نسبة المصنف لمؤلفه شرط صحة عقد الاستغلال

بقلم الأستاذ/ محمود سليمان

تعترف معظم تشريعات الملكية الفكرية للمؤلف بحقه في نسبة المصنف لمؤلفه أو ما يعرف في الأوساط الفقهية  (( الحق في الأبوة )) ومضمون هذا الحق أن للمؤلف التمسك بالاعتراف بأن مصنفه الذى أبدعه هو من نتاج فكره وكذلك حقه في أن يصل مصنفه للجمهور حاملا أسمه ولقبه ودرجاته العلمية الحاصل عليها .

كما له الحق في أن يتم الإعلان عن اسمه عند الاقتباس من مصنفاته الأدبية أو الفنية أو العلمية فضلا عن إتاحة مصنفه للجمهور بدون أن يحمل أي أسم على الإطلاق أو تحت الاسم المستعار وفى منع الغير من طرح مصنفاته تحت اسم آخر(1) .

وعلى ضوء المعنى المتقدم للحق في الأبوة نستطيع أن نستخلص أهم المزايا التي يمكن أن تتوافر للمؤلف عند إبرام أي عقد استغلال لمصنفه نتيجة ممارسته لهذا الحق وبيانها ففي المطلبين الآتيين .

المطلب الأول

حرية المؤلف في ذكر اسمه وبياناته على المصنف

مؤدى هذا الحق في الأبوة أن للمؤلف مطلق الحرية في ذكر كافة البيانات التي تساعد على التعرف على شخصيته على المصنف موضوع عقد الاستغلال .

وعلى هذا الأساس إذا كنا بصدد كتاب مثلا كان لمؤلفه الحق في وضع أسمه على مكان بارز على جميع نسخ هذا الكتاب وإن كنا بصدد لوحة فنية كان للرسام الذى أبدعها الحق في التوقيع عليها إن كنا بصدد مصنف غنائي يبث للجمهور عن طريق الأداء العلني كان لمؤلف الكلمات أو الملحن الموسيقى الحق في الإعلان عن أسمه ولقبه أثناء هذا البث .

ولا يقف الأمر عند حد وضع أسم المؤلف أو لقبه على مصنفه وإنما يمتد كذلك إلى كافة الدعاية والإعلانات المصاحبة التي تتم في المجلات أو عبر شاشات التليفزيون أو دور العرض للجمهور .

فلا يستطيع صاحب حق الاستغلال إغفال مثل هذه البيانات عند الإعلان عن المصنف .

ويلاحظ أن القضاء المصري قد أكد على التزام أصحاب حقوق الاستغلال بذكر أسماء المؤلفين وألقابهم ومؤهلاتهم ويمكننا أن نذكر هذا المبدأ  على تطبيق بارز عرفته المحاكم المصرية في القضية الخاصة بمسرحية ((شاهد مشفش حاجة )) والتي تدور وقائعها حول قيام منتج المسرحية بالإعلان عن عنها في بالطرق المختلفة في وسائل الإعلام من دون أن يضع أسم مؤلف النص المسرحي على هذه الإعلانات وقد ترتب على ذلك لجوء هذا المؤلف إلى محكمة أول درجة متمسكَا بحقه في أبوته للمصنف ومطالبا المنتج بوضع أسمه على المسرحية مع إلزامه بدفع التعويض المادي المتناسب نتيجة ما أصابه من ضرر أدبى من جراء تعمد إغفال ذكر أسمه على العمل .

وقد استجابت محكمة أول درجة لطلبات المدعى وحكمت لصالحه بما طلب , وقد لجأ المدعى عليه(المنتج) إلى محكمة الاستئناف والتي حكمت بإلغاء الحكم الابتدائي استنادا إلى عدم ذكر أسم المؤلف قرين عنوان المصنف لا يعد بذاته خطأ مفضيا إلى المسئولية إلا إذا دلت الظروف والملابسات على تعمد إهمال أسم المؤلف أو التقليل من شأنه .

وعندما وصل النزاع إلى محكمة النقض المصرية انتهت في قضائها بجلسة 7/1/1987 إلى إلغاء الحكم الصادر من محكمة الاستئناف تأسيسا على خلو عقد الاستغلال المبرم بين شركاء المصنف بذكر أسماء الشركاء في مواد الدعاية والإعلانات المرتبطة بمصنفهم لا يحرمهم من حقهم في أن يظهر المصنف مقرونا بأسمائهم .

وفى هذا الصدد عبرت محكمة النقض المصرية عن وجهه نظرها ذلك بأن  النص فى الفقرة 1 من المادة 9 من القانون رقم 354 لسنة 1954 الخاص بإصدار قانون حماية المؤلف (( على أن للمؤلف وحده الحق في أن ينسب إليه مصنفه وفى أن يدفع أي اعتداء على هذا الحق..ألخ )).

يدل على أن للمؤلف الحق دائما في أن يكتب أسمه على كل نسخة من مصنفه الذى ينشره بنفسه أو بواسطة غيره وفى جميع الإعلانات عن هذا المصنف بغير الحاجة إلى إبرام اتفاق مع الغير على ذلك (2)

المطلب الثاني

حرية المؤلف تقديم المصنف بالاسم المستعار

يعطى الحق في الأبوة للمؤلف إمكانية إتاحة مصنفه للجمهور حاملا اسم مستعار له بمعنى أن المؤلف قد لا يفضل الظهور باسمه الحقيقي والكشف عنه أمام الجمهور وإنما يفضل التستر وراء الاسم المستعار.(3)

وهنا لا يكون أمام صاحب حق الاستغلال سوى الاستجابة إلى رغبة المؤلف في عدم الكشف عن هويته الحقيقية فلا يملك إجباره على الكشف عنها .

واختيار المؤلف التستر وراء الاسم المستعار يلزم صاحب حق الاستغلال بأن يذكر هذا الاسم فقط دون غيره ومعنى هذا أن صاحب حق الاستغلال لا يملك الحق في استبدال الاسم المستعار الذى أختاره المؤلف الشريك باسم مستعار آخر لم يختاره أو اختيار أسم آخر من شأنه الكشف عن الهوية الحقيقية للمؤلف .

ويمكننا أن نشير هنا إلى الحكم الصادر من محكمة السين المدنية الفرنسية والتي انتهت من خلاله إلى قيام مسئولية أحد المنتجين في المجال السينمائي لأنه لم يستخدم الاسم المستعار الذى خلعه كاتب السيناريو لنفسه وإنما أستخدم أسم آخر من شأنه أن يكشف عن الشخصية الحقيقة لهذا المؤلف (4)

وهنا وفى هذه الحالة يلزم صاحب حق الاستغلال بأن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يؤدى للكشف عن شخصية هذا المؤلف وبالطبع فإن مثل هذا الالتزام يستمر على نحو أبدى طالما لم يعدل المؤلف عن قراره فى إخفاء شخصيته .

ولكن تجب الإشارة إلى أنم هذا المؤلف يبقى له دائما الحق فى الكشف عن شخصيته المستترة وراء الاسم المستعار في أي وقت يشاء حتى إذا وجد اتفاق بينه وبين صاحب حق الاستغلال بمنعه عن الكشف عن شخصيته. (5)

حيت أن مثل هذا الاتفاق يعتبر باطلا . (6)

 

 

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى