هل المتعاطي مريض أم مجرم؟.. إشكالية قانونية تواجه المجتمع المصري بين العقاب والعلاج

بقلم/ الأستاذ: عمرو الريدي – المحامي

تظل قضية تعاطي المخدرات في مصر من القضايا الشائكة التي تجمع بين الجوانب القانونية والطبية، حيث يثير النقاش المستمر حول ما إذا كان المتعاطي مريضًا يحتاج إلى العلاج أم مجرمًا يستحق العقاب. مع تطبيق القانون رقم 73 لسنة 2021، الذي ينص على عقوبة العزل من الوظيفة العامة لمن يثبت تعاطيه المخدرات، يتزايد التساؤل حول ما إذا كان هذا الإجراء يعكس رؤية قانونية عادلة أم أنه قد يساهم في تعقيد الأزمة بشكل أكبر.

وفقًا لما نص عليه قانون المخدرات رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989، فإن المادة 37 تضع عقوبات صارمة على حيازة أو تعاطي المواد المخدرة، حيث يعاقب كل من يثبت تعاطيه للمخدرات بالسجن مع غرامة مالية قد تصل إلى خمسين ألف جنيه.

ولكن القانون يتيح للمحكمة في بعض الحالات بدلاً من تطبيق العقوبات السجنية، أن تأمر بإيداع المدمن في مصحات للعلاج النفسي والاجتماعي، وفقًا للفقرة الثانية من المادة 37.

وأحكام محكمة النقض المصرية في هذا الصدد تؤكد على هذا التوجه العلاجي في بعض الحالات، حيث قضت المحكمة في العديد من القضايا بأن المتعاطي يجب أن يتم التعامل معه وفقًا لحالته الصحية والاجتماعية، مع التأكيد على ضرورة العلاج بدلاً من الاقتصار على العقوبة السجنية.

ففي حكم لها صادر في 2013، أكدت محكمة النقض أن المحكمة يجب أن تأخذ في اعتبارها الظروف الصحية للمتهم ودرجة إدمانه، وبالتالي من الممكن أن يكون من الأنسب إيداعه في إحدى المصحات بدلاً من سجنه، خصوصًا إذا كان يعاني من حالة إدمان مرضية.

هذا التوجه يلقى دعمًا من المواثيق الدولية التي تعتبر المتعاطي مريضًا في حاجة إلى العلاج، حيث تنص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية على ضرورة توفير علاج شامل للمتعاطين بدلاً من معاقبتهم بعقوبات قاسية.

وعلى الرغم من أن بعض الدول تتبنى سياسة تشديد العقوبات على المتعاطين، إلا أن العديد من الدول الأخرى قد اتجهت نحو تخفيف العقوبات وتقديم العلاج في مراكز متخصصة لمكافحة الإدمان.

وبالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 37 مكرر من قانون المخدرات على أنه يمكن للمحكمة أن تأمر بإيداع المدمن في مصحة إذا ثبتت إدمانه، على أن يكون العلاج في تلك المصحات النفسانية والاجتماعية بديلًا للعقوبة السجنية، وهذا يتيح للمتعاطي فرصة للشفاء من إدمانه بطريقة أكثر فعالية، مقارنةً بالحبس الذي قد يؤدي إلى تدهور حالته الصحية ويزيد من احتمالية ارتكابه لجرائم أخرى.

لكن في بعض الحالات، إذا رفض المدمن العلاج أو أصر على العودة للتعاطي بعد تلقي العلاج، فإن المحكمة قد تعود لتطبيق العقوبات السجنية عليه، وفقًا لما نص عليه القانون. وفي هذا الصدد، أصدرت محكمة النقض حكمًا في 2018 يؤكد أن رفض المتعاطي العلاج قد يستدعي فرض العقوبات القانونية عليه، خاصة إذا أظهر عدم استجابته للعلاج.

من خلال هذه النصوص القانونية وأحكام محكمة النقض المصرية، يتضح أن القانون المصري يقر بفكرة التوازن بين العقوبة والعلاج، حيث يشجع على تقديم العلاج للمتعاطين في مراكز علاجية متخصصة مع تطبيق العقوبات في حال عدم الاستجابة.

هذا التوجه يعكس محاولة لتحديد ما إذا كان المتعاطي هو مريض يستحق العلاج أم مجرم يجب معاقبته. وهو ما يفتح الباب لمزيد من النقاش حول كيفية التعامل مع مشكلة الإدمان في المجتمع المصري بشكل أكثر فاعلية.

وفي الختام، تظل قضية تعاطي المخدرات قضية معقدة تجمع بين الاعتبارات القانونية والطبية، ومن الضروري إيجاد حلول تشريعية توازن بين العقوبات والعلاج بما يحقق مصلحة المجتمع والفرد في الوقت ذاته.

زر الذهاب إلى الأعلى