من أحكام النقض بشأن صحة ونفاذ عقود البيع

كتب:أشرف زهران 

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 4394 لسنة 87، أنَّ الدعوى بصحةِ ونفاذِ عقدِ البيعِ هي دعوى موضوعيَّةٌ تمتدُ سلطةُ المحكمةِ فيها إلى بحثِ موضوعِ العقدِ ونفاذِهِ في مواجهةِ البائعِ، وهي تستلزمُ أنْ يكونَ مِنْ شأنِ البيعِ موضوعِ التعاقدِ نقلُ الملكيَّةِ حتى إذا ما سُجِّلَ الحكمُ قامَ مقامَ العقدِ المُسَجَّلِ في نقلِ الملكيَّةِ، وهذا يقتضي أنْ يفصلَ القاضي في أمرِ صحةِ البيعِ، وأنْ يتحققَ من استيفائِهِ للشروطِ اللازمةِ لانعقادِه وصحتِهِ، وأنَّ قيامَ الخلافِ بينَ الطرفَيْنِ حولَ تنفيذِ أَيٍّ مِنْهُما لالتزاماتِهِ المترتبةِ على العقدِ يقتضي مِنَ المحكمةِ التحققُ مِنْ أنَّ هذا الخلافَ يتعلقُ بالتزامٍ يُؤثِّرُ على أركانِ البيعِ وشروطِهِ الأساسيَّةِ التي ما كانَ يتمُّ البيعُ بدونِها أمْ أنَّه لاحقٌ عليه ولا يُؤثِّرُ على صحةِ العقدِ ونفاذِهِ.

الوقائع.
وَحَيْثُ إِنَّ الْوَقَائِعَ– على ما يبينُ مِنَ الحكمِ المطعونِ فيهِ وسائرِ الأوراقِ– تتحصلُ في أنَّ الطاعنَ أقامَ الدعوى رقم … لسنة ٢٠١٢ محكمة كوم حمادةِ الابتدائيَّةِ على الهيئةِ المطعونِ ضدها بطلبِ الحكمِ بصحةِ ونفاذِ عقدِ البيعِ المؤرخِ ١ /٤/ ٢٠٠٩ والمُتضَمِّنِ شراءه منها الأرضَ الصحراويَّةَ المُبينةَ بهِ وبالصحيفة لِقَاءَ ثمنٍ سدَّدَه كاملًا، وإذْ تقاعسَتِ المطعونُ ضدها عنِ نقلِ الملكيَّةِ إليهِ، فقدْ أقامَ الدعوى. ندبتِ المحكمةُ خبيرًا، وبعدَ أنْ أَودعَ تقريرَه، حكمتْ بعدمِ قبولِ الدعوى. استأنفَ الطاعنُ هذا الحكمَ برقم … لسنة ٧١ ق الإسكندريَّةِ، قضتِ المحكمةُ بإلغاءِ الحكمِ المستأنَفِ وإعادةِ الدعوى إلى محكمةِ أوَّلِ درجةٍ للفصلِ في موضوعِها التي عادتْ وقضتْ برفضها. استأنفَ الطاعنُ هذا الحكمَ بالاستئنافِ رقم … لسنة ٧٢ ق الإسكندريَّةِ، وبتاريخِ ١٨ /١/ ٢٠١٧ قضتْ بالتأييدِ. طعنَ الطاعنُ في هذا الحكمِ بطريقِ النقضِ، وأودعتِ النيابةُ مذكرةً أبدتْ فيها الرأيَ برفضِ الطعنِ، وإذ عُرِضَ الطَّعنُ على هذه المحكمةِ- في غرفةِ مشورةٍ- حددتْ جلسةً لنظرِهِ فيها التزمتِ النيابةُ رأيَها.

وَحَيْثُ إنَّ حاصلَ ما ينعاه الطاعنُ على الحكمِ المطعونِ فيهِ الخطأُ في تطبيقِ القانونِ والقصورُ في التسبيبِ والفسادُ في الاستدلالِ والإخلالُ بحقِ الدفاعِ؛ إذ أقامَ قضاءَه بتأييدِ حكمِ أوَّلِ درجةٍ برفضِ صحةِ ونفاذِ عقدِ البيعِ موضوعِ الدعوى على سندٍ مِنْ أنَّه لمْ يقمْ بسدادِ تكاليفِ المرافقِ العامةِ الرئيسيَّةِ، رغمَ أنَّه قامَ بتنفيذِ التزاماتِهِ الواردةِ بالعقدِ وسدادِه جميعَ الأقساطِ المُستحقةِ عليهِ شاملةً قيمةَ الأرضِ والبِنْيَةِ الأساسيَّةِ والمرافقِ، ممَّا يعيبُهُ، ويستوجِبُ نقضَه.

وَحَيْثُ إنَّ هذا النعيَ في محلِهِ؛ ذلك بأنَّ من المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أنَّ الدعوى بصحةِ ونفاذِ عقدِ البيعِ هي دعوى موضوعيَّةٌ تمتدُ سلطةُ المحكمةِ فيها إلى بحثِ موضوعِ العقدِ ونفاذِهِ في مواجهةِ البائعِ، وهي تستلزمُ أنْ يكونَ مِنْ شأنِ البيعِ موضوعِ التعاقدِ نقلُ الملكيَّةِ حتى إذا ما سُجِّلَ الحكمُ قامَ مقامَ العقدِ المُسَجَّلِ في نقلِ الملكيَّةِ، وهذا يقتضي أنْ يفصلَ القاضي في أمرِ صحةِ البيعِ، وأنْ يتحققَ من استيفائِهِ للشروطِ اللازمةِ لانعقادِه وصحتِهِ، وأنَّ قيامَ الخلافِ بينَ الطرفَيْنِ حولَ تنفيذِ أَيٍّ مِنْهُما لالتزاماتِهِ المترتبةِ على العقدِ يقتضي مِنَ المحكمةِ التحققُ مِنْ أنَّ هذا الخلافَ يتعلقُ بالتزامٍ يُؤثِّرُ على أركانِ البيعِ وشروطِهِ الأساسيَّةِ التي ما كانَ يتمُّ البيعُ بدونِها أمْ أنَّه لاحقٌ عليه ولا يُؤثِّرُ على صحةِ العقدِ ونفاذِهِ. وأنَّه وإنْ كانَ لمحكمةِ الموضوعِ سلطةُ تفسيرِ العقودِ والشروطِ للتعرفِ على مقصودِ العاقِدَيْنِ دونَ مُعقِبٍ، إلَّا أنَّ ذلكَ مشروطٌ بألَّا تخرجَ في تفسيرِها عمَّا تحتملُهُ عباراتُ تلكَ العقودِ أوْ تُجاوِزَ المعنى الظاهرَ لها. لمَّا كانَ ما تقدَّم، وكان البينُ أنَّ العقدَ مدارَ التداعي ــ والذي يحكمُ العلاقةَ فيما بينَ طرفَيْهِ ـــ أنَّ بُنودَه خَلَتْ مِنْ شرطٍ يُلْزِمُ المشتريَ-الطاعنَ- بسدادِ قيمةِ المرافقِ العامةِ، ولمْ يتضمنْ شرطًا بفسخِ العقدِ أوْ بطلانِهِ حالَ عدمِ سدادِ تلكَ القيمةِ.

وإنْ كانَ العقدُ في بندِهِ التمهيديِّ قدْ أَوْضحَ أنَّ هذا التعاقدَ تمَّ طبقًا لأحكامِ القانونِ ١٤٣ لسنة ١٩٨١ بشأنِ الأراضي الصحراويَّةِ ولائحتِهِ التنفيذيَّةِ الصادرةِ بقرارٍ مِنْ وزيرِ التعميرِ والدولةِ للإسكانِ واستصلاحِ الأراضي رقم ١٩٨ لسنة ١٩٨٢ والقانونِ ۷ لسنة ١٩٩١ بشأنِ الأحكامِ المتعلقةِ بأملاكِ الدولةِ الخاصةِ والقرارِ الوزاري رقم ٢٩٠٦ لسنة ١٩٩٥ في شأنِ القواعدِ والشروطِ المنظمةِ لإدارةِ واستغلالِ والتصرفِ في الأراضي المخصصةِ للهيئةِ العامةِ لمشروعاتِ التعميرِ والتنميَّةِ الزراعيَّةِ. وكانتِ المادةُ ١٨ من اللائحةِ التنفيذيَّةِ رقم ١٩٨ لسنة ١٩٨٢ المشارِ إليها قدْ نصتْ على أنَّه يلتزمُ المُتَصَرَفُ إليهم في الأراضي الخاضعةِ لأحكامِ القانونِ رقمِ ١٤٣ لسنة ١٩٨١ المشارِ إليهِ بأداءِ نسبةٍ مِنْ تكاليفِ المرافقِ العامةِ الرئيسيَّةِ اللازمةِ لإقامةِ مشروعاتِ استصلاحِ واستزراعِ الأراضي، ويتمُّ تحديدُ هذه النسبةِ وطريقةِ أدائِها طبقًا للسياسةِ العامةِ للدولةِ في هذا المجالِ، ويصدرُ بها قرارٌ مِنْ مَجلسِ الوزراءِ.، ومِنْ ثَمَّ فإنَّ الطاعنَ وهُوَ المتصرفُ إليهِ في أرضِ التداعِي الخاضعةِ للقانونِ ١٤٣ لسنة ١٩٨١ ولائحتِه التنفيذيَّةِ يُعَدُّ ملزمًا بأداءِ تلكَ القيمةِ التي تُحدَّدُ بقرارٍ مِنْ مجلسِ الوزراءِ.

وللدولة استيداءُ تلكَ القيمةِ عندَ تحديدِها لكلِّ مُتَصَرَفٍ إليهِ، إلَّا أنَّ ذلكَ الاستحقاقَ في أداءِ قيمةِ المرافقِ لا يُؤثِّرُ على صحةِ العقدِ ونفاذِه؛ إذْ إنَّ بُنُودَه لمْ تتضمنِ الإلزامَ بتلكَ القيمةِ، فلا يُعَدُّ عدمُ السدادِ تقاعسًا عَنْ تنفيذِ أحدِ التزاماتِ المشتري- الطاعنِ– الذي أوفى بالتزاماتِهِ الرئيسيَّةِ، وهو سدادُ الثمنِ المتفقِ عليهِ بالعقدِ، ولمْ يتضمنِ العقدُ أنَّ قيمةَ المرافقِ تُعَدُّ جزءًا مِنَ الثمنِ المتفقِ عليهِ. وكانتِ اللائحةُ المُحالُ إليها، وإنْ أَلْزَمَتِ المُتَصَرَفَ إليهِم في الأراضي الخاضعةِ لأحكامِ القانونِ رقمِ ١٤٣ لسنة ١٩٨١ بأداءِ قيمة المرافق العامة الرئيسيَّةِ اللازمةِ لإقامةِ مشروعاتِ استصلاحِ واستزراعِ الأراضي، إلَّا أنَّها لمْ تُرَتِّبِ البُطلانَ أو عدمَ نفاذِ العقدِ على عدمِ سدادِ تلك القيمةِ، ويبقى للدولةِ حقُ استيداءِ تلكَ المبالغِ- عندَ تحديدِها- مِنَ المُتَصَرَفِ إليهِ بموجبِ الصلاحياتِ المُخَوَّلةِ لها قانونًا. ومِنْ ثَمَّ فإنَّ الحكمَ المطعونَ فيهِ وقدْ خالفَ هذا النظرَ ورفضَ صحةَ ونفاذَ العقدِ على سندٍ مِنْ عدمِ سدادِ تلكَ المبالغِ– رغمَ أنَّ الثابتَ مِنْ تقريرِ الخبيرِ أنَّ النسبةَ المكلفَ بأدائِها الطاعنُ لمْ تُحَدَّدْ بعدُ- فإنَّه يكونُ أخطأَ في تطبيقِ القانونِ، بما يُوجِبُ نقضَه.

الحكم
وَحَيْثُ إنَّ الموضوعَ صالحٌ للفصلِ فيهِ- ولِمَا تقدَّمَ – وكانَ العقدُ قد استوفى أركانَهُ، وكانَ عدمُ سدادِ قيمةِ المرافقِ لا يُؤثِّرُ على صحةِ العقدِ أو نفاذِه، ومِنْ ثَمَّ تقضي المحكمةُ بإلغاءِ الحكمِ المستأنفِ والقضاءِ بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ ١ /٤/ ٢٠٠٩ .

زر الذهاب إلى الأعلى