هل إجراء النيابة معاينة مكان الحادث في غيبة المتهم تبطلها؟
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ١٦٦٤٠ لسنة ٨٤ قضائية، أن المعاينة التى تجريها النيابة لمحل الحادث لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم وقت إجرائها، إذ المعاينة ليست إلا إجراءً من إجراءات التحقيق يجوز للنيابة أن تقوم به في غيبة المتهم إذا هي رأت لذلك موجباً، وكل ما يكون للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدرها المحكمة وهى على بينة من أمرها كما هو الشأن في تقدير سائر الأدلة.
المحكمة
حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي مواقعة أنثى بغير رضاها وإحراز أسلحة بيضاء بغير مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه جاء قاصراً في بيانه لواقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دانه بهما خاصة ركن القوة في جريمة المواقعة كما خلا من بيان مؤدى أدلة الثبوت التى عوَّل عليها في الإدانة، ودانت المحكمة الطاعن بجريمة مواقعة انثى بغير رضاها على الرغم من الدلائل التى تنبئ عن انتفاء ركن الإكراه في حق المجني عليها وهو ما تعزز بما أورده تقرير الطب الشرعى من عدم وجود إصابات بجسم المجنى عليها.
هذا إلى أن المحكمة اعتنقت صورة للواقعة استمدتها من أقوال المجنى عليها والشاهد الثانى رغم تناقضها في محضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة في مواضع حدَّدَّها، وعوَّل الحكم في الإدانة على الدليلين الفنى والقولى على الرغم من تناقضهما تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق ودون أن يعنى برفع هذا التناقض بشأن استخدام القوة في المواقعة مع ما أفصح عنه تقرير الطب الشرعى من عدم حدوث عنف جنائي.
كما تساند الحكم في الإدانة إلى معاينتى النيابة العامة رغم إجراء إحداهما في غيبة المتهمين والأخرى في ظروف تغاير ظروف الواقعة والتفتت المحكمة عن دفعه المثار في هذا الشأن، هذا ورغم أن المحكمة استجابت لطلب الدفاع سماع أقوال شهود الإثبات عادت وعدلت عن سماعهم دون أن تورد سبباً سائغاً يبرر هذا العدول، وأخيراً فإن المدافع عنه لم يبد دفاعاً موضوعياً حقيقياً في الدعوى إذ انضم إلى المدافع عن المحكوم عليه الخامس فيما ساقه من دفاع واقتصرت مرافعته على طلب البراءة أصلياً والرأفة احتياطياً بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأقام عليهما في حقه أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجنى عليها وشهود الإثبات وما قرره المتهمون بتحقيقات النيابة العامة وبما ثبت بتقرير الطب الشرعى ومن العرض القانونى الذى أجرته النيابة العامة وما ثبت بمعاينتها، وأورد مؤداها في بيان وافٍ يكفى للتدليل على ثبوت الصورة التى اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها.
كما جاء استعراض الحكم لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافى وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغى عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة.لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية. فإن النعى على الحكم في هذا الشأن يكون ولا محل له.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن ركن القوة في جناية المواقعة يتوافر كلما كان الفعل المكون لها قد وقع بغير رضاء المجنى عليها سواء باستعمال المتهم في سبيل تنفيذ مقصده وسائل للقوة أو التهديد أم غير ذلك مما يؤثر في المجنى عليها فيعدمها الإرادة ويقعدها عن المقاومة.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أخذاً بأقوال المجنى عليها والشهود وأقوال المتهمين الرابع والخامس والسادس ومن العرض القانونى الذى أجرته النيابة العامة، والتى اطمأن إليها، أن الطاعن وباقى المحكوم عليهم هددوا المجنى عليها بقتلها هى وصغيرتها التى كانت تحملها إن هى لم تستجب لرغبتهم في مواقعتها مما أدخل الفزع والخوف على قلبها – بعد أن انفردوا بها في منطقة زراعية نائية – خشية على نفسها ووليدها فأسلمت نفسها لهم تحت تأثير هذا الخوف، فإن هذا الذى أورده الحكم كافٍ لإثبات ركن القوة في جريمة مواقعة أنثى بغير رضاها.
وكان تقدير توافر ركن الإكراه في جريمة المواقعة مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب مادام استدلالها سليماً، وكان لا يقدح في ثبوت جريمة المواقعة بالقوة وتوافر ركن الإكراه فيها – كما اقتنعت بها المحكمة – خلو جسم المجنى عليها من الإصابات، مادام يصح في العقل والمنطق أن يقع الإكراه دون حدوث إصابات أو أن يترك أثراً بالمجنى عليها. وكان الحكم قد أثبت أن المجنى عليها إنما أسلمت نفسها للطاعن خوفاً من تهديده بقتلها هى وصغيرتها.
وكان ما أورده الحكم – فيما سلف – سائغاً في العقل والمنطق ويكفى لحمل قضائه فيما انتهى إليه من توافر ركن الإكراه في حق الطاعن في جريمة المواقعة ولم لم يترك الإكراه أثراً بجسم المجنى عليها، وإذ كانت المحكمة قد استخلصت في استدلال سائغ أن الطاعن قد واقع المجنى عليها بالقوة كرهاً عنها، وتساندت المحكمة فيما خلصت إليه من ذلك إلى أدلة منتجة من شأنها أن تؤدى إلى ما انتهى إليه ولا يجادل الطاعن في سلامة استخلاص الحكم بشأنها، فإنها تكون قد فصلت في مسائل موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها فيها. مما لا يقبل معه من الطاعن نعيه في هذا الشأن.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع، وكان التناقض في أقوال المجنى عليها وشاهد الإثبات الثانى – بفرض صحة وجوده – لا يعيب الحكم مادام قد استخلص الإدانة من أقوالهما استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو مجرد جدل موضوعى في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال شهود الإثبات ومضمون الدليل الفنى على الحقيقة التى وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع جوهر الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ولما كانت أقوال المجنى عليها كما أوردها الحكم – والتى لا ينازع الطاعن في أن لها سندها من الأوراق – لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الطب الشرعى.
وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولى والفنى، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين مادام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع، إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحى دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم. فضلاً عن أنه لما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً مما أورده بوجه الطعن بشأن قالة التناقض بين الدليلين القولى والفنى، ومن ثم لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام هذه المحكمة – محكمة النقض – لأنه دفاع موضوعى لا يقبل منه النعى على المحكمة إغفال الرد عليه مادام لم يتمسك به أمامها.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المعاينة التى تجريها النيابة لمحل الحادث لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم وقت إجرائها، إذ المعاينة ليست إلا إجراءً من إجراءات التحقيق يجوز للنيابة أن تقوم به في غيبة المتهم إذا هى رأت لذلك موجباً، وكل ما يكون للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدرها المحكمة وهى على بينة من أمرها كما هو الشأن في تقدير سائر الأدلة. فإذا كان الدفاع لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بشئ في صدد المعاينة بل ترافع في الدعوى على أساسها، فإنه لا تثريب على المحكمة إذا هى أخذت بها واستندت إليها في حكمها. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس.