ومضة قانون ( 71 ) الجَريمَة والثّنَائِيّ القُطب
بقلم/ أحمد خميس غلوش
قُلنا سابقًا .. أنّ السّلام المُجتمعيّ له ثمّة قواعد ضروريّة يقوم عليها ، ورُكن الصّحّة .. جدّ هام وحيويّ ؛ لكونه يعمل على ارتقاء بُنيان الأفراد داخل المجتمعات، ومن ضمن تلك الصّور : الصّحّة النّفسيّة الّتي تُترجم سلامة المواطنين العقليّة والنّفسيّة .
وهنا سنلقي الضّوء قليلًا .. بين علاقة المريض النّفسيّ والجريمة ، داخل المجتمع .
بدايةً ..يُعرف الاضطراب ثنائيّ القطب أنّه اضطراب نفسي يسبّب نوبات من الاكتئاب ونوبات من الابتهاج غير الطبيعي تختلف نوبات الابتهاج غير الطبيعي عن الشعور بالابتهاج في الظروف الاعتيادية، إذ أنّ في الحالة المرضية يشعر المرء حينها بنشاط وسعادة وتهيّج غير طبيعي؛ كما أنّها تؤدّي بالشخص في بعض الأحيان للقيام بأعمال طائشة وغير مسؤولة أو مدروسة العواقب.
وثمّة تسميات أخرى له : ( الاضطراب ذو الاتجاهين – الاضطراب الوجداني – الاكتئاب الهوسيّ ) .
فمثلًا .. إذ ارتكبَت الجريمة مِن شخصِِ مريضِِ بأمراض نفسيّة أو عقليّة كالمريض بمرض الاضطراب الوجدانيّ ( ثنائيّ القطب )، كيف تكون المسئوليّة الجنائيّة تجاهه ؟
أجابت المادّة رقْم ( 62 ) من قانون العقوبات المصريّ رقم 58 لسنة 1937 ، وكذا التّعديلات الّتى طرأت عليه سيّما المادّة الثّانية من قانون رقم 71 لسنة 2009 بشأن رعاية المريض النّفسيّ .
ونظّمت موادّ الباب التّاسع ” أسباب الإباحة وموانع العقاب ”
حيث نصّ المادّة (62) :
_ لا يُسأل جنائيًّا الشّخص الّذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسيّ أو عقليّ أفقده الإدراك أو الاختيار, أو الّذي يُعاني من غيبوبةِِ ناشئةِِ عن عقاقيرِ مُخدِّرةِِ أيًّا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو على غير علمِِ مِنهُ بِهَا .
ويظلّ مسئولًا جنائيًّا الشّخص الّذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطرابِِ نفسيّ أو عقليّ أدَّى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره, وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظّرف عند تحديد مدّة العقوبة .
ولمزيدِِ من الإيضاح .. وجدت في الموقع الرّسمىّ لمحكمة النّقض المصريّة .. التّالي :
الطعن رقم ٢٧١٥٨ لسنة ٨٦ قضائية
الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠١٨/١٢/٠٩
( 1 ) العنوان : موانع العقاب .
( 2 ) الموجز : متى يكون الاضطراب النفسي سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية أو ظرفاً مخففاً للعقوبة ؟ المادة ٦٢ عقوبات المستبدلة بالقانون رقم ٧١ لسنة ٢٠٠٩ بشأن رعاية المريض النفسي . دفاع المتهم بالمنازعة في مدى مسئوليته لإصابته بمرض نفسي أو عقلي ينال من إدراكه أو شعوره . جوهري . عله وأساس ذلك؟ تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية . موضوعي . وجوب تحقيق محكمة الموضوع لها وتعيين خبير للبت فيها إثباتا أو نفياً . ما دام المتهم قد تمسك بها. مثال لتسبيب معيب للرد على الدفع بانتفاء المسئولية الجنائية للمرض النفسي .
( 3 ) القاعدة : لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن واطرحه في قوله : ” وحيث إنه وعن الدفع بامتناع عقاب المتهم عملاً بنص المادة ٦٢ / ١ عقوبات فإنه مردود إذ خلت الأوراق مما يفيد على وجه قاطع أن المتهم كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلي افقده الإدراك أو الاختيار ومن ثم تقضى المحكمة برفض هذا الدفع .” لما كان ذلك ، وكان النص في المادة ٦٢ من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون ٧١ لسنة ٢٠٠٩ بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات قد نص على أنه ” لا يسأل جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذى يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو عن غير علم منه . ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره ، وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة .” وهو نص مستحدث يتمثل في إضافة الاضطراب النفسي للمتهم إذا ما أفقده الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة واعتبره سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية . أما إذا اقتصر أثره على الانتقاص من إدراك المتهم أو اختياره يظل المتهم مسئولاً عن ارتكاب الجريمة ، وإن جاز اعتبار هذا الانتقاص ظرفاً مخففاً يصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة التي توقع عليه ، وإذ كان دفاع المتهم بالمنازعة في مدى مسئوليته لإصابته باضطراب نفسى أو عقلي ينال من إدراكه أو شعورة ، دفاع جوهري إذ يترتب على ثبوته إعفاء المتهم عن المسئولية أو الانتقاص منها وفق ما تضمنه النص سالف الذكر . لما كان ذلك ، ولئن كان من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها ، إلا أنه لسلامة الحكم يتعين إذا ما تمسك به المتهم أن تجرى تحقيقاً في شأنه بلوغاً كفاية الأمر فيه ، ويجب عليها تعيين خبير للبت في هذه الحالة إثباتاً أو نفياً ، أو أن تطرح هذا الدفاع بما يسوغ . لما كان ذلك ، وكان ما رد به الحكم على دفاع الطاعن في هذا الشأن – على السياق المتقدم – لا يسوغ به اطراحه ، إذ لا يصح اطراحه بخلو الأوراق مما يفيد على وجه قاطع أن المتهم كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلي لأن إبداءه يتضمن الدعوة إلى تحقيقه ، مما يصم الحكم – في الرد على هذا الدفاع بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال .