من تراب الطريق (1179)

الإمام الطيب والقول الطيب(11)

نشر بجريدة المال الثلاثاء 14/9/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

يحدثنا الإمام الأكبر أحمد الطيب عمن أكدوا وشهدوا على مفهوم أهل السنة والجماعة ، بعد وفاة إمام الأشاعرة الإمام أبو الحسن على بن إسماعميل الأشعرى ، فيذكر الإمام أبا الحسين الملطىّ المتوفى 377 هـ ، والإمام الكبير حجة المتكلمين أبا منصور عبدالظاهر بن طاهر البغدادى المتوفى 429 هـ ، فى كتابيه : « الفرق بين الفرق » ،
و « أصول الدين » ، والأستاذ أبا المظفر شاهفور بن طاهر الاسفرايينى المتوفى 471 هـ ، فى كتابه : « التبصير فى الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفِرَق الهالكين » .
ويحدثنا الإمام الطيب عن استقرار مصطلح أهل السنة والجماعة ، بمعناه الواسع الأعم ، فى اطراد عجيب ، لا يخلو جيل من الأجيال من التذكير به والتنبيه إليه ، منذ عهد الإمام الأشعرى وحتى يومنا هذا .
من هؤلاء الإمام البيهقى المتوفى 458 هـ ، المعاصر للإسفرايينى .
والإمام أبو القاسم القشيرى المتوفى 465 هـ .
وأبو اسحق إبراهيم بن على الشيرازى المتوفى 476 هـ ، وأبو بكر محمد بن أحمد الشانشى المتوفى 507 هـ . وكتبا أن الأشعرية أعيان السنة ، ونُصَّار الشيعة ، انتصبوا للرد على المبتدعة من القّدَرية والرافضة وغيرهم ، فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة .
وبعد أن يفيض الإمام الطيب فى الحديث عن باقى هؤلاء الشيوخ الأجلاء ، يذكر أن كل هؤلاء ـ بالاستقراء على الإجمال ـ ثلاث طوائف :
الأولى : أهل الحديث ، ومعتمد مبادئهم الأدلة السمعية ، يعنى الكتاب والسنة والإجماع .
الثانية : أهل النظر العقلى والصناعة الفكرية ، وهم الأشعرية والحنفية ، وشيخ الأشعريـة أبو الحسن الأشعرى ، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدى .
الثالثة : أهل الوجدان والكشف ، وهم الصوفية ، ومبادئهم مبادئ أهل النظر والحديث فى البداية ، والكشف والإلهام فى النهاية .
وبعد أن يحدثنا عن بعض هؤلاء الرموز ، وأقوالهم ، يدعـو القـارئ للتوقـف عند نصين :
نص ابن حجر الهيتمى المتوفى 974 هـ ، وفيه يقول : « المراد بأصحاب البِدَع فيه من كان على خلاف ما عليه «أهل السنة والجماعة» ، والمراد بهم أتباع الشيخ أبى الحسن الأشعرى ، وأبى منصور الماتريدى ، إمامى أهل السنة » ، وقال أيضًا : « المراد بالسنة ما عليه إمامَا أهل السنة والجماعة الشيخ أبوالحسن الأشعرى وأبو منصور الماتريدى ، والبِدعَة ما عليه فرقة من فرق المبتدعة المخالفة لاعتقاد هذين الإماميـن وجميـع أتباعهما ».
أما النص الثانى فهو للشيخ علىّ القارى المتوفى 1140 هـ ، الذى نقل فيه عن الهيتمى ، وفيه يقول : « الأهواء المنكرة هى الاعتقادات الفاسدة المخالفة لما عليه إمامَا «أهل السنة والجماعة» أبو الحسن الأشعرى ، وأبو منصور الماتريدى »
دعوة الإمام الطيب للتوقف قليلاً أمام هذين النصين لا لنعلم فقط أن الأشاعرة والماتريدية هم طلائع «أهل السنة والجماعة» ، بل لنعلم ـ أيضًا ـ أن مخالفى الأشاعرة والماتريدية هم من يسمون ـ فى تراثنا ـ أهل البدَع والأهواء ، ولكنه أراد أيضًا أن ننظر من حولنا لكشف أن الميراث العلمى الموثق للمسلمين بنُقول تنصُّ صراحة على أن الأشاعرة ومعهم الماتريدية هم أئمة «أهل السنة والجماعة» وأن مخالفيهم هم أهل البدَع والأهواء .
هذا الميراث قد انقلب ـ للأسف ـ فى الآونة الأخيرة رأسًا على عقب ، وصار يمشى على رأسه بدلاً من قدميه ، وأصبح أهل البدَع والتشدد والتطرف هم «أهل السنة والجماعة» الجدد ، و«أهل السنة والجماعة» الذين عرفهم تاريخ الإسلام والمسلمين هم من يُرمَون اليوم بالابتداع والفسق والمروق من الملة عند كثير ممن لا قدم لهم فى علم عقلى أو نقلى .
وقد مضت القرون العشرة الأولى ، فى طول بلاد الإسلام وعرضها على هذا النهج الواضح فى التفريق بين المذهب الأشعرى ـ الذى هو مذهب الأغلبية الساحقة للمسلمين ـ وبين المذاهب الأخرى التى تتبعها قلة هنا أو طائفة هناك ، ليأتى القرن الحادى عشر ـ وما بعده ـ فيتواصل السير على ما رضيته الأمة واطمأنت إليه من التمسك بهذا المذهب ، والتنصيص الدائم على أنه المذهب المعبر عن سماحة الإسلام وسعة أفق المسلمين .
وبعد جولة فى استقصاء أقوال أهل العلم والسداد يقول الإمام الطيب :
« هذا هو المفهوم الواسع الشامل لمصطلح «أهل السنة والجماعة» الذى عاش المسلمون فى ظلاله إخوة لأكثر من ألف عام ، عاش الجميع فيها فى وحدة جامعة استوعبت التعدد والاختلاف المحمود ، ونبذت الفرقة والخلاف المذموم . وتمكن المسلمون تحت راية هذا المذهب من صُنع حضارة لم تُعرف لغيرهم . وذلك قبل أن تظهر على الساحة مذاهب متشددة فى التقيد بظواهر النصوص ، حوّلت الخلاف المشروع بين المسلمين إلى مذاهب وطرائق فى التشدد والتطرف والتكفير وسفك الدماء »
أما حديثه عن الإمامين : الأشعرى ، والماتريدى ، فالحديث عنهما يطول ، للقارئ أن يطالعه فى المجلد الأول من « القول الطيب » ، وفى أربعة مجلدات كان الأزهر الشريف قد أصدرها عام 1471 هـ عن الإمام الأشعرى بعنوان : « نحو وسطية إسلامية جامعة».
وخلاصة القول ، فيما قال الإمام الطيب ، أن «أهل السنة والجماعة» هم جماهير الأمة الإسلامية وأن أئمتهم هم : مالك والشافعى وأبو حنيفة وابن حنبل ، والأشعرى والماتريدى وتلاميذهما ومدارسهما ، والحسن البصرى والجنيد والمحاسبى والسراج وحجة الإسلام الغزالى ، وأهل الحديث وفضلاء الحنابلة وعلماؤهم ممن يتمسكون بنهج الإمام أحمد وزهده ، وما عهد منه وعرف من سيرته فى فراره الشديد من الولوغ فى الدماء والتسرع بتفسيق المسلمين مرة وإخراجهم من الملة مرة أخرى.
ومذهب «أهل السنة والجماعة» هو الذى أوصى النبى عليه الصلاة والسلام بالاعتصام به والإمساك بطوقه حين يضطرب أمر المجتمع المسلم وتغشاه الفتن وتنحرف به السبل ، فقال : «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الإثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة » .

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى