هل القانون المصري أصله فرنسي؟!
بقلم: د/ إبراهيم جاد الله
إن من الشائع -للأسف- ليس عند العامة فقط، بل عند كثير من المثقفين والقانونين أن القانون المصري مستمد من القانون الفرنسي، وهذه فرية وسبة في جبين الحضارة والتاريخ المصري، والحق الذي أريد أن أبينه أن الأمر على عكس ذلك تمامًا؛ فالعكس هو الصحيح. فالقانون الفرنسي لا أقول مستمد من الفقه الإسلامي بل هو نقل نقلا من فقه الإمام مالك قديما وحديثا.
فعندما دخل المسلمون فاتحي شبه جزيرة ليبريا (الأندلس فيما بعد) بقيادة طارق بن زياد عام 93 هجرية، ودخل بعدها فقه الإمام مالك على يد تلميذه العالم زياد بن عبدالرحمن 200 هجرية؛ انتشر المذهب المالكي في أوروبا كلها، وخاصة أن أوروبا في هذا الوقت لا أقول كانت تعيش في ظلام؛ بل كانت في ظلمات بعضها فوق بعض، وبينما هم كذلك كانت الحضارة الإسلامية في أوجها وازدهارها وكان الأوروبيون يرسلون أبناءهم للدول الإسلامية التي امتدت حدودها حتى جنوب فرنسا ليتعلموا في جامعة قرطبة حتي بلغ عددهم أربعة آلاف طالب، وكان من بينهم البابا سلفستر الثاني صاحب الدور الأساسي في نقل العلوم العربية إلى أوروبا ومنها فقه الإمام مالك الذي تعلق به وانكب على دراسته سنوات حتى ترجمه وقدمه لأوروبا على أنه القانون الروماني الجديد.
وخلال السبعمائة عام التي أمضاها المسلمون في الأندلس انتشر المذهب المالكي بين أوروبا كلها حتى صارت أحكامه أعرافا وتقاليدا يطبقونها بينهم، وحديثا عندما جاء نابليون بونابرت إلى مصر لم يغب عنه آثر الفقه المالكي في تقدم فرنسا وتقدم الفكر والثقافة القانونية لذا أخذ معه كتب فقه الإمام مالك والتي من أهمها كتاب شرح الدردير على متن خليل.
وإن كان الحق هو ما شهد به الأعداء، فإن المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون يقول في كتابه حضارة العرب “إن الجنرال الفرنسي نابيلون عند عودته إلى فرنسا راجعا من مصر عام 1801 أخذ معه كتاب فقهي في مذهب الإمام مالك اسمه شرح الدرير على متن خليل، وقد بنى عليه القانون الفرنسي الذي كان أحد أهم أسباب نهضة أوروبا خاصة في مادة الأحكام والعقود والالتزامات ليكون للفقه الإسلامي خاصة المالكي أثر كبير في التشريع الفرنسي ثم أصبح أساس كل القوانين الأوروبية الحديثة”
وهذا ما أكده أيضا المستشرق الفرنسي لويس أوجين في كتابه خلاصة تاريخ العرب، ولعل ما يثير الانتباه وجود وثيقة رسمية تثبت امتثال الدكتور نيكولا لامبرون لأمر الحكومة الفرنسية وقيامها بترجمة مختصر الشيخ خليل في ستة مجلدات.
والمتطلع للمقارنات التشريعية بين القانون الفرنسي وفقه الإمام مالك يجد التطابق بينهما يزيد على 90 % في كثير من الأحكام.
وإن كنا بعد ذلك في التقنين الحديث سرنا على التنظيم والتقسيم الذي عليه القانون الفرنسي فهذه بضاعتنا ردت إلينا.