من قواعد «النقض»: استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى من سلطة محكمة الموضوع

كتب: علي عبدالجواد

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٧١٦ لسنة ٤٧ قضائية، الصادر بجلسة ١٩٧٧/١١/١٣، مكتب فنى ( سنة ٢٨ – قاعدة ١٩٥ – صفحة ٩٤٣ )، أنه من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، ومن ثم فإن استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكول إلى محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دام تدليلها على توافرها كافياً.

وتابعت: «وإذ كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية – في حق الطاعنين – بما فيه الكفاية بقوله: وحيث إن نية القتل متوافرة لدى المتهمين – الطاعنين من استعمالها آلتين قاتلتين بطبيعتهما (مسدسين) وتصويبهما إلى المجني عليه … … وإطلاق عدد من الأعيرة النارية عليه في مواضع قاتلة من جسمه وذلك بقصد إزهاق روحه انتقاماً للثأر. وحيث إن نية القتل متوافرة كذلك بالنسبة للمجني عليه … … … الذي أصيب أثناء إطلاق النار لقتل المجني عليه ومن المعلوم أن الخطأ في شخص المجني عليه لا يؤثر في توافر أركان جريمة القتل العمد ما دامت متوافرة بالنسبة للمجني عليه المقصود، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في خصوص نية القتل يكون غير سديد».

الطعن رقم ٧١٦ لسنة ٤٧ قضائية

الدوائر الجنائية – جلسة ١٩٧٧/١١/١٣
مكتب فنى ( سنة ٢٨ – قاعدة ١٩٥ – صفحة ٩٤٣ )
العنوان : قتل عمد . قصد جنائي . رابطة السببية . إثبات . ” شهادة “. “خبرة “. “بوجه عام “.

الموجز : استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى . موضوعي . مثال .

القاعدة : من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، ومن ثم فإن استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكول إلى محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دام تدليلها على توافرها كافياً، وإذ كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية – في حق الطاعنين – بما فيه الكفاية بقوله: وحيث إن نية القتل متوافرة لدى المتهمين – الطاعنين من استعمالها آلتين قاتلتين بطبيعتهما (مسدسين) وتصويبهما إلى المجني عليه … … وإطلاق عدد من الأعيرة النارية عليه في مواضع قاتلة من جسمه وذلك بقصد إزهاق روحه انتقاماً للثأر. وحيث إن نية القتل متوافرة كذلك بالنسبة للمجني عليه … … … الذي أصيب أثناء إطلاق النار لقتل المجني عليه ومن المعلوم أن الخطأ في شخص المجني عليه لا يؤثر في توافر أركان جريمة القتل العمد ما دامت متوافرة بالنسبة للمجني عليه المقصود، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في خصوص نية القتل يكون غير سديد.

الحكم

جلسة ١٣ من نوفمبر سنة ١٩٧٧

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي، أحمد طاهر خليل، ومحمد علي بليغ، ومحمد حلمي راغب.

(١٩٥)
الطعن رقم ٧١٦ لسنة ٤٧ القضائية

قتل عمد. قصد جنائي. رابطة السببية. إثبات. “شهادة”. “خبرة”. “بوجه عام”.
(١) لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي. متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. مثال.
(٢) تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل في كل جزئيه منه. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(٣) استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى. موضوعي. مثال.
(٤) استظهار الحكم قيام علاقة السببية بين إصابات القتيل وبين وفاته في معرض سرده لشهادة الطبيب الشرعي بالجلسة وما تضمنه من مسائل فنيه. كفايته سنداً لذلك.
١ – لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي، متى كانت – الوقائع – كما هي الحال في الدعوى الماثلة – قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. وإذ كان ذلك، وكان الثابت أن المحكمة بعد ما مكنت الطاعنين من مناقشة الطبيب الشرعي – قد اطمأنت إلى شهادته للأسانيد الفنية التي أبداها، والتي فصلتها في حكمها على النحو السالف بيانه فلا يصح أن يعاب عليها من بعد – عدم إجابتها طلب الدفاع الاسترسال في مزيد من التحقيقات بندب كبير الأطباء الشرعيين أو التصريح بتقديم تقرير طبي استشاري. طالما أن الواقعة قد وضحت أمامها ولم تر هي من جانبها – ثمة حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء.
٢ – من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه، بل يكفي – كما هي الحال في الدعوى الماثلة – أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق – لما كان ذلك، فإن ما يرتبه الطاعنان على قالة التعارض من جمع الحكم بين دليلين متناقضين مع بتره فحواهما يكون على غير أساس.
٣ – من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، ومن ثم فإن استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكول إلى محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دام تدليلها على توافرها كافياً، وإذ كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية – في حق الطاعنين – بما فيه الكفاية بقوله: وحيث إن نية القتل متوافرة لدى المتهمين – الطاعنين – من استعمالها آلتين قاتلتين بطبيعتهما (مسدسين) وتصوبهما إلى المجني عليه…… وإطلاق عدد من الأعيرة النارية عليه في مواضع قاتلة من جسمه وذلك بقصد إزهاق روحه انتقاماً للثأر. وحيث إن نية القتل متوافرة كذلك بالنسبة للمجني عليه…… الذي أصيب أثناء إطلاق النار لقتل المجني عليه ومن المعلوم أن الخطأ في شخص المجني عليه لا يؤثر في توافر أركان جريمة القتل العمد ما دامت متوافرة بالنسبة للمجني عليه المقصود، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في خصوص نية القتل يكون غير سديد.
٤ – لما كان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر قيام علاقة السببية بين إصابات القتيل – التي نقلها عن تقرير الصفة التشريحية – وبين وفاته في معرض سرده شهادة الطبيب الشرعي، وما ورد فيها من مسائل فنيه – بشأن ما لوحظ من عدم وجود دماء أسفل الجثة في مكان الحادث، وفي خصوص تجلط الدم خلال فترة تتراوح من دقيقتين إلى خمس دقائق وبقاء القتيل فترة على قيد الحياة بعد إصابته حدثت فيها بعض الجلط الدموية بالنزيف الموجود بالتجويف البطني – وإذ كان ما نقله الحكم من شهادة الطبيب الشرعي له سنده من تقرير الصفة التشريحية الذي أثبت فيه أن وفاة القتيل تعزي إلى إصابته النارية بما أحدثته من تهتك بالأمعاء والأوعية الدموية بالبطن ونزيف بتجويفها، فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعنان من قصور في هذا الصدد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنان بأنهما (أولاً) قتلا…. عمداً مع سبق الإصرار بأن انتويا قتله وأعدا لذلك سلاحين ناريين (مسدسين) وأطلقا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أن المتهمتين في الزمان والمكان سالفى الذكر شرعا في قتل…… عمداً مع سبق الإصرار وذلك بأن عقدا العزم على قتل….. وأعدا لذلك سلاحين ناريين وذخيرة وما أن ظفرا به حتى أطلقا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتلة فأصاب أحدهما….. فأحدثا به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهمين فيه هو تدارك المجني عليه بالعلاج الأمر المنطبق على المواد ٤٥ و٤٦ و٢٣٤/ ٢ من قانون العقوبات. (ثانياً) أحرز كل منهما بغير ترخيص سلاحاً نارياً (مسدساً). (ثالثاً) أحرز كل منهما ذخائر مما تستعمل في الأسلحة النارية سالفة الذكر دون أن يكون مرخصاً لهما في حيازة وإحراز هذه الأسلحة وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمادتين ٢٣٠ و٢٣١ من قانون العقوبات والمواد ١/ ١ و٦ و٢٦/ ٢ و٤ و٣٠ من القانون رقم ٣٩٤ لسنة ١٩٥٤ المعدل بالقانون رقمي ٥٤٦ لسنة ١٩٥٤ و٧٥ لسنة ١٩٥٨ والبند أ من القسم الأول من الجدول رقم ٣ فقرر ذلك. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام والمادتين ١٧ و٣٢ من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاح والطلقات المضبوطة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض، وقضى فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات أسيوط لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المذكورة – مشكلة من دائرة أخرى. قضت حضورياً بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاحين والطلقات المضبوطة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض – للمرة الثانية – إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجناية قتل عمد مع سبق الإصرار اقترنت بها جناية شروع في قتل عمد مع سبق الإصرار – قد شابه إخلال بحق الدفاع وتناقض وقصور في التسبيب – ذلك بأن المحكمة اعتمدت على الشهادة التي أدلى بها الطبيب الشرعي في مسائل فنية على سبيل الترجيح – لدى مناقشته بجلسة المحاكمة – دون إجابة طلب الدفاع ندب كبير الأطباء الشرعيين، أو التصريح بتقديم بقرير طبي استشاري – رداً على الطبيب الشرعي – كما أن الحكم جمع بين الدليلين القولي والفني، على الرغم من تناقضهما، ومع بتره فحواهما إذ أنه لم يشر إلى أوجه التعارض التي أثارها الدفاع بين أقوال الشاهد الأول في التحقيق – التي عول عليها الحكم – ومحصلها أن الطاعنين أصابا القتيل بخمسة أعيرة نارية من مواجهته، وبين تقرير الصفة التشريحية الذي أورى أن إصابات القتيل قد نشأت من عيارين اثنين فحسب وأن اتجاه سير المقذوف كان من اليسار لليمين مع اشتراط انحراف المجني عليه بجزعه لليمين لحظة إصابته لإمكان وقوع الحادث وفقاً لتصوير الشهود – وهو اعتراض لم يقل به أحد – هذا إلى أن الحكم لم يبين نية القتل بياناً وافياً، ولم يستظهر قيام علاقة السببية بين إصابات القتيل – التي نقلها عن تقرير الصفة التشريحية – وبين وفاته استناداً إلى دليل فني.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعنين انتويا الثأر من القتيل لاتهامه بقتل ابن عمهما من نحو سنتين، فعقدا العزم على قتله وأعد كل منهما لذلك مسدساً وذخيرة وما أن ظفرا به يجلس مع صهره الشاهد الأول بجوار نقطة مرور حتى أطلقا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك إزهاق روحه فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية – والتي نشأت من عيارين وأودت بحياته – بينما أصاب أحد الأعيرة المجني عليه الآخر الذي أصيب في ساقه وقد كان يجلس على مقربة من القتيل، وإذ حاول الطاعنان الفرار مع استمرارهما في إطلاق النار فقد تعقبهما الشاهد الأول وشيخ الخفراء – الذي خف إلى مكان الحادث – ورجال الشرطة الثلاثة الموجودين حينذاك بنقطة المرور وتمكنوا من ضبطهما ومع الثاني مسدسه، كما تولى شيخ الخفراء إرشاد معاون المباحث عن مكان زراعة قمح – كان الأول قد ألقى فيه مسدسه أثناء فراره بعد فراغ الذخيرة منه – فقام المعاون بضبط هذا المسدس أيضاً. وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة سائغة مستمدة مما شهد به في التحقيق كل من صهر القتيل الذي كان برفقته وسائر الشهود الذين تعقبوا الطاعنين ومن تقرير الصفة التشريحية وسائر التقارير الطبية الشرعية ومن الشهادة التي أدلى بها الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة – لدى مناقشته بناء على طلب الطاعنين في شأن حالة التيبس الرمي لتحديد ساعة وقوع الحادث – لما كان ذلك، وكان الحكم قد فصل هذه الحالة وأسانيدها الفنية في قوله: “وحيث إن هذه المحكمة قد رأت إجابة لطلب الدفاع مناقشة الطبيب الشرعي الذي أجرى الصفة التشريحية فشهد الدكتور….. بجلسة ٢٧/ ٣/ ١٩٧٧ أنه أثبت بنتيجة تقريره أن المدة منذ الوفاة وحتى إجراء الكشف الطبي الشرعي تقل عن يوم أي تقل عن ٢٤ ساعة وذكر أن التيبس الرمي هو تجمد بالعضلات نتيجة تفاعل كيماوي بالمادة الكيماوية بالأنسجة ويدخل في تفاعلها عوامل مختلفة منها النوع والسن وكيفية حدوث الوفاة ودرجة الحرارة وما إلى ذلك من عوامل وأنها تختبر باليد وتبدأ في العضلات في وقت واحد إلا أنها تظهر أول الأمر في العضلات الصغيرة وقرر الطبيب الشرعي أنه أخذاً بجميع العوامل والظروف في الحادث موضوع هذه القضية فإنه من الممكن أن يتم التيبس الرمي في فترة خمس ساعات، وقال إنه عما يكتب في كتب الطبيب الشرعي من أن التيبس يحدث في حوالي عشر ساعات فإنه منقول من المراجع الأجنبية البريطانية والفرنسية ولا يتفق مع ما يلاحظ في الجثث عند تشريحها عندنا. وأضاف الطبيب الشرعي بجلسة ٢٩/ ٣/ ١٩٧٧ أمام هذه المحكمة أن ظروف الحادث الماثل قد ساعدت على الإسراع في حدوث التيبس الرمي إذ أنه حدث في شهر مايو ودرجة الحرارة مرتفعة وهي تساعد على سرعة حدوث التيبس كما أن مكان الواقعة في أبو تيج حيث درجة الحرارة مرتفعة ثم إن رؤية المجني عليه للجاني تحدث توتراً عصبياً له أثره في إحداث سرعة التيبس الرمي. ولما كان ما يثيره الطاعنان من أن شهادة الطبيب الشرعي جاءت على سبيل الترجيح – مردوداً بما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي، متى كانت الوقائع – كما هي الحال في الدعوى الماثلة – قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. وإذ كان ذلك، وكان الثابت أن المحكمة بعدما مكنت الطاعنين من مناقشة الطبيب الشرعي – قد اطمأنت إلى شهادته للأسانيد الفنية التي أبداها، والتي فصلتها في حكمها على النحو السالف بيانه، فلا يصح أن يعاب عليها بعد – عدم إجابتها طلب الدفاع الاسترسال في مزيد من التحقيقات بندب كبير الأطباء الشرعيين أو التصريح بتقديم تقرير طبي استشاري. طالما أن الواقعة قد وضحت أمامها ولم تر هي من جانبها – ثمة حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء. لما كان ذلك وكانت قالة التعارض – التي أثارها – بين أقوال الشاهد الأول في التحقيق وبين تقرير الصفة التشريحية منتفية أصلاً، ذلك بأن البين من المفردات المضمومة أن هذا الشاهد لم يقل في التحقيق أنه أحصى عدد الأعيرة التي أصابت القتيل، بل ذكر – على سبيل الاستنتاج – أن القتيل أصيب بخمسة أعيرة لأنه قام بتقليبه فوجد فيه خمس إصابات، كما أن البين من الحكم وتقرير الصفة التشريحية أن ما ذكره الطبيب الشرعي من اتجاه سير المقذوف – الذي أصاب البطن كان من اليسار لليمين إنما هو في الوضع العادي القائم للجسم، وقد أبان التقرير أنه من الممكن وقوع الحادث وفقاً لتصوير الشهود فيما لو انحرف المجني عليه بحزعة لليمين قليلاً لحظة إصابته ولا ريب أن مثل هذا الانحراف القليل لا يستلزم بالضرورة أن يكون ملحوظاً للشهود. وإذ كان ذلك وكان من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه، بل يكفي – كما هي الحال في الدعوى الماثلة – أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق فإن ما يرتبه الطاعنان على قالة التعارض من جميع الحكم بين دليلين متناقضين مع بتره فحواهما يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، ومن ثم فإن استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكول إلى محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دام تدليلها على توافرها كافياً، وإذ كان الحكم قد دل على قيام هذه النية – في حق الطاعنين – بما فيه الكفاية بقوله: وحيث إن نية القتل متوافرة لدى المتهمين – الطاعنين – من استعمالهما آلتين قاتلتين بطبيعتهما (مسدسين) وتصويبهما إلى المجني عليه…… وإطلاق عدد من الأعيرة النارية عليه في مواضع قاتلة من جسمه وذلك بقصد إزهاق روحه انتقاماً للثأر. وحيث إن نية القتل متوافرة كذلك بالنسبة للمجني عليه…… الذي أصيب أثناء إطلاق النار لقتل المجني عليه………. ومن المعلوم أن الخطأ في شخص المجني عليه لا يؤثر في توافر أركان جريمة القتل العمد ما دامت متوافرة بالنسبة للمجني عليه المقصود، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في خصوص نية القتل يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر قيام علاقة السببية بين إصابات القتيل – التي نقلها عن تقرير الصفة التشريحية – وبين وفاته في معرض سرده شهادة الطبيب الشرعي، وما ورد فيها من مسائل فنيه – بشأن ما لوحظ من عدم وجود دماء أسفل الجثة في مكان الحادث، وفي خصوص تجلط الدم خلال فترة تتراوح من دقيقتين إلى خمس دقائق وبقاء القتيل فترة على قيد الحياة بعد إصابته حدثت فيها بعض الجلط الدموية بالنزيف الموجود بالتجويف البطني – وإذ كان ما نقله الحكم من شهادة الطبيب الشرعي له سنده من تقرير الصفة التشريحية الذي أثبت فيه أن وفاة القتيل تعزي إلى إصابته النارية بما أحدثته من تهتك بالأمعاء والأوعية الدموية بالبطن ونزيف بتجويفها، فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعنان من قصور في هذا الصدد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى