من تراب الطريق (1236)
حول التطرف والإرهاب للإمام الطيب
نشر بجريدة المال الثلاثاء 28/12/2021
ــ
بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين
ــــ
فى المجلد الثانى للقول الطيب ، خصص الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فصلاً لهذا الملف ، ضمَّ سبع محاضرات أُلقيت فى مناسبات وتوقيتات مختلفة ، أولها فى إحدى المنتديات بروما إبان رئاسته لجامعة الأزهر ، والثانية عام 2014 فى افتتاح مؤتمر الأزهر العالمى لمواجهة الإرهاب ، والثالثة فى مؤتمر رابطة العالم الإسلامى بمكة عام 2015 ، وتحدث فيها عن النزاعات التكفيرية .. ودواعيها وأسبابها ، والرابعة كانت عام 2015 فى اجتماع مجلس حكماء المسلمين المنعقد بمشيخة الأزهر ، والخامسة كانت فى سويسرا عام 2016 فى افتتاح الحوار بين مجلس حكماء المسلمين ، ومجلس الكنائس العالمى ، والسادسة كانت عن صناعة الإرهاب والوعى الغائب ، وأُلقيت عام 2018 بمركز المؤتمرات الدولى بدار السلام بسلطنة بروناى ، والسابعة دارت حول صناعة الإرهاب فى العالم المعاصر ، وألقاها عام 2018 فى افتتاح مؤتمر زعماء الأديان الذى أُقيم بالعاصمة الكازاخية « أستانا » بحضور رئيس جمهورية كازاخستان ، والسابعة ألقاها فى أكتوبر عام 2018 .
وها نحن نرى أن الدكتور الطيب صاحب مشروع ، قائم على أساس ، تتعدد فيه العناصر ، وتتعد أساليب وزوايا التناول والطرح ، يجوب من أجل النهوض برسالته بالشرق والغرب ، ما بين مصر ، ومكة المكرمة ، وسويسرا فى أوروبا ، وسلطنة بروناى ، وكازاخستان فى آسيا ، هيأ له القدر على طرح فكره ومشروعه فى هذه البلدان المختلفة اللغات ، أنه فضلاً عن علمه الواسع الغزير بالدين ومبادئه وأحكامه ومعاملاته ، أنه يتقن الفرنسية إتقانًا تامًّا ، حديثًا وكتابةً ، وأنه ملمٌّ أيضًا باللغة الإنجليزية .
ونرى أن هذه المحاضرات الست تدور حول ملف العنف ، جذوره ، وأسبابه ، وآثاره ، وسبل التصدى له ، إنقاذًا للإنسانية من مغبَّة تفشى هذه الظاهرة التى أقضت مضاجع العالم فى شتى البلدان ، وكانت « مصر » ــ ربما من أوائل البلدان التى عانت من عمليات العنف ، وكان أبرز هذه المظاهر اغتيال الرئيس المصرى أنور السادات ، ونحن نعرف أنه سبقه وتلاه كثير من وقائع العنف والاغتيال ، سواء بقتل الخازندار ، واغتيال حكمدار القاهرة ، والدكتور أحمد ماهر رئيس الوزراء فى البهو الفرعونى بالبرلمان ، ومحمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء ، وامتدت هذه الظاهرة إلى محاولة اغتيال حسن أبو باشا وزير الداخلية السابق ، واغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب ، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية عدة مرات ، واغتيال النائب العام هشام بركات . ومع سريان هذا الاتجاه ، امتدت مظاهره فى منطقتنا العربية إلى الجزائر بل وإلى الحرم المكى بمكة المكرمة ، إلى غير ذلك من واقعات العنف التى سرت كسريان النار فى الهشيم .
والتطرف والإرهاب يثيران قضايا متعددة ، منها ما يتعلق بالنشأة ، وبالبيئة ، والتعليم ، والظروف الإقتصادية والاجتماعية ، والخطاب الدينى المكتوب والشفهى ، والإعلام .. كل هذه جذور وأسباب ، أدت وتؤدى إلى التطرف ، وما قاد إليه من إرهاب ، وتنظيمات إرهابية تتستر بالدين بتحريف لا يفوت على أهل العلم والمعرفة ، ولكنه كثيرًا ما ينطلى على البسطاء ، وعلى الفقراء المأزومين فى معيشتهم . علاج هذه الأسباب والتصدى لها ، واجبٌ على المجتمع ، وعلى مؤسسات التعليم ، وعلى الثقافة والإعلام ، وبالطبع على الخطاب الدينى والقائمين به ، سواءٌ من خريجى الأزهر أو من سواهم ، ولذلك فإن تناول هذه الظاهرة له زوايا متعددة .
وبينما رأى العالم العربى ــ فيما يقول الإمام الطيب ــ أن أسباب هذه الظاهرة تكمُن أساسًا فى عوامِلَ عدَّة مثل انحراف الجماعات الإسلامية عن الفهم الصحيح للإسلام ، ومساندة البعض لهذه الجماعات ودعمها ماديًّا وفكريًّا ، إضافةً إلى سلبية الغرب وعدم جديته فى تقدير ظاهرة العنف تقديرًا دقيقًا ، وتجاهلة لتداعياتها الخطيرة ، بينما كانت هذه هى نظرة الغرب للعنف وأهله ، فإن النظرة التى سادت دوائر الغرب والإدارة الأمريكية كانت تركز على عوامل محلية عربية / إسلامية .. فى مقدمة هذه العوامل : صحوة الثقافة الإسلامية ، والتخلف الاقتصادى وما يثمره هذا التخلف من مشكلات اجتماعية وخلل كبير فى توزيع الثروة والخدامات . (وللحديث بقية)