من تراب الطريق (953) الصحافة الورقية، والكتاب
من تراب الطريق (953)
الصحافة الورقية، والكتاب
نشر بجريدة المال الاثنين 12/10/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
نحن نعيش الآن أزمة الصحافة الورقية وما تلاقيه من مصاعب ومعوقـات وتكاليـف لا يتحملها التوزيع ، ولا تفي بها الإعلانات ، ونعيش مع هذه الأزمة أزمة الكتاب الذى وإن ملأت نسخُه دور النشر ورفوف بعض المكتبات وأرصفة الشوارع ـ إلاَّ أنه يعانى من غروب حقيقي تضافرت عليه عوامل سلب متعددة ، ما بين ارتفاع أثمان الورق وتكاليف الطبع ، وتواضع التوزيع ، أما تواضع القراءة فحدث عنـه ولا حـرج ، وحتـى باتت أمـة « اقرأ » لا تقرأ ، اللهم إلاَّ في توافه الأمور وما يشبع حب الاستطلاع وأمراض النميمة .
وحين تقارن ما صار يجرى بما كنا عليه إلى عهد قريب ، يصيبك الأسى والغم . أمامي وأنا أكتب هذه السطور بعض أعداد سلسلة « أعلام العرب » ؛ وكانت تصدرها من ستينات القرن الماضي ، الإدارة العامة للثقافة التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد القومي حسب مسماها في ذلك الوقت ، تباع إلينا ـ بثوبها القشيب وغلافها الجميل وصفحاتها التي تدور حول الثلاثمائة صفحة ، بخمسة قروش .. نعم خمسة قروش ، وأنت تكاد لا تعرف الآن هذا القرش ، فقد حل محله الجنيه الذى كان ينطوي على مائة قرش ، ولكن النقد المعدني قد اختفى ، واختفت معه الأوراق المالية ذوات الخمسة قروش والعشرة قروش والخمسة وعشرين قرشًا والخمسين قرشًا ، ويكاد الجنيه نفسه أن يختفى ، لتحل محله الورقـة ذات الجنيهات الخمسة !
استقطبت سلسلة « أعلام العرب » كبار المفكرين والأدباء والكتاب ، وصفوة العلماء ، فكتب إليها عباس العقاد ، وزكى نجيب محمود ، وعلى أدهم ، وإبراهيم الإبياري ، والدكتور محمد يوسف موسى ، والدكتور أحمد أحمد بدوى ، والدكتور على عبد الواحد وافى ، وأستاذ الموسيقى الكبير محمود أحمد الحفني ، والشيخ أمين الخولي ، والدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور ، والدكتور أحمد الحوفي ، والأستاذ عبد اللطيف حمزة ، والشيخ أحمد الشرباصي ، والدكتور محمد فؤاد الأهواني ، وبدوى طبانة ، وزكريا إبراهيم ، ومحمد عبد الغنى حسن ، وغيرهم ..
أما الموضوعات ، فقد انصرفت إلى أعلام العرب وقتما كان المد العربي في ازدهاره ، ودخل فيهم بالطبع أعلام مصر ، ولكن الخريطة شملت الوطن العربي الكبير ، بمساحته ، وبتاريخه الفكري والحضاري ، فقرأنا في هذه المجموعة النفيسة ـ التي لم تكلفنا أعدادها سوى خمسة قروش ـ قرأنا عن الأستاذ الإمام محمد عبده عبقري الإصلاح والتعليم ، وعن المعتمد بن عباد ، وجابر بن حيان ، وابن خلدون ، وابن تيمية ، ومعاوية ، وسيد درويش ، وعبد القاهر الجرجانى وجهوده فى البلاغة العربية ، وعبد الله النديم ، والإمام مالك وتجارب الحياة ، والقلقشندى صاحب « صبح الأعشى » ، وابن الفارض ، والظاهر بيبرس ، والأصمعي ، والطبري ، وقاسم أمين ، وشكيب أرسلان ، وابن قتيبة العالم الناقد الأديب ، وأبو هريرة راوية الإسلام ، والخنساء شاعرة بنى سليم ، والصاحب بن عباد الوزير الأديب ، وشيخ العروبة أحمد زكى ، وحسان بن ثابت شاعر الرسول ، ورشيد رضا الإمام المجاهد ، واسحق الموصلي ، وأبو حيان التوحيدي أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء ، وأبو العلاء المعرى ، وأحمد لطفى السيد أستاذ الجيل ، والجويني إمام الحرمين، والزهاوي ، والناصر صلاح الدين ، وابن حزم الأندلسي ، وأحمد فارس الشدياق ، وابن رشيق الناقد الشاعر ، وعبد الله بن الزبير ، وأحمد بن طولون ، ورفاعة الطهطاوي رائد الفكر وإمام النهضة ، والكندي المؤرخ ، وابن النفيس رائد الطب ، والمقرى صاحب نفح الطيب ، والأفغاني باعث نهضة الشرق ، والبارودي رب السيف والقلم والشاعر المجدد في أوانه ، وابن زيدون الوزير العاشق ، وإمام الصوفية الحسن الشاذلى ، وأمير الشعراء أحمد شوقي ، وساطع الحسرى ، وابن الأثير المؤرخ ، وجرجى زيدان ، ومصطفى صادق الرافعي ، وعمرو بن العاص ، وعبد الكريم الخطابي ، والحسن بن الهيثم ، والطرطوشى العالم الزاهد ، وسفيان الثوري إمام الحديث ، وإبراهيم بن أدهم شيخ الصوفية ، وعبد الرحمن الكواكبي عدو الاستبداد ، والشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي سلطان العارفين ، والوزير الأديب لسان الدين بن الخطيب ، والمأمون الخليفة العالم ، والعارف بالله أبو العباس المرسى ، وابن سناء الملك ، وياقوت الحموي الجغرافي الرحالة الأديب ، والمبرد أديب النحاة ، وأبو جعفر المنصور ، والشريف الإدريسى أشهر الجغرافيين العرب وصاحب أول خريطة للعالم في زمن لم تتوفر فيه الطائرات والمناطيد والقياسات الحديثة.
عفوًا إن استطردت ، فمقصدي أن أشد أشواق القارئ إلى هذه الكنوز التي كان من حظنا أن أطللنا عليها ، واتسعت معارفنا وثقافاتنا بها ، ونهض عليها جيل كامل أحسن السابقون تهيئة الأسباب لهم للنهل من المعرفة في شتى بحورها .
ما أحرانا أن نتقدم إلى ما كنا عليه !