من تراب الطريق (1149)

من تراب الطريق (1149)

نشر بجريدة المال الاثنين 2/8/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

الاتزان والثبات

نخطئ بيقين حين نظن أن الاتزان والثبات يتحققان أو لا يتحققان حسب الظروف التي نلقاها أو تحيط بنا أو تفاجئنا على غير انتظار أو توقـع.. فإن كانت مثيرة أو غير متوازنة أو مضطربة أو مقلقة، فارقنا الاتزان والثبات وكان من حقنا، أو بررنا لأنفسنا ألا نصبر وأن من الطبيعي أن نضطرب ونقلق. وهنا نحن نصدر لأنفسنا قرارات ـ نتصورهـا نهاية ما نملكه من المعقولية ـ بأن من حقنا، أو معنا عذرنا على الأقل ـ أن نهتاج ونثور وننزعج وأن نتجاهل موازين العقل والتعقل لأننا ووجهنا بظروف غير ملائمة لا يمكن أن تقابل بالصبر والاتزان والثبات.. وهذا كله وهم وتخيل ـ لأن احتفاظنا أو عدم احتفاظنا بالاتزان والثبات ليس رد فعل على ظرف خارجي، بل هو حالة نفسية داخلية نتخذها لأنفسنا ونوجدها في وعينا ونستسلم لها نتيجة قرار نتخذه نحن ونتصور مخدوعين ـ أنه هو القرار الوحيد بل المفروض المعقول الذي نصور لأنفسنا أنه ثمرة اقتناع يملأ أعماقنا بأننا في حالة عجز عن المواجهة، ونمعن فنصور هذا الاقتناع في صور مختلفة نبرر بها لمواجهات اندفاعية ليس لها دراسة حقيقية، نبديها وننقاد لها وننفذها دون أن نكون واثقين من نجاحها ونفعها، لكنها لا تخفف في الواقع الفعلي قليلاً أو كثيرًا من شدة إحساسنا القانط الخابي بالعجز والحيرة !

كل شيء فعال ـ في أيامنا هذه ـ لا يميل كثيرًا إلى الصبر والاتزان والثبات، على حين يرحب بالاندفاع والإسراع في التغيير والتجريب والانتقال والإبدال والاستبدال !

ويوشك الآدمي في عصرنا أن يفارق ثقته في عقله أو ما بقى له من ثقة في عقله، لأنه لم يعد يلتفت إلى البينة الكبرى على وجود العقل وقيمته، هي اتزان الآدمي وثباته.. وهذان: الاتزان والثبات، هما معنى كلمة « الصبر ».

ولأن المحيط « مجموع »، فإنه لا يلتفت مباشرة إلى إحساسات « الفرد » الواحد، وإنما تلفته « الصدمة » الناجمة عن « كارثة » أو « حاقة » أو « قارعة »، أو الصادرة من كثافة اعتراض المعترضين واحتجاجهم، ولذلك فإن « المحيط » كثيرًا ما يتحمل ألوانًا من المغالاة في عدم الصدق التي تشيع وتنتشر دون أن يلفته إليها تأثيرها المدمر على عواطف الإنسان وإنسانيته، وتجاهلها المبالغ فيه لاحتياج « طبيعة » الآدمي للإخلاص والوفاء لكى يكون قادرًا على أنه يُحب ويُحَب، ويَسْعَد ويُسعِد، ويُسَر ويحزن ويشارك مشاركة عميقة في مسرات وأحزان الآخرين، وهذا كله يؤدى ـ إذا ران وطال عليه الزمن ـ إلى نسيان « كتلة » الناس في ذلك المحيط لإنسانيتها، ويمسى ظاهرها الإنساني ـ ظاهرًا خادعًا، وباطنها باطن وحوش قساة لا يَرحمون ولا يُرحْمون.. قد يبذلون المجاملات والتحيات والانحناءات، دون أن ينبض فيهم عرق نبضًا حقيقيًا بمحبة أو عطف أو سلم، لأنهم باتوا باعتياد فقـدان الصدق مـع النفس لا يبالون ولا يهتمون ولا يكترثون إلاّ بالقوة والمهارة و« المنفعة » التي تجلبها القوة والمهارة !

ولا شك أن هذه وتلك تفقد المرء أمانه النفسي، وتضيق عليه الخناق، وقد تتسبب في اكتئابه، وتوجسه من الناس ومن التعامل في خضم الحياة، وهنا يبدو الاتزان والثبات عدة الفرد، ومنبعهما والصبر الذي هو من عزم الأمور. اصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله لعلكم تفلحون..

الحق بيّن، وكذا صفاته. إن ذكره العباد فبأنفسهم، وإن شكروا فلأنفسهم، وإن أطاعوه فلنجاة أنفسهم. ليس للحق ـ سبحانه وتعالى ـ منهم شيء، لأنه جل جلاله الغنى القهار.

إن الراضي بما يقدره ربه، لا يفارقه الاتزان والثبات، فرزقه عند الله قادم وان أبطأ.

يبلغ العبد مقام الرضا إذا أقام نفسه على أصول أربعة فيما يعامل به ربه.. يقول:

إن أعطيتني قبلت..

وإن منعتني رضيت..

وإن تركتني عبدت..

وإن دعوتني أجبت..

قال ابن عطاء الله:

الرضا سكون القلب إلى قديم اختيار الله تعالى للعبد، أنه سبحانه وتعالى قد اختار له الأفضل، فيرضى له وبه، ويترك السخط.

زر الذهاب إلى الأعلى