يحيى” العهد لجامعة القاهرة، ويفرط في مناصب حكومية جديدة حينما كلفه ممدوح سالم، رئيس الحكومة الجديدة، بأن يتولى مسئولية المعهد القومي للإدارة العليا والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بدرجة وزير، معللا رفضه بحاجته للعودة إلى كليته، الأمر الذي استدعى رئيس الحكومة للتعليق مجددا: «يا بختكم ليكم حتة تروحوا فيها».
وفى مناسبة أخرى في حقبة السبعينيات، رفض يحيى الجمل طلب وزير الخارجية إسماعيل فهمي بتعيينه سفيرا بإحدى الدول، لإصراره على موقفه بعودته إلى الجامعة.
- أسند إليه منصب عميد كلية الحقوق وتشكيل هيئة التدريس هناك، ولم يقض عاما فيها حتى أصدر الرئيس الراحل أنور السادات قرارا جمهوريا بتعيينه بكلية الحقوق بجامعة القاهرة.
المؤلفات العلمية
يُعد الدكتور “يحيي الجمل” أحد أبرز الفقهاء الدستورين في مصر، فهو قانوني مخضرم أصدر العديد من المؤلفات السياسية والقانونية أبرزها:
- الأنظمة السياسية المعاصرة – 1969.
- النظام الدستوري في ج.م.ع – 1970.
- القضاء الإداري – 1986.
- القضاء الدستوري.
- نظرية التعددية في القانون الدستوري (عدة طبعات).
- حماية القضاء الدستوري للحق في المساهمة للحياة العامة.
الهيئات التي انتمى إليها
- عضو المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي.
- عضو محكمة التحكيم الدولية بباريس.
- عضو مجلس أمناء جامعة 6 أكتوبر.
- عضو مجلس الشعب.
- عضو مجلس جامعة الزقازيق.
- عضو لجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة.
الجوائز والأوسمة
جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة – عام 1998.
وفاته
توفى في 21 نوفمبر 2016 بعد معاناة مع المرض، عن عمر يناهز 86 عامًا.
وشيعت الجنازة من جامعة القاهرة، وبدأت مراسم التشييع الجنازة صلاة الجنازة من مسجد جامعة القاهرة الكبير، ثم توجه المشيعون وجثمان الراحل إلى كلية الحقوق -بيت الراحل العلمي- سيرًا على الأقدام، ثم تلقى الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة حينها، العزاء في الفقيد الراحل لمدة نحو 30 دقيقة قبل أن يغادر “الجمل” الجامعة إلى مثواه الأخير بمدافن الأسرة.