من تراب الطريق (1146)
من تراب الطريق (1146)
نشر بجريدة المال الأربعاء 28/7/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
بوش الابن والحذاء الطائر !
بغض النظر عن الحذاء الطائر، فلم تكن واقعته قد حدثت بعد، حين ذكرتني زيارة جورج بوش الابن، في أيامه الأخيرة قبل مغادرة البيت الأبيض، لكل من العراق وبعدها أفغانستان. ذكرتني برقصة أو تغريدة البجعة في أيامها الأخيرة !
الرقصة الأخيرة، أو تغريدة البجعة، صافحتها بمقال للأستاذ الدكتور زكى نجيب محمود في أخريات عام 1990 على ما أذكر.. أيامها كتب بمقاله الضافي في الأهرام أنه يقال عن البجعة إنها إذا ما دنت من ختام حياتها سمعت لها أنّات منغومة تطرب آذان البشر، ولا يمنع طربها أن تكون تلك الأنّات صادرة ـ على الأرجح ـ من ألم يكويها، ومن هذه التغريدة الجميلة ـ للبجعة لا لبوش ! ـ قبل موتها جاء التشبيه عند أدباء الغرب لأعمال الختام في الحياة، بأنها تغريدة البجعة قبل موتها !
بدا لي أن هذه المعاني هي التي دفعت بوش الابن، إلى تقرير زيارة العراق ثم أفغانستان في أيامه الأخيرة قبل أن يغادر البيت الأبيض ـ غير مأسوف عليه ! ـ إلى غير رجعة. كان ظنه أن ذلك سوف يستحضر ـ قبل أن يودع ـ ما ظنه إنجازًا في ولايته المشئومة على البشرية وعلى بلده وشعبه. توهم أنه بهما ـ بالزيارتين ـ سوف يكتب الخاتمة الرائعة، أو « الفينالة » بلغة المسرح، لأعماله ( المجيدة ! ) التي جرت الدمار والويلات والخراب !
الشيء الذي لم يقدره خيال أو وهم بوش، أن « فينالة » المسرحية لا قيمة لها ولا أثر فيها إذا كانت لفصول ومشاهد ركيكة أو خائبة. وقد جاءه الجزاء من جنس عمله ومشاهد ولايته المؤسفة. كان غزو أفغانستان ثم العراق، مشهدين فظيعين لسياسة خرقاء وأوزار كبرى قارفها بوش ومن تحالفوا معه.. الغريب اللافت أن بوش توهم بخيال مريض أنه سيستقبل بالعراق التي بدأ بزيارتها، استقبال الأبطال الأصدقاء ! لقد صدق الأكاذيب التي أطلقها لتبرير غزو وتدمير وتكسيح العراق ! صدق ما بثه للعالم أنه سوف يخلصه من أسلحة دمار شامل تبين وثبت أنها لا وجود لها إلاّ في أوهامه وأكاذيبه، وصدق ما جعل يدعيه للعالم وللعراقيين أنه سوف يزيح عن العراق كابوسا يقض مضاجع العراقيين، وأنه فور إنجاز المهمة ( المقدسة ! ) وإسقاط النظام العراقي سوف يتلقاه الشعب العراقي بالأحضان، ومع أن ردود الأفعال جاءت على نقيض أوهامه، وطفقت المقاومة العراقية تشتعل وتزداد يوما بعد يوم، إلاّ أنه ظل على وهمه فأعدم الرئيس العراقي صدام حسين في مشهد مأساوي مقدما إياه كضحية في عيد الأضحى المبارك !.. الأغرب أن الرئيس بوش العبقري ظل سادرا في هذه الأوهام، لا يرى ما يجرى في المشهد العراقي ولا يحزر دلالته، فظن أن زيارته للعراق زيارة رئيس لشعب صديق سوف يتلقاه بالترحاب والأحضان، ومن ثم سوف يكون المشهد الذي تمناه ـ مسك الختام أو رقصة البجعة التي سيقدمها للعالم ولبلده قبل أيام من مغادرته البيت الأبيض إلى غير رجعة !
ظني بغض النظر عن الآراء والفلسفات، أن الحذاء الطائر هو أبلغ وسيلة لاستقبال بوش بالعراق والتعبير للعالم كله عن شناعة ما فعله بالعراق وشعبه وما أنزله في غزوه الأحمق من تدمير وما بثه في بلد الرافدين من هلاك وخراب !
للذين يتحدثون عن العقل واللياقة، أقول إن الحذاء الطائر كان أبلغ في رسالته من الاغتيال ! سيظل بوش ويظل العالم وتظل الأمة العربية يذكرون الحذاء الذي استقبل بوش بأرض الرافدين.. ستنطوي الفصول والمشاهد، وسيسترد العراق ما خربته الحماقة المتغطرسة، ولكن سيبقى « الحذاء » عنوانًا للرئيس جورج بوش الثاني !