من توابع الفوضى ! (9)
من توابع الفوضى ! (9)
نشر بجريدة الوطن الجمعة 7 / 5 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
تقرير العفو بنوعيه، قديم في دساتير وقوانين الدولة المصرية التي تعرضت سنة حكم الإخوان، لما يشبه هدمًا كاملًا لبناء وقوام الدولة.. فقد كانت المادة 68 من قانون سنة 1904 ( للعقوبات ) ـ تنص على أن حق العفو هو للخديو يستعمله بعد أخذ رأى ناظر الحقانية وذلك بالنسبة للعفو من العقوبة، أما بالنسبة للجريمة ـــ أو ما صار يوصف لاحقًا بالعفو الشامل ـــ فبعد أخذ رأى مجلس النظار .
بيد أنه على طول السنين، من أيام الخديو والملك، وفي عهود محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك ـ لم يحدث أن استخدم حق أو سلطة العفو إلاَّ في أضيق الحدود، بل في حالات فردية قليلة بل نادرة، إلاَّ أن الفترة من يوليو 2012 للآن، قد شهدت انفتاح الشهية انفتاحًا غير مسبوق في الضرب الأول من ضروب العفو، وهو العفو عن العقوبة أو تخفيفها أو إبدالها، وكلها بقرارات جمهورية صدرت في يوليو 2012، فيما عدا القرار 122 لسنة 2012 فصدر في 16 أغسطس 2012 بعد إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإصدار آخر من الرئيس بسلطات أعطاها الرئيس لنفسه في 12 أغسطس 2012 .
وأول هذه القرارات ظهورًا، وإن كان ثالثها نشرًا، هو القرار الجمهوري 75 / 2012ونشر بالجريدة الرسمية في 26/7/2012، وتضمن 27 اسمًا، حيث نصت مادته الأولى بالعفو عن العقوبة الأصلية لثلاثة محكوم عليهم بالإعدام، أحدهم في القضية 745 لسنة 1993 ( عن قتل ضابط شرطة ) وآخر في القضية 419 لسنة 1994 ( عن قتل ضابط شرطة )، بينما تضمنت المادة الثانية العفو عن العقوبة الأصلية ـ أو ما تبقى منها ـ لثلاثة وعشرين محكومًا عليهم في قضية تفجيرات الأزهر سنة 2005، وفي القضية 419 لسنة 1994 ( عن قتل لواء الشرطة محمد عبد اللطيف الشيمي مدير أمن أسيوط ) . وفي القضية 3/1999 جنايات عسكرية عن محاولة اغتيال مبارك، وشمل العفو الشيخ وجدى غنيم، وآخرين من الإخوان المسلمين منهم يوسف ندا ( هارب )، وإبراهيم منير، وعلى غالب همت ـ سوري ( هارب )، وفتحي أحمد الخولي ( هارب )، وتراوحت الأحكام بين المؤبد والسجن لمدد مختلفة، بينما نصت المادة الثالثة على العفو عن عقوبة الإعدام المحكوم بها ( في 10/5/2005 ) على المدعو / شعبان عبد الغنى هريدي لتكون السجن لمدة 15 سنة . وقد خلا القرار من بيان الاتهامات، ولكن نشرت بعض الصحف أنها دارت حول القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والدخول في اتفاق جنائي غرضه القتل، والشروع في القتل، والخطف والسرقة بالإكراه، وإتلاف الممتلكات، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، فضلًا عن اتهام البعض بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون.
وفي 19 يوليو، صدر ونُشر القراران الجمهوريان 57، 58 /2012..، وتضمن القرار 57 لسنة 2012 العفو عن عدد هائل من المحكوم عليهم، فنصت مادته الأولى على العفو عن العقوبة الأصلية أو ما تبقى منها وعن العقوبة التبعية لعدد / 523 محكومًا عليهم بعقوبات لم يبينها القرار، ونصت المادة الثانية على العفو عن العقوبة الأصلية لعدد / 49 محكومًا عليهم بعقوبات لم يبينها القرار، ونصت المادة الثالثة على تخفيف العقوبات لعدد / 16 محكوم عليهم . والمجموع 588 من المحكومًا عليهم، وفيما عدا المادة الثالثة، فإن المادتين الأولى والثانية لم تبينا العقوبات الأصلية المحكوم بها، ولكن ثابت بالكشوف المرفقة بالقرار أن الجرائم التي أدينوا قضائيًا بها تراوحت بين حيازة وإحراز أسلحة نارية، وجرائم سرقة، وجرائم قوة وعنف بدون سلاح، وجرائم تخريب وإتلاف عمدى، وجرائم حيازة وإحراز أسلحة بيضاء، والمجموعة الأخيرة التي شملتها المادة الثالثة مدانة بحيازة أسلحة نارية وذخائر بكميات تنبئ عن الاتجار، وبعض الجرائم المتنوعة التي لم توضحها الكشوف المرفقة بالقرار الجمهوري .
على أن القرار الجمهوري 58/2012 الصادر بنفس يوم صدور القرار 57/2012 , قد استقل بمنحى منفرد يبدو في ظاهره وكأنه امتداد لقرارات العفو ما قبل الثورة التي كانت تصدر في المناسبات بالعفو عن ربع أو ثلث مدة العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها ـ فالقرار 58 لم يتضمن أسماء , وإنما تضمن حالات على غرار ما كان يجرى في السالف , وذلك بمناسبتي العيد الستين لثورة يوليو وعيد الفطر , إلاّ أنه لم يلتزم بالمعايير السابقة , ففتح الباب على الواسع , فأعفي المحكوم عليهم بالمؤبد إذا كانوا قد نفذوا 15 سنة، ومن نفذوا نصف المدة بالنسبة لباقى العقوبات , والمحكوم عليهم بعدة عقوبات سالبة للحرية عن جرائم وقعت منهم قبل دخولهم السجن ( أى معتادى الإجرام ) إذا كانوا قد أمضوا بالسجن نصف مجموع مدد العقوبات , ومع هذا الكرم في المدد المعفي عنها خلافًا لما كان يجرى , فإنه يحمد للقرار أنه التزم باستثناء جرائم حددها من سريان العفو , وليته فعل ذلك في القرارات أرقام 57 , 75 , 122 ـ لسنة 2012 .
ففي 16 أغسطس صدر القرار الجمهورى 122 لسنة 2012، وتساند إلى جوار الإعلان الدستورى 30 مارس، إلى الإعلان الدستورى الذي أصدره الرئيس الإخوانى لنفسه والمعدل تاريخ إصداره إلى 11 أغسطس بدلا من 12 أغسطس 2012 . ونصت مادته الأولى على العفو عن العقوبة الأصلية، أو ما تبقى منها، وعن العقوبة التبعية لعدد / 41 محكومًا عليهم في جنايات لم يبينها القرار صدرت من محاكم مختلفة ما بين السويس والقاهرة والإسماعيلية وأسوان وطنطا وأسيوط، ونصت المادة الثانية على العفو عن العقوبة الأصلية لأحد عشر محكومًا عليهم في جنح لم يبينها القرار، ونصت المادة الثالثة على العفو عن العقوبة التبعية (؟!) المحكوم بها على المدعو / خيرى عادل خيرى عطية في القضية 1214/334 لسنة 2011 جنايات ع كلى الإسماعيلية، ونصت المادة الرابعة على تخفيف العقوبة المقضى بها على أربعة صدرت ضدهم أحكام عن جنايات، فنص القرار على تخفيف عقوبة كل منهم إلى سنة، دون أن يبين أصل العقوبة المحكوم بها، ولا نوع الجريمة التي أدين بها .