من تراب الطريق (1224)
الإمام الطيب والقول الطيب (57)
نشر بجريدة المال الخميس 18/11/2021
ـــ
بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين
الأزهر واتحاد الكلمة (2)
ـــ
أضاف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ، أن تقرير تلك الحقيقـة التـى ذكرهـا ، لا يقتصر على جانب نظرى يكتفى بما يقرأ عن عقيدة أهل السنة والجماعة ، ولكنه المنهج المتبع ، والواقع المشهود ، للأداء الأزهرى والتكوين التعليمى الذى صبغ هذا المعهد العريق بلون فكرى متوازن ، ومزاج ثقافى وسطى جامع ، وعقيدة راسخة بوحدة المسلمين ، ماداموا على قبلة واحدة .
ويتمثل الدكتور الطيب بتجربة شخصية قديمة ، إبان أن كان طالبًا فى ستينيات القرن الماضى ، بالدراسات العليا ، وفيها تتلمذ على كلّ من الشيخ محمد يوسف الشيخ ـ شيخ الأشاعرة ، والشيخ الدكتور سليمان دنيا صاحب التوجه العقلانى الصـارم ، والشيـخ عوض الله حجازى باتجاهه المنطقى ، والشيخ عبد الحليم محمود باتجاهه الروحى ، والشيخ محمد خليل هرَّاس بتوجهه السلفى ، وهو صاحب الدراسة المبكرة التى نال بها العالمية فى كلية أصول الدين ، وكان عنوانها : « ابن تيمية السلفى » ، وكـذا الشيـخ عبد الرحمن بيصار والشيخ محمد غلاب بنزوعهما الفلسفى.
ويشهد الدكتور الطيب ـ ويعلم الله ، أن كلاًّ منهم كان غيورًا على الإسلام ، داعيًا إلى الله ، مؤيدًا لحقائق الكتاب والسنة بما لديه من ثقافات الأمم وفلسفات المفكرين .
ويشهد أنهم ـ طلابهم ـ لم يجدوا حرجًا فى صدورهم ، أو صراعًا فى عقولهم ، من تقبل هذه المدارس المختلفة مشربًا ، المتوحدة هدفًا وغايةً ، بل أورثهم ذلك كله ذوقًا معتدلاً ، ونظرة موضوعية ، وولاءً راسخًا للكتاب والسنة .
هذه التجربة العملية الواقعية ، تؤكد أنه كلما اتسع نطاق النظر وتنوعت مصادر الفكر ، دون الانحصار فى مورد واحد ، كلما أمن طالب العلم من خطر التشدد والتعصب ، واكتسـب رحابة صدر ومرونة فكر تعينه على الخيار الصحيح الذى يهدى إليه الدليل والحجة .
ويضيف الدكتور الطيب أنه حين وُسَّدَ رئاسة جامعة الأزهر ، حرص على مراعاة ذلك فى المناهج المقررة بكليات الجامعة ، سعيًا إلى ترسخ الروح الوسطية بالتمرس بدراسة نصوص الأئمة بمدارس الفكر ومذاهب الاجتهاد .
ولذلك فقد حرص على أن يكون فى مقدمة أولياته ، توجيه رسائل إلى قادة الفكر وعلماء الأمة مناشدًا إياهم العمل معًا ، على جمع المسلمين كافة ، وأهل السنة والجماعة بخاصة ـ على كلمة واحدة ، ومقاومة كل دعاوى الفرقة ، ونوازع التشدد والإقصاء ، وفتاوى تكفير المخالفين وشجبهم بالضلال ، تلك المنازع التى أدت فى العقود الأخيرة إلى الفرقة وإلى المزيد من الضعف والهوان !
ومع أن صدى الاستجابة لهذه الدعوة لم يكن مشجعًا على المواصلة فيما قال ، إلاَّ أنه رغم ذلك آثر الانتظار وتأمّل رجْعِ الصدى ، ولم يرض بالإياب ، بل دعا فضيلته إلى لقاء خاص يجمع رموزا فكرية ودعوية تمثل كافة الاتجاهات الإسلامية ، وقد انعقد هذا اللقاء بحضور بعض علماء المملكة السعودية ودعاتها ، انعقد فى 25 يناير 2011 م ، الموافق 28 من ذى الحجة 1432هـ ، بهدف البحث عن سبل تحقيق هذه الغاية ، وهى جمع المسلمين وتوحيد كلمتهم بين أهل السنة والجماعة أولاً ، ثم مع غيرهم من أهل الملّة ثانيا ، واتفق فى ذلك اللقاء على عدم الانشغال بتقارب مزعوم ، بل بتفاهم محتوم ، يفرضه الدين الواحد ، والقبلة الواحدة ، والكتاب الواحد ، والمصلحة المشتركة .
وختم الإمام الأكبر هذا الحديث الصريح الطيب ، داعيًا الحاضرين بقوله :
« فلنمضِ على طريق الوحدة بثبات وأناة ، وفكر مُنفتح ووعىٍ تام ، ولكن مع صبر وإصرار وتضافر وتناصح وتبادل للأفكار ؛ مع الإخلاص لله تعالى ، ولدينـه وكتابـه وسنـة رسوله أولاً ، ولهذه الأمة ثانيًا ، ولكل خلق الله بعد ذلك ؛ فما أُريد إلاَّ الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقى إلاَّ بالله ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) [ الأنفال 46 ] » .