نشاط الروح !

نشاط الروح !

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 10/4/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

ابتسامة الرضا العريضة على وجه الطفل قديمة قدم الإنسانية كلها ـ لكنها ليست مكررة ولا تتكرر قط، لأنها ابتسامة روح تحمل تعبيراً عن أمل وود لروح معينة، ولا يعجز عن الانجذاب إليها إلا حجر أو آدمي قد تحجر، حجّره خوفه أو شهوته أو أنانيته الكثيفة التي لا يمكن أن ترى إلاّ نفسها ومن هم في حكم نفسها.

إن نشاط الروح هو الذي يعطى الطعم الحقيقي لحركات البشر، وهو الذي يضمن وجود الجدّة والحدة وليس تغيير الشكل أو تغير الزمان أو المكان.

الجدة تصدرها الحياة ذاتها.. لا توجد إلاّ في الأحياء.. ولا توجد قط في الكون الطبيعي المادي، ولا يستولدها ليفرح وينطلق ويفخر بها إلاّ آدمي.

هل ذلك لأن الحياة طارئة على الكون الطبيعي كما تقول الكتب المقدسة، ولذا يشعر الآدميون بأن الكون الطبيعي شيء يقع خارجهم دائمـا، وأنه دائما غريب على الأنا والذات والنفس ؟ هذا السؤال يطرحه الآدميون على أنفسهم من قديم ومازالوا بعيدين عن إجابة صحيحة عليه.. لأنهم مازالوا بعيدين عن أي حوار حقيقي مع الكون الطبيعي يخرجه من سلبيته العنيدة تجاه الآدميين.

بل مازال الآدميون يحاولون الاتصال بأحياء واعية قد توجد في كوكب أو كواكب أخرى. ويرصدون لذلك العلماء والأجهزة والأموال على غير طائل حتى الآن .

اقتنع الآدمي الآن تماما ـ أنه وحده وبرغم كل ما حققه وحده من التقدم في المعرفة ـ لن يستطيع أن يزيح الأستار الكثيفة والأسرار التي تحيط بوجوده أصلا وغاية ومستقبلا، ولا أن يعلم علما قطعيا بالكون الطبيعي أو بعالمه هو، أو أن يعلم بحقيقة الروابط بين هذين العالمين وأيهما تطور عن الآخر أو طرأ عليه.

ومكتوب على معظمنا أن يعيش حياته كلها قبل أن يفهم شيئا يُذكر عن نفسه أو عما يحيط به ـ لأنه مشغول باستمرار بمطالب العيش، ليس لديه فرصة للتأمل. والمتأمل إذا أراد الفهم كتب عليه أن يصبر حتى ينمو فهمه مدة عمره، وعليه أن يستعين بما فهمه الآخرون أمواتاً وأحياءً حسب ذوقه وحظه وقدر تقبله، وعليه أن يستكمل القصور ويصحح الخطأ ما وسعه، وعليه أن يغير الفهم ويعيد تغييره من زمن لزمن إذا دعا الداعي لذلك التغيير.. لأنه يجب أن يستمر في لهثه وراء معرفة الحقيقة التي لا يعرف الآدميون منها إلاّ جوانب وأجزاء ورؤى ونظريات بشرية.. إذ لا يشارك في هذا الكون الهائل في الجري من أجل الفهم إلاّ بعض الآدميين هم دائما قلة قليلة !!.. فيا لقوة الأمل عند هؤلاء ويا لشدة الإصرار والمثابرة وعظم الثقة عند المتمسكين بالفهم وضرورته والزيادة المستمرة فيه !

واكتسحت موجة التجزئة ساحة الفهم منذ القرن التاسع عشر خاصة في العلوم الطبيعية التي انقسمت إلى فروع والفروع إلى أقسام والأقسام إلى بحوث وهكذا.. وصار فهم الباحث مقصورا فقط على ما رُصد له واعتبر ذلك تخصصا يباشره.. وقد أفاد هذا في تعميق المعرفة في تلك العلوم، لكنه قطع اتصالها وقطّع وشائجها وأوجد علماء يعرفون رقعة محدودة جدا من المعرفة شديدة العمق والتخصص.. قد ينتفع بها التكنولوجي في أغراضه، لكن لا يستفيد منها المتأمل الذي يريد فهم من أين وإلى أين وهل لنا دور خاص أو عام ـ أو ليس لنا دور على الإطلاق شأننا شأن غيرنا من الكائنات حيّة وغير حيّة.. توجد وتزول لا ينقص بزوالها ميزان ولا يزيد بوجودها !

أما جمهور الآدميين الذي يكاد عدده يغطى المسكونة ـ فلا يحتاج للفهم الذي هو ثمرة التأمل.. لأنه لا يعرف التأمل ولا يفتقده.. وهذا الجمهور هو الذي يبنى الجماعات فعلا وواقعا ويوجد الحكام والمحكومين.. ومن أجله توجد السياسات والأنظمة والإدارات والمرافق والصناعات والتجارات والزراعات، وهو مشغول دائما بمشاغله العامة والخاصة التي لا تنقطع.. سواء تعلقت بالدولة أو بالاقتصاد أو بالعمالة أو بالأسرة والأصدقاء أو التعليم أو بالرياضة أو باللهو أو بالأخبار والأحداث العالمية والمحلية.. كل ما يدور بين هذا الجمهور بمحكوميه وحكامه وفقرائه وأثريائه ـ عرضي وقتي يفقد أهميته بحصوله أو بمرور وقت قصير على إخفاقه واختفاء الذين يظن أنهم مسئولون عن هذا الإخفاق.. وزادت هذه العرضية حدة وشدة بازدياد الازدحام والحركة والمرور والأسواق ووسائل الإعلام وصحافة الصحف وبيوت النشر والرعاية والإعلان.

والسؤال الذي يجب أن يسأله الإنسان العاقل هو: هل هذه الحال التي أشرنا إليها وإلى تفاقمها يمكن أن تصحح نفسها تلقائيا ـ وكيف ؟.. كيف تعود البلايين من البشر التي ألفت الاعتياد وعدم القدرة على إمعان الفكر وعدم الوقوف أو التوقف للتأمل ـ كيف يعود من ألفوا هذا إلى نشدان الفهم والتمسك به وإعطائه حقه من الروية والتثبت والمثابرة ؟ !!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى