من تراب الطريق (1199)

الإمام الطيب والقول الطيب (32) إتجاهات التجديد في التراث

نشر بجريدة المال الأربعاء 13/10/2021
ـــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ: رجائى عطية
الإمام الطيب والقول الطيب(32)
إتجاهات التجديد فى التراث
ــــ
عنوان هذا الشق مختار بعناية ، سوف يعرفها القارئ ، ويعرف وسطية المقصود فيه ، حين يمضى مع رحلة الإمام الأكبر الدكتور الطيب مع هذه القضية البالغة الأهمية ، وفضيلته لا يحب أن يأخذ القارئ معصوب العينين إلى تلقى ما يريد إبداء رأيه فيه ، فيعلمه من البداية أن موضوع « التراث والتجديد » قد صار فى السنوات الأخيرة محور اهتمام الباحثين والعلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات والكتاب ، وعلى اختلاف انتماءاتهم الثقافية والمذهبية ، وحظى الموضوع لأهميته القصوى للأمة فى تاريخها المعاصر ـ حظى بدراسات عريضة فاضت بها كتب ومؤتمرات وندوات ومحاضرات .
وأحدث ما طُرح فى هذا الموضوع ، مقالات عشر للكاتب جورج طرابيشى ( لغوى وكاتب ومفكر سورى ) تحت عنـوان : « مذبحة التراث فى الثقافة العربية المعاصرة » .
وصدرت أيضًا مجلدات ضخمة اتخذت من موضوع التراث ـ مشروعًا للنهضة عالجت فى ضوئه تحديات العصر ، أو بالأحرى عالجت التراث فى ضوء هذه التحديات . وأغرق خطابها
فى مفردات غامضة فى معناها وفى تركيبها الصرفى ، من مثل : السلفوية ـ التلفيقوية ـ العصروية ـ التحييدوية ـ القروسطية ( نحتًا من القرون الوسطى) .. وغيرها .
وأتى فى مقدمة هذه الأعمال : مشروع الدكتور « الطيب تيزينى » ، المزمع إخراجه فى اثنى عشر جزءًا ، تشكل فى مجموعها رؤية جديدة للفكر العربى منذ البدايات حتى المرحلة المعاصرة ، وقد صدر الجزء الأول من هذا المشروع فى أكثر من ألف صفحة .
وعلى نفس القدر المتضخم ، أعمال للدكتور « حسن حنفى » ( وهو معروف للمثقفين المصريين ) ، تحت عنوان « التراث والتجديد » .
أعمال « تيزينى » حددت مسارها فى رؤية قوامها « من التراث إلى الثورة » .
ومشروع الدكتور « حسن حنفى » مساره : « من العقيدة إلى الثورة » ، طرح فيه قضايا علم الكلام فى خمسة أجزاء أربت على ( 3200 ) صفحة ، وأبحاث أخرى بعنوان
« الدين والثورة » ، غير مقالات ومحاضرات تضمنتها ندوات كبرى مثل ندوة : « التراث وتحديات العصر فى الوطن العربى : الأصالة والمعاصرة » وندوة « الفلسفة فى الوطن العربى المعاصر » ، وغيرها .
وهناك أعمال أخرى فى نظرية التراث ، لا تقل أهمية ، فى مقدمتها أعمال الأساتذة : زكى نجيب محمود ، وعبد الله العروى ، وأدونيس ، ومحمد عابد الجابرى ، وحسين مروَّة ، وغيرهم.
وتقتضى الأمانة العلمية ـ فيما أفصح عنه الإمام الأكبر الدكتور الطيب ـ تقتضى أو تحتم القول بأن الحديث عن هذه الأعمال حديثًا علميًّا مؤسَّسًا على قراءة فاحصة متقصية ـ أمر صعب ، ناهيك عن تقويمها تقويمًا نهائيًّا يطمئن إليه الباحث المنصف .
أمران ، أو عارضان !
ومن أهم ما يرهق القارئ فى هذه النظريات لتجديد التراث ، ويطيل بحثه ، دون فائدة تذكر أحيانًا ـ أمران :
الأمر الأول : أن النظريات الاشتراكية فى ثوبها « الماركسى » الراديكالى ، تعرض نفسها وهى تتحدث عن التراث « بأشد صور التوصيل تعقيدًا » ، وتغرق فى التنظير إلى حد نسيان علاقته بالواقع .
الأمر الثانى : أن النظريات المطروحة فى تجديد التراث ، وقفت حيال التراث مواقف شتى .. ذهبت من النقيض إلى نقيضه الآخر ، وأحيانًا فى كتابات الكاتب الواحد ، ودون تنبيه القارئ إلى الطبيعة التحولية أو المرحلية فى بناء النظرية .
وبين هذين العارضين ، أو هاتين الصعوبتين ، يمضى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الطيب فى تلمس فكرة نقدية تتعلق بمدرسة « التراث والتجديد » من حيث موقفها من
التراث ، وعلاقة التراث بالواقع ، والعلاج المطروح لتجديد التراث .
جذور القضية
يرجعها البعض إلى حرب يونيو 1967 وتوابعها ، ويرى آخرون أنها بدأت منذ الحملة الفرنسية وما أدت إليه من مزيد من الاحتكاك بالغرب ، وحدوث مواجهة مباشرة بين حضارتين متباينتين أشد التباين , وما يقتضيه الأخذ بأسباب التقدم , ما بين احتذاء النموذج الغربى احتذاءً كاملاً , وبين إحياء التراث الإسلامى كنموذج حضارى للتنمية والتحديث , أو محاولة التوفيق بين النموذجين .
ويبدى الدكتور الطيب , أن جذور « قضية التراث » ترجع فى بدايتها إلى هذا الاحتكاك المباشر بين الشرق وبين الغرب الأوروبى , ففى هذا التوقيت اضطلع بالقضية رواد الفكر الإسلامى قبل عام 1967 , بدءًا بجمال الدين الأفغانى , ومحمد عبده , ومرورًا بمحمد رشيد رضا , وعبد القادر المغربى , وطاهر الجزائرى , ومصطفى عبد الرازق , ومحمود شلتوت , وعباس العقاد , ومحمد عبد الله دراز , ومحمد البهى ، وغيرهم .
والذى لا شك فيه أيضًا أن الاهتمام بالقضية بدأ يفرض نفسه بشكل حاد على طائفة لا يستهان بها من المفكرين والأساتذة والباحثين ـ بعد حرب أو نكسة 1967 , وقد تراوحت توجهات هؤلاء أو خلفياتهم المذهبية ما بين القومية إلى الليبرالية إلى الماركسية إلى العلمانية إلى الأصولية المادية .
ويمكن تسهيلاً أو اختصارًا , أن تُعزى مدارس التجديد ومشاريعه ـ جغرافيًّا ـ إلى ثلاث مدارس : السورية , والمغربية , والمصرية .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى