من مبادئ «النقض».. عدم تقيد القاضي عند محاكمة متهم بحكم صادر في ذات الواقعة على آخر

كتب: علي عبدالجواد

قالت محكمة النقض في حكمها بـ (الطعن رقم ١٢١٣٢ لسنة ٨٨ قضائية) ـ الدوائر الجنائية ـ إن القاضي وهو يحاكم متهمًا يجب أن يكون مطلق الحرية في هذه المحاكمة غير مقيد بشيء مما تضمنه حكم صادر في ذات الواقعة على متهم آخر، ولا مبال بأن يكون من وراء قضائه على مقتضى العقيدة التي تكونت لديه قيام تناقض بين حكمه والحكم السابق صدوره على مقتضى العقيدة التي تكونت لدى القاضي الآخر.

الوقائـع

اتهمت النيابة العامة كلاً من : ١- ……… ( الطاعن ) ٢- ……… ٣- …….. في قضية الجناية رقم ……. لسنة ٢٠١٦ مركز ديرب نجم ( والمقيدة بالجدول الكلي برقم …… لسنة ۲۰۱٦ )، بأنهم في غضون شهر أغسطس سنة ٢٠١٦ بدائرة مركز ديرب نجم – محافظة الشرقية:

١- اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو مذكرة الإفراج المنسوب صدورها إلى إدارة مرور الشرقية وكان ذلك بطريق الاصطناع الكلي بأن اتفقوا معه المجهول على إنشائه على غرار المحررات الصحيحة وساعدوه في ذلك بأن أمدوه بالبيانات اللازمة وأثبت به المجهول بيانات غير صحيحة ووقع عليه بتوقيعات عزاها زوراً إلى الموظفين المختصين بقسم مرور دیرب نجم ومهرها بأختام وعلامات عزاها لذات الجهات فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات .

٢- قلدوا بواسطة الغير خاتم شعار الجمهورية وعلامة أحد المصالح ” قسم مرور درب نجم ” بأن اصطنعوهما على غرار القالب الصحيح لهما واستعملوهما بأن مهروا بها المحرر المزور موضوع الاتهام السابق مع علمهم بتقليدها .

٣- استعملوا المحرر المزور موضوع الاتهام الأول فيما زور من أجله بأن قام المتهم الثاني بتقديمه للمختص بديوان مركز شرطة ديرب نجم للاحتجاج بما ورد به مع علمه بتزويره على النحو المبين بالتحقيقات .

وأحالتهم إلى محكمة جنايات الزقازيق لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول وغيابياً للثاني والثالث في ٧ من فبراير سنة ۲۰۱۷ عملاً بالمواد ٤٠ / ثانياً – ثالثاً ، ٤١/١ ، ٢٠٦/٢ – ٣ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٤ من قانون العقوبات بعاقبتهم بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات ومصادرة المحرر المزور .

فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض ، وقيدت بجدولها برقم …… لسنة ٨٧ قضائية .

ومحكمة النقض قضت في ٢ من أكتوبر سنة ٢٠١٧ بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات الزقازيق لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى .

ومحكمة الإعادة قضت حضورياً في ٥ من فبراير سنة ٢٠١٨ عملاً بالمواد ٣٠ ،/٤٠ ثانياً – ثالثاً ، ٤١/١ ، ٢٠٦/٢ – ٣ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٤ من قانون العقوبات ، مع إعمال المادتين ١٧ ، ٣٢ من ذات القانون ، بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة ومصادرة المحرر المزور .

فطعن الأستاذ / ……. المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض ” للمرة الثانية ” في ١٣ من إبريل سنة ٢٠١٨ .

وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه الأول في ٣ من إبريل سنة ٢٠١٨ موقعاً عليها من الأستاذ المحامي المقرر .

المحكمـــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً :

حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر قانوناً .

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاشتراك في تزوير محرر رسمي واستعماله فيما زور من أجله مع علمه بتزويره وتقليد خاتم منسوب صدوره لإحدى جهات الحكومة قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، وانطوى على إخلال بحق الدفاع ، وران عليه البطلان ؛ ذلك أن أسبابه جاءت في صيغة عامة معماة ، ولم تطلع المحكمة على المحرر المزور ، ودانه رغم عدم علمه بالتزوير لدلائل عددها ، كما أن المدافع عن الطاعن تمسك في مرافعته ببراءته استناداً إلى حجية الحكم الصادر في ذات الجناية ببراءة متهمين آخرين في الدعوى وموقفهما يماثل موقفه فيها بيد أن الحكم التفت عن هذا الدفع إيراداً له ورداً عليه ، مما يعيبه بما يستوجب نقضه .

من حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة ، حصل الحكم مضمونها ومؤداه على نحو كاف وواف ، وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً أو نمطاً معيناً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى ومؤدى أدلة الثبوت فيها – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، ومن ثم يضحى منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك ، ولئن كان من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على الورقة محل التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى على اعتبار أن تلك الورقة هي الدليل الذي يحمل شواهد التزوير ، ومن ثم عرضها على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور المدافع عن الطاعن لإبداء رأيه فيها وليطمئن إلى أن الورقة موضوع الدعوى هي التي دارت مرافعتها عليها ، إلا أنه لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة اطلعت على المحرر المزور خلافاً لما يزعمه الطاعن ولم يفت المحكمة القيام بهذا الإجراء ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة توافر جريمة الاشتراك في التزوير وهو ما يتضمن إثبات توافر ركن العلم بتزوير تلك المحررات في حق الطاعن ، فإن هذا حسبه ولا يكون ملزماً من بعد بالتدليل على استقلال على توافر القصد الجنائي لديه ، ويضحى ما يثيره الطاعن بشأن انتفاء علمه بتزوير المحرر موضوع الاتهام مجرد جدل موضوعي في سلطة المحكمة في تقدير الأدلة واستنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لا وجه لما يثيره الطاعن بشأن حجية الحكم الصادر في ذات الجناية ببراءة متهمين آخرين في الدعوى عن ذات التهمة وتماثل موقفهم فيها ، إذ أنه لا سبيل إلى مصادرة المحكمة في اعتقادها ما دامت بنت اقتناعها على أسباب سائغة ، فإن الأمر يتعلق بتقدير الدليل ولا يتعدى أثره شخص المحكوم لصالحه ، لما هو مقرر من أن القاضي وهو يحاكم متهماً يجب أن يكون مطلق الحرية في هذه المحاكمة غير مقيد بشيء مما تضمنه حكم صادر في ذات الواقعة على متهم آخر ، ولا مبال بأن يكون من وراء قضائه على مقتضى العقيدة التي تكونت لديه قيام تناقض بين حكمه والحكم السابق صدوره على مقتضى العقيدة التي تكونت لدى القاضي الآخر ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص لا يكون سديداً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

الحكم

فلهــــــــــذه الأسبـــــــاب

حكمت المحكمة :- بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه .

 

زر الذهاب إلى الأعلى