من تراب الطريق (1211).. الإمام الطيب والقول الطيب (44)
نشر بجريدة المال الاثنين 1/11/2021
ــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ: رجائى عطية
يناقش هنا الإمام الأكبر الدكتور الطيب ، قضية بالغة الأهمية ، إقتضتنى شخصيًا أن أضع كتاب « حقائق القرآن وأباطيل الأدعياء » ، القرآن نعرفه ونعرف أنه وحى إلهى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أما الأدعياء فهم شرذمة على رأسها الرئيس الفرنسى الأسبق ساركوزى الجارى محاكمته وصدرت ضده أحكام عن فساد مالى ، ومنهم المطرب شارلزآز نافور ، الذى مات بعد دعوتهم بشهر أو شهرين , وآخرون ، خرجوا علينا بدعوة من باريس تدعو لإعادة النظر وحذف آيات من القرآن الكريم ، بدعوى أنها تعادى السامية ، وتحض على كراهية اليهود ، وبزعم أن بابا الفاتيكان إستبعد بعض آيات من الكتاب المقدس ، وهو زعم كاذب ، كما وأن القياس غير جائز أصلاً ، فالعهد القديم والجديد ، روايات بشرية يحكى رواتها ما شاهدوه أو سمعوه ، ولكنه ليس كلام الله ، وليس وحيًّا إلهيًا أنطق الله به رسوله ، إلى جهل هذه المجموعة العربية بما إجترأوا عليه ، وليس أدل على ذلك من أنهم لا يعرفون اللغة العربية ، ومن ثم لم يقرأوا القرآن ليفتروا عليه بهذا اللغو !
والإمام الأكبر يحدثنا هنا عن عمومية هذا الإعتقاد الذى يعتقده كثير ٌ من الغربيين ، أن الإسلام ، وكذلك القرآن ، يجب أن يخضع للتغيير والتحور والتبديل ، زاعمين أن المسلمين إن لم يتعاملوا مع قرآنهم مثلما يدعون أن الغربيين يتعاملون به مع الكتاب المقدس ، فإنه لا أمل للمسلمين فى التعدى .
وهذا كذب . فالغرب الدينى يعتنق أن زوال جبال الدنيا ممكن ، ولكن لا يمكن زوال حرف واحد من الكتاب المقدس . وترصد مؤسساتهم الإمكانات المادية الهائلة لنشر الكتاب المقدس والتبشير به وبخاصة بين المسلمين .
أما الغرب العلمانى ، فإنه لا يؤمن بهذا الكتاب ولا بغيره من الكتب السماوية ، ولكنه يؤمن بالتقدم والحداثة التى تتقاطع جذريًا مع الدين ، ومع كل موروث قديم ، وأن على المسلمين إن أرادوا التقدم والنهضة أن يسلكوا هذا السبيل ، وأن يعطوا ظهورهم للقرآن ، ويلجأوا إلى الحداثة الغربية ويتبعوها .
والغرب الدينى ، والغرب العلمانى ، وإن إختلف منظورهم ، إلاًّ أنهما يتفقان فى استهداف الشرق الإسلامى ، وينتهيان عمليًّا ــ ربما عن غير قصد ــ إلى غاية واحدة ؛ هى زعزعة الجذور الدينية للحضارة الإسلامية ، والعبث بها قدر إمكانهم . إما بمعول التبشير الذى صارت له قنوات فضائية ناطقة بالعربية ــ والهدف واضح ــ تشكيك الملسمين فى دينهم وثقافتهم ، وإما بمعول الحداثة الغربية ، وبمعنى أدق بمعول التحديث فى إتجاه الغرب .
وغير صحيح أن التحديث صناعة غربية خالصة ، أو أنه لا حداثة غير حداثة الغرب ، فالفرق عند الشرقيين واضح وحاسم بين الحداثة وبين التغريب ، وهو ــ أى التغريب ــ مرام هؤلاء ، لذلك يجب التمييز الحاسم بين الحداثة ، وبين التغريب .
من الحقائق التى يتجاهلها هؤلاء ، أن لكل حضارة طابعها ، كالحضارة الغربية ، والحضارة الإسلامية ، والهندية ، واليابانية .. وهكذا ..
فكيف وبأى منطق تفرض على حداثات الأمم والشعوب صيغة واحدة ، غريبة عنها , وصادمة لتاريخها ولجذورها النفسية والعقلية والثقافية !
إن لكل أمةٍ وكل حضارة « حداثتها » التى تثمرها رؤيتها وثقافتها وعقائدها وتاريخها ، ومن ثم فإنه ما قد يعد حداثة مثمرة فى حضارة الغرب ، يمكن أن يكون فيه الهلاك لحضارة الشرق .