من أحكام «النقض» بشأن الاعتراف في المسائل الجنائية
قالت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 4184 لسنة 73 القضائية، أن الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصرًا من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف أو المتهم الآخر، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به، دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على واقعة الدعوى بكافة تفاصيلها، بل يكفى فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة.
وأضافت: “كان لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه”.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 -… 2 -… (طاعنين) 3 -… 4 -… في قضية الجناية رقم….. قسم… بوصف أنهم… أولاً: المتهم الأول: 1 – بصفته موظفًا عموميًا “….” طلب لنفسه وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب وأخذ بواسطة المتهمين الثالث والرابع من… مبلغ… على سبيل الرشوة مقابل الموافقة على ظهوره بالبرنامج التليفزيونى “…..” يوم….. 2 – بصفته سالفة البيان طلب لنفسه وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب وأخذ بواسطة المتهمين الثالث والرابع من المتهم الثاني… مبلغ… على سبيل الرشوة مقابل الموافقة على ظهوره بالبرنامج التليفزيونى “…” يوم…
ثانيًا: المتهم الثاني: قدم عطية لموظف عام لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن قدم مبلغ… على سبيل الرشوة للمتهم الأول بصفته “…” بواسطة المتهمين الثالث والرابع مقابل ظهوره بالبرنامج التليفزيونى “…” يوم… ثالثًا: المتهمين الثالث والرابع: توسطا في جريمتى الرشوة المبينتين بالوصفين السابقين على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهم إلى محكمة جنايات… لمعاقبتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا عملاً بالمواد 103 مكررًا، 107، 110 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون أولاً: بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه… جنيه عما أسند إليه في التهمة الأولى وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه… جنيه وإلزامه برد مبلغ… جنيه عما أسند إليه في التهمة الثانية وبعزله من وظيفته. ثانيًا: بمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه… جنيه عما أسند إليه. ثالثًا: ببراءة كل من المتهمين الثالث والرابع مما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليهما الأول والثانى في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.
المحكمة
أولاً: – بالنسبة للطعن المقدم من الطاعن الأول: –
من حيث إن محصل الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتى رشوة، قد شابه البطلان والقصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون وفى الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم لم يستظهر عناصر وأركان كل من الجريمتين اللتين دانه بهما ولم يدلل على توافرهما في حقه، وشاب أسبابه الغموض، وأغفل الإشارة إلى نص القانون الذي حكم على الطاعن بموجبه، واطرحت المحكمة دفعى الطاعن بعدم جدية التحريات وببطلان إذن النيابة العامة الصادر بتفتيش شخصه ومكتبه لصدوره عن جريمة مستقبلة بما لا يصلح لطرحهما، وعول الحكم في قضائه بالإدانة على الاعتراف المنسوب إلى المتهم الثالث ولم يعن بالرد على الدفع ببطلان ذلك الاعتراف لصدوره وليد إكراه معنوى تمثل في وعد ووعيد من رجال الرقابة الإدارية ولعدم مطابقته للحقيقة.
كما استند الحكم إلى اعتراف مبهم مبتور صدر من المتهمين الثالث والرابع أمام المحكمة لم تناقشهما فيه أو تسألهما تفصيلا فيما تضمنه ثم أن اعتراف المتهم الثالث خلا مما يفيد سبق اتفاقه مع الطاعن على طلب الرشوة من الشاهد الأول أو من الطاعن الثاني، وأسقط الحكم لدى تحصيله اعتراف المتهم الرابع ما تضمنه من نفى صلته بالطاعن والوساطة بين الأخير والشاهد الأول في طلب الرشوة.
ونسب الحكم للمتهم الثالث – على غير أصل من الأوراق – أنه قرر بأن موافقة الطاعن على ظهور الشاهد الأول في برنامج…. تمت بعد أن قبض هو – المتهم الثالث – من المتهم الرابع مبلغ ألف جنيه عربونًا، ودفع الطاعن ببطلان تسجيل المحادثات التليفونية التي جرت بينه والمتهم الثالث قبل الضبط وببطلان التصنت على الأحاديث التي دارت بينهما يوم… بمكتبه وببطلان تصوير واقعة الضبط بذلك المكتب لعدم تسبيب الأوامر الصادرة بشأن هذه الإجراءات وهو ما ينسحب أثره إلى بطلان شهادة من أجروا تلك الإجراءات فيما أثبتوه في محاضرهم فرد الحكم على هذا الدفع بما لا يسوغ اطراحه وبما يخالف أحكام المادتين 95، 206 من قانون الإجراءات الجنائية.
كما دفع الطاعن ببطلان إذن النيابة العامة الصادر بندب المساعدات الفنية بالرقابة الإدارية لتسجيل وتصوير لقائه بمكتبه مع المتهم الثالث لصدوره خاليًا من تحديد اسم مأمور الضبط القضائى المندوب ووظيفته ولأن رئيس النيابة أمر بالندب للتأمين وليس للتسجيل فرد الحكم عليه بما لا يصلح لطرحه، ولم يحفل الحكم بما أبداه الطاعن من دفاع جوهرى بشأن عدم ضم شريط الفيديو الذي سجلت عليه أحداث اللقاء بمكتبه بينه وبين المتهم الثالث لملف الدعوى رغم أن مؤداه أن الطاعن لم يأخذ مبلغ الرشوة من المتهم الثالث، ولم يواجه دفاعه في هذا الشأن بما يتفق وحقيقته واطرحه برد قاصر يخالف الثابت بالأوراق.
وقد تمسك الطاعن بحصول عبث في الأشرطة المسجل عليها المكالمات والحوارات التي دارت بينه وبين المتهم الثالث وذلك لوجود اختلافات كثيرة بين ما أثبته المحققون بمحاضرهم بشأن تصنتهم على هذه المكالمات والحوارات وبين تقرير خبير الأصوات الخاص بتفريغ تلك الأشرطة فردت المحكمة على دفاعه بما لا يسوغ، وأغفل الحكم الرد على ما تمسك به الطاعن من انتفاء القصد الجنائى لديه بالنسبة للتهمة الأولى، وأورد في معرض رده على دفاع الطاعن أن لحظة تسليمه مبلغ الرشوة يستحيل تصويرها لتعذر تزويد المكتب بالأجهزة اللازمة لوجود عدد كبير من الموظفين به وهو رد لا يتفق مع التطور العلمى والفنى لأن التسجيل الصوتى بات لا يختلف في هذا الصدد عن التصوير.
وما ذهب إليه الحكم من ثبوت أخذ الطاعن لمبلغ الرشوة استنادًا إلى تقرير تفريغ شريط التسجيل يتناقض مع ما أثبته رئيس النيابة بمحضر الضبط المؤرخ… بخصوص مكان وقوف الطاعن في مكتبه ومشاهدة رئيس النيابة له وهو ممسك بالمظروف الذي بداخله مبلغ الرشوة وإلقائه له أرضًا وطلب الأخير من الأول التقاطه وإصراره على الرفض وإنكار صلته به سيما وأن الحكم عول في قضائه على التقرير الفنى وانتهى إلى أنه يطرح ما يتعارض مع ذلك التقرير.
هذا إلى أن المحكمة عولت على ما ورد بقائمة شهود الإثبات عن أقوال هؤلاء الشهود مع أن أقوالهم جاءت متناقضة في محضر الضبط وتحقيقات النيابة العامة، فضلاً عن أن الحكم قد أوقع بالطاعن عقوبتى العزل والرد على خلاف ما أوجبته مواد القانون التي حكم بموجبها، ويضيف الطاعن أن الحكم عاقبه بموجب المادة 103 من قانون العقوبات حال أن المادة 105 منه كانت الأولى بالتطبيق ورد على دفاعه الجوهرى في هذا الخصوص بما لا يسوغ اطراحه، وأخيرًا فإن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ أوقع على الطاعن عقوبة مستقلة لكل من التهمتين المسندتين إليه ولم يعمل في حقه المادة 32 من ذات القانون رغم توافر شروط انطباقها، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها تمحيصًا كافيًا وألمت بها إلمامًا شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغى عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة.
ولما كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وكان مجموع ما أورده الحكم كافيًا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة فإن ذلك يكون محققًا لحكم القانون، وبه يبرأ الحكم مما رماه به الطاعن من القصور والغموض.
لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، وإن أوجبت على الحكم أن يبين نص القانون الذي حكم بمقتضاه، إلا أن القانون لم يرسم شكلاً يصوغ فيه هذا البيان.
ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، قد أشار إلى نصوص القانون التي أخذ الطاعن بها بقوله: “الأمر المؤثم بالمواد 103و107 مكررًا و110 من قانون العقوبات ومن ثم يتعين معاقبة المتهمين طبقًا لتلك المواد وعملاً بنص المادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية” فإن ما أورده الحكم يكفى في بيان مواد القانون التي حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون.
لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتسجيل والضبط والتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت هذه المحكمة – على ما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه – قد اقتنعت بجدية التحريات التي بنى عليها أمر التسجيل وإذن الضبط والتفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وكان الحكم قد أقام قضاءه برفض الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التي بنى عليها على ما يحمله، ولما كان الإذن قد صدر كما أوردت مدونات الحكم بعد الإبلاغ عن طلب الطاعن الرشوة والتحقق من صحة البلاغ بما أجراه مأمور الضبط القضائى من تحريات، فإن اطراح الحكم دفع الطاعن ببطلان الإذن لصدوره عن جريمة مستقبلة استنادًا إلى صدوره لضبط جريمة وقعت وتوافرت الدلائل والأمارات الكافية على نسبتها إلى الطاعن يكون قد اقترن بالصواب، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن على غير أساس.
لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان اعتراف المتهم الثالث لصدوره نتيجة إكراه معنوى تمثل في وعد ووعيد من رجال الرقابة الإدارية ولعدم مطابقته للحقيقة، وكل ما قاله الدفاع عنه في هذا الصدد هو أن النيابة العامة أقرت في مرافعتها بأن اعتراف المتهم الثالث غير صحيح وأن الدفاع ينضم إليها في هذا الموضوع دون أن يبين وجه ما ينعاه على هذا الاعتراف مما يشكك في سلامته ولا يمكن القول بأن هذه العبارة المرسلة التي ساقها تشكل دفعًا ببطلان الاعتراف أو تشير إلى الإكراه المبطل له وكل ما يمكن أن تنصرف إليه هو التشكيك في الدليل المستمد من الاعتراف توصلاً إلى عدم تعويل المحكمة عليه.
ولما كان الحكم قد أورد مؤدى هذا الاعتراف الذي عول عليه في الإدانة – ضمن ما عول عليه – واطمأن إلى سلامته وكان لا يقبل من الطاعن أن يثير أمام محكمة النقض لأول مرة بطلان الاعتراف، فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية لا يخرج عن كونه عنصرًا من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، ولها أن تأخذ باعتراف المتهم على نفسه وعلى غيره من المتهمين في أى دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه من بعد. ولما كان من المقرر أيضًا أن للمحكمة أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر أخرى في الدعوى ولها أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث لصورته الصحيحة من جماع الأدلة ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج.
لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في طعنه من أن الحكم قضى بإدانته استنادًا إلى اعتراف المتهمين الثالث والرابع أمام المحكمة، لا يعدو ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد أن يكون أمرًا يتصل بتقدير محكمة الموضوع لأدلة الدعوى ومحاولة مصادرتها في عقيدتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، وإذ كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من المحكمة مناقشة المتهمين الثالث والرابع حين سماع اعترافهما أمام المحكمة ومن ثم فليس له من بعد النعى على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها يستوى في ذلك الأدلة المباشرة أو غيرها من طرق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية مادام ذلك سائغًا، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى وجود اتفاق سابق بين الطاعن والمتهمين الثالث والرابع على طلب رشوة من المبلغ – الشاهد الأول – وطلب وأخذ رشوة من الطاعن الثاني فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعى لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان البين مما حصله الحكم المطعون فيه من اعتراف المتهم الرابع أنه خلا من وجود صلة بينه وبين الطاعن أو أن الأخير قد كلفه بالوساطة في تقاضى الرشوة – خلافًا لما يزعمه الطاعن في أسباب طعنه -، ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا يكون لها وجه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد اعتنق مما أدلى به المتهم الثالث بالتحقيقات اعترافه بأنه عرض اسم الشاهد الأول على الطاعن لاستضافته في برنامج….. فوافق على ذلك بعد أن أعطاه المتهم الرابع مبلغ… جنيه عربونًا من الرشوة على أن يعطيه باقى المبلغ يوم التسجيل.
وأنه قد تحدد يوم… لإجراء اللقاء التليفزيونى معه، وفى صباح ذلك اليوم توجه إلى الاستديو حيث تقابل مع الشاهد الأول عقب التصوير وسأله عن المتهم الرابع فأفهمه أنه قد حصل منه على مفتاح سيارته ثم انصرف، فمكث في انتظار المتهم الرابع كى يسلمه مبلغ الرشوة لتسليمه للطاعن كالمتبع بينهما إلى أن اتصل به هاتفيًا وأفهمه أن مبلغ الرشوة بحوزته وطلب لقاءه لتسليمه إياه فالتقيا بناء على اتفاقهما هذا بالطريق أمام نادى… بمدينة…. وأعطاه مبلغ الرشوة حيث تم ضبطه وكذلك المبلغ وأضاف أنه بناءً على الموعد الذي تحدد فيما بينه والطاعن يوم… خلال اتصال هاتفى تم بينهما فقد تم تسليمه مبلغ الرشوة وتجهيزه فنيًا بالوسائل الفنية لتسجيل ذلك اللقاء وفيه التقى بالطاعن بمكتبه وقدم له مبلغ الرشوة وحال ذلك تم ضبط الأخير وكذلك مبلغ الرشوة وأنه أثناء تحقيق النيابة العامة معه قدم مبلغ….. جنيه عربون الرشوة للمحقق وأخبره بتلك الواقعة.
وإذ كان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية لا يخرج عن كونه عنصرًا من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف، وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، وأنها ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى – الحقيقة كما كشفت عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية مادام ذلك سليمًا متفقًا مع العقل والمنطق.
ومن ثم لا يقبل من الطاعن الاكتفاء بمناقشة الدليل المستمد من اعتراف المتهم الثالث على حدة دون باقى الأدلة إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتبه الحكم عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضى واطمئنانه إلى ما انتهى إليه – وهو ما لم تخطئ المحكمة في تقديره .
ومن ثم فلا يقبل مجادلة المحكمة في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها، وتكون منازعة الطاعن في هذا الخصوص في غير محلها.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان تسجيل المحادثات التليفونية التي جرت بينه والمتهم الثالث قبل الضبط وببطلان التصنت على الأحاديث التي دارت بينهما يوم…. بمكتبه وببطلان تصوير واقعة الضبط بذلك المكتب لعدم تسبيب الأوامر الصادرة بشأن هذه الإجراءات وهو ما ينسحب أثره إلى بطلان شهادة من أجروا تلك الإجراءات فيما أثبتوه في محاضرهم ورد عليه بما يفيد اطراحه بقوله:” فإن الثابت بالتحقيقات أن كافة الأوامر التي صدرت بشأن تسجيل الأحاديث التي دارت بين المتهم الأول والمتهم الثالث قد أصدرتها النيابة العامة من تلقاء نفسها على ضوء ما كشفت عنه تحقيقاتها التي أجرتها مع المتهم الثالث ومن قبله المتهم الرابع أوجب اتخاذ هذا الإجراء، والثابت أنه قد سبق صدور كل أمر من أوامر النيابة العامة بإجراء تسجيل للحوار بين المتهمين الأول والثالث وكذلك الأمر الصادر بتصوير واقعة الضبط تحقيق مطول اعترف خلاله المتهم الرابع ومن بعده المتهم الثالث بوقوع جريمتى الرشوة وأن المتهم الأول هو المرتشى فيهما وأنهما كانا وسيطين للمتهم الأول.
وبناءً على ما تكشف للنيابة العامة من خلال التحقيقات أصدرت أوامرها بالتسجيل ومن ثم فإن ما سبق صدور تلك الأوامر من تحقيقات تعد أسبابًا لإصدارها والمحكمة ترى أن ما تم من تحقيقات سابقة على صدور تلك الأوامر كافية ومسوغة لإصدارها والمحكمة تقر النيابة العامة في إجرائها ومن ثم يكون ما أسفرت عنه تلك الإجراءات من أدلة قد جاءت صحيحة معتبرة قانونًا والمحكمة تأخذ بها. ومن ثم يكون منحى الدفاع في هذا الخصوص على غير أساس من الصحة متعين الرفض”. لما كان ذلك، وكان القانون في المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية وإن استلزم في الأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص أن يكون مسببًا، إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصًا للتسبيب، وإذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة حين أصدرت أوامرها بالتسجيل إنما أصدرتها بناء على ما تكشف لها من التحقيقات التي أجرتها من دلائل على جدية اتهام الطاعن وباقى المتهمين بطلب الرشوة وهو ما يصلح ويكفى سببًا لإصدار كل من تلك الأوامر.
فإن حسب النيابة العامة ذلك تسبيبًا لما أمرت به ويكون الحكم المطعون فيه على صواب فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان الأوامر لهذا السبب، أما ما ينعاه الطاعن من مخالفة أحكام المادتين95و 206 من قانون الإجراءات الجنائية فمردود بأنه لما كانت المادة السابعة من القانون رقم 105 لسنة 1980 الخاص بإنشاء محاكم أمن الدولة قد نصت في فقرتها الثانية على أن يكون للنيابة العامة بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة سلطات قاضى التحقيق في تحقيق الجنايات التي تختص بها محكمة أمن الدولة العليا، وكانت المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية قد أناطت بقاضى التحقيق أن يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية وكانت أوامر التسجيل في الدعوى الماثلة قد صدرت أثناء تحقيق النيابة العامة في جرائم مما يدخل في اختصاص محاكم أمن الدولة بموجب المادة السابعة من القانون رقم 105 لسنة 1980 آنف الذكر فإن الدفع ببطلان تلك الأوامر لصدورها من النيابة العامة يكون ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هى أعرضت عنه دون رد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إجراء التسجيلات للتجهيل بمن ندب لإجرائها واطرحه بقوله:” فإن الثابت من التحقيقات أن السيد رئيس النيابة المحقق وعقب ضبط المتهم الثالث واعترافه بأنه وسيط للمتهم الأول في جريمة الرشوة وما قرره من أن مبلغ الرشوة المضبوط خاص بالمتهم الأول كرشوة وطلبه تمكينه من الاتصال هاتفيًا به للتدليل على صحة اعترافه وضبط المتهم سالف البيان عقب تسلمه مبلغ الرشوة منه ذلك أنه في الانتظار لاستلامه وأن السيد رئيس النيابة قد أصدر أوامره بالتسجيل للحوارات التي تدور بين المتهم الأول والمتهم الثالث وكذا تسجيل عملية الضبط بمكتب المتهم الأول مرئيًا – فيديو – وقام بتنفيذ الإجراءات بنفسه باعتبار أن النيابة العامة هى السلطة الأصيلة المختصة.
ولما كان ذلك فلعضو النيابة القائم بالتنفيذ أن يتخذ ما يراه كفيلاً بتحقيق الغرض من الأمر دون الالتزام في ذلك طريقة معينة طالما لا يخرج في إجرائه على القانون، ومن ثم فيكون له الاستعانة بالمختصين فنيًا بهيئة الرقابة الإدارية للقيام بما يلزم فنيًا لإتمام عملية التسجيل ولو كانوا من غير مأمورى الضبطية القضائية ماداموا تحت إشرافه تنفيذًا للغرض منه كما أنه لا يشترط في أمر الندب أن يصدر لشخص معين فيمكن أن يصدر لأى من مأمورى الضبط القضائى المختصين ولمن يعاونهم من المختصين فنيًا وفى هذه الحالة يكون لأى منهم تنفيذ أمر الندب طالما أن العمل المندوب لتنفيذه داخل في اختصاصه.
ومن ثم فإن الأمر الصادر من رئيس النيابة المحقق بالاستعانة بالمساعدات الفنية بهيئة الرقابة الإدارية لإجراء التسجيلات الصوتية والمرئية للقاء الذي تم بين المتهم الأول والمتهم الثالث وذلك يوم… بمبنى…. فيمكن لأى من الفنيين المختصين بالهيئة المذكور القيام بالعمل نفاذًا لأمر الندب، وينسحب ذلك على كافة الإذون والأوامر التي أصدرتها واتخذتها النيابة العامة. ومن ثم يكون الدفع المثار في هذا الخصوص غير قائم على سند من الواقع أو القانون جديرًا بالرفض”.
ولما كان مؤدى ما أورده الحكم فيما تقدم أن رئيس النيابة المحقق أشرف بنفسه على إجراءات التسجيل فإنه لا ينال من سلامة إجراءاته أن يكون من قام بالتسجيل – تحت إشرافه – منتدبًا لذلك أو غير منتدب له ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد ولا محل له. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد حصل دفاع الطاعن القائم على عدم ضم شريط الفيديو الذي سجلت عليه أحداث اللقاء بمكتبه بينه وبين المتهم الثالث لملف الدعوى، ورد عليه بما يكفى لدحضه، وكانت المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحى دفاعه الموضوعية وفى كل شبهة يثيرها والرد على ذلك، مادام الرد مستفادًا ضمنًا من الحكم بالإدانة استنادا إلى أدلة الإثبات التي أوردها الحكم فإن هذا الوجه من النعى يكون على غير أساس.
وأما ما ينعاه الطاعن من حصول عبث بالأشرطة المسجل عليها المكالمات والحوارات التي دارت بينه وبين المتهم الثالث فهو مردود بأن تقدير الدليل موكول إلى محكمة الموضوع، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه، فلا معقب عليها في ذلك، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه، فإن ما يثيره الطاعن بصدد الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية التي جرت بينه وبين المتهم الثالث يتمحض جدلاً موضوعيًا في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائى في جريمة الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشى عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته، وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها، ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن الطاعن أخذ من الطاعن الثاني وطلب من المبلغ النقود بواسطة المتهمين الثالث والرابع تنفيذًا لاتفاق سابق بينهم ليقوم الأول بالموافقة على استضافة وظهور المبلغ والطاعن الثاني في التليفزيون – في برنامج….. – وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائى في حقه وأنه طلب وأخذ النقود لقاء موافقته على استضافة سالفى الذكر في البرنامج.
ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من أن المحكمة لم تتعرض لدفاعه بانتفاء القصد الجنائى لديه لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استند في إثبات التهمتين في حق الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهمين الثالث والرابع وتقريرى خبير الأصوات وأجندة العمل اليومية الخاصة ببرنامج….، ولم يعول في ذلك على ما تضمنه تقرير هيئة الرقابة الإدارية، ولما كان نعى الطاعن بنفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا طالما كان الرد مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
فإن النعى على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. وأما ما ينعاه الطاعن بشأن إمكانية تصوير لحظة تسلم الطاعن للمبلغ في ظل ظروف التطور العلمى والفنى فمردود بدوره بأنه من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحى دفاعه الموضوعى في كل جزئية يثيرها وأنه يكفى لسلامة الحكم أن يثبت أركان الجريمة ويبين الأدلة على وقوعها من المتهم. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يبطل الحكم هو الذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادمًا متساقطًا لا شيء فيه باقيًا يمكن أن يعتبر قوامًا لنتيجة سليمة يصح معه الاعتماد عليها والأخذ بها.
وإذ كانت المحكمة قد كونت عقيدتها في شأن أخذ الطاعن لمبلغ الرشوة من جماع أدلة الدعوى وعناصرها وهى في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقيقة من كل ما يقدم لها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى وكان ما خلصت إليه المحكمة من اقتراف الطاعن للرشوة لا يتنافر مع مؤدى التقرير الفنى – تفريغ شريط التسجيل الصوتى – إذ ليس فيه ما ينفى أو ينال من صحة ما استخلصته من معتقد في هذا الشأن فإن دعوى التناقض تكون غير مقبولة. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدى إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، مادام استخلاصها مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
ولا يشترط في الدليل أن يكون صريحًا دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أى دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهى متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقض كل من الشهود أو تضاربهم في أقوالهم، أو تناقض رواياتهم في بعض تفصيلاتها – بفرض حصوله – لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته مادام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه، ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن إليه في تكوين عقيدته، كما هو الحال في الدعوى المطروحة.
كما أن لمحكمة الموضوع سلطة تقدير الأدلة والأخذ بما ترتاح إليه منها، والتعويل في قضائها على قول للشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى، ولو خالف قولاً آخر له أو لشاهد آخر، دون بيان العلة، إذ مرجع الأمر في ذلك كله إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون ما تعرض عنه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير الدليل وفى سلطة المحكمة في استنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا صحة لما يقول به الطاعن من أن عقوبة العزل التي أوقعها الحكم خلت منها مواد القانون التي طبقها لأن عقوبة العزل في خصوص هذه الدعوى هى عقوبة تبعية وجوبية للحكم عليه بعقوبة جناية طبقًا للمادة 25 من قانون العقوبات.
أما ما يثيره الطاعن بشأن إلزام الحكم له برد مبلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه عن التهمة الثانية فهو نعى صحيح، ذلك بأن المادة 103 من قانون العقوبات لم تقرر مجازاة الجاني في جناية الرشوة بالرد تكملة للعقوبة الأصلية المقررة لها، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعن برد المبلغ المار بيانه عن تهمة أخذه رشوة من الطاعن الثاني قد أخطأ في تطبيق القانون، وهو ما يتعين معه تصحيحه بإلغاء هذا الرد فحسب.
لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما تمسك به الدفاع عن الطاعن من أن واقعتى الرشوة المسند للطاعن اقترافهما – إن صحتا – هما في حقيقة الأمر وفقًا للتكييف القانونى الصحيح مكافأة لاحقة ورد عليه بقوله: “فإن الثابت من التحقيقات واعتراف كل من المتهمين الثالث والرابع على النحو السالف بيانه أنهما وسيطان في طلب الرشوة للمتهم الأول الذي اعتاد على تقاضى مبالغ على سبيل الرشوة من ضيوف البرنامج المذكور عن طريقهما بمناولة المتهم الثالث حتى أصبحت تلك وسيلتهما المتكررة التي تسير على وتيرة واحدة اتفقا عليها ابتداء وأخذت وتيرتها من بعد فلا يوافق المتهم الأول على ظهور الضيف المقصود بالبرنامج التليفزيونى إلا إذا تأكد أن المتهم الثالث قد طلب منه الرشوة – حسب النهج المعتاد بينهما – وعقب اللقاء التليفزيونى ينتظره لأخذ مبلغ الرشوة.
ولما كانت التحقيقات على هذا النحو قد أفصحت عن وقوع جريمة تامة تحققت عناصرها القانونية كاملة بالفعل في حق المتهم الأول بطلبه هذا المبلغ الرشوة – بواسطة المتهم الثالث – فمن ثم تتوافر في حقه جريمة طلب وأخذ عطية على سبيل الرشوة وليس مكافأة لاحقة ومن ثم يكون هذا النعى غير قائم على سند من القانون وتطرحه المحكمة”.
لما كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الفرق بين نص المادة 103 من قانون العقوبات ونص المادة 105 منه أنه إذا وجد اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل انطبقت المادة 103 من قانون العقوبات يستوى في ذلك أن يكون العطاء سابقًا أو معاصرًا لأداء العمل أو لاحقًا عليه مادام أداء العمل كان تنفيذًا لاتفاق سابق إذ أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية، أما إذا كان أداء العمل – أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة – غير مسبوق باتفاق بين الراشى والمرتشى فإن العطاء اللاحق في هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 من القانون المذكور.
ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت واقعة الدعوى فيما سلف بيانه بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة 103 آنفة الذكر التي دان الطاعن بها فإن الحكم يكون صحيحًا في القانون وخاليًا من القصور في التسبيب ورد على دفاع الطاعن في هذا الشأن ويكون النعى عليه بأن المادة 105 من قانون العقوبات كانت الأولى بالتطبيق بعيدًا عن محجة الصواب. لما كان ذلك، وكان مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة المشار إليها.
ولما كان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، وكانت الوقائع كما أثبتها الحكم المطعون فيه تشير إلى أن واقعتى الرشوة اللتين قارفهما الطاعن قد وقعتا مع شخصين مختلفين وفى تاريخين ومكانين وظروف مختلفة وهو ما يفيد بذاته أن ما وقع منه في كل جريمة لم يكن وليد نشاط إجرامى واحد، وذلك لا يتحقق به الارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين جريمة الرشوة الأولى وجريمة الرشوة الثانية ومن ثم فإن إنزال الحكم عقوبة عن كل من الجريمتين يكون صحيحًا في القانون، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد.
لما كان ما تقدم، وكانت العقوبة الأصلية تستمد وصفها من أنها تكون العقاب الأصلى أو الأساسى المباشر للجريمة والتى توقع منفردة بغير أن يكون القضاء بها معلقًا على الحكم بعقوبة أخرى. وقد تكلم الشارع عن العقوبات الأصلية في القسم الأول من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون العقوبات بعد أن حدد أنواع الجرائم في الباب الثاني من الكتاب المذكور ويبين من مراجعة هذه النصوص أن الشارع أورد في المادة العاشرة العقوبات الأصلية للجنايات وقصرها على الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة والسجن أما الغرامة إذا قضى بها في الجنايات بالإضافة إلى عقوبة أخرى فعندئذ تكون العقوبة الأخيرة هى الأصلية وتعتبر الغرامة مكملة لها، لما كان ذلك، فإن عقوبة الغرامة التي نصت عليها المادة 103 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهى من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حدًا أدنى لا يقل عن ألف جنيه.
ولما كانت المادة 44 المذكورة قد نصت على أنه: “إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل متهم على انفراده، خلافًا للغرامات النسبية فإنهم يكونون متضامنين في الإلزام بها ما لم ينص الحكم على خلاف ذلك”.
وكان إعمال هذا النص يوجب الحكم على المتهمين معًا بهذه الغرامة متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعا بأكثر من مقدارها المحدود في الحكم سواء في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدر متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أنزل عقوبة الغرامة النسبية على كل من الطاعنين عن التهمة الثانية فإنه يكون معيبًا بالخطأ في تطبيق القانون، وإذ كانت الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 تجيز لمحكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها، إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه بنى على خطأ في تطبيق القانون، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه في خصوص ما قضى به من تغريم كل من الطاعنين مبلغ ثلاثة آلاف جنيه عن التهمة الثانية وتصحيحه بجعل هذه الغرامة واحدة وذلك بالنسبة للطاعن وللطاعن الثاني لأن الوجه الذي بنى عليه النقض يتصل كذلك به وذلك تطبيقًا للمادة 42 من القانون المذكور ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
ثانيًا: – بالنسبة للطعن المقدم من الطاعن الثاني:-
من حيث إن محصل الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة رشوة موظف عام للإخلال بواجبات وظيفته قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم عول في إدانته على أقوال المتهمين الثالث والرابع التي أدليا بها دون يمين وابتغيا بها الإفلات من عقوبة الرشوة فنالا ما يجاوز بغيتهما إذ قضت المحكمة لهما – خطأ – بالبراءة، وهون الحكم من التناقض بين أقوالهما في حين أن المتهم الرابع نفى تمامًا أنه تسلم مبلغًا من الرشوة من الطاعن على خلاف ما زعمه المتهم الثالث وهو تناقض يمس جوهر أقوالهما ولم يفطن الحكم إلى أنه كان بوسع الطاعن أن يعترف على نفسه – صادقًا أو كاذبًا – فينجوا من عقوبة ما أسند إليه، كما أن الحكم عول على ما ورد بأجندة برنامج…. دون أن يشير إلى طبيعة هذا السجل وبياناته ومحرره، وما كان يصح التعويل عليه وإلا لكان لازم ذلك توجيه الاتهام لجميع من وردت أسماؤهم به.
وأخيرًا فقد رد الحكم بما لا يصلح على ما أشار إليه الدفاع عن الطاعن من أن الواقعة المسندة إليه – لو صحت – لا تعتبر جناية رشوة بل هى جريمة تقديم مكافأة لاحقة معاقب عليها بالمادة 105 من قانون العقوبات، وذلك كله يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة رشوة موظف عام للإخلال بواجبات وظيفته التي دان الطاعن بها، وساق على صحة إسنادها إليه وثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، وأورد الحكم مؤدى كل منها في بيان واف مما يشير إلى أن المحكمة قد أحاطت بواقعة الدعوى وقضت فيها عن بصر وبصيرة. لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة .
كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كان ذلك محققًا لحكم القانون، ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة القصور في هذا المنحى. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن أورد واقعة الدعوى وحصل أقوال شهودها بما يتلاءم وتصويرها أردف ذلك بتحصيل اعتراف المتهمين الثالث والرابع بتحقيقات النيابة العامة في قوله: “وقد اعترف المتهم الرابع…. بتحقيقات النيابة العامة بأنه من المعلوم لديه والسائد بين أوساط العاملين في التليفزيون اعتياد المتهم الأول تقاضى مبالغ مالية على سبيل الرشوة ممن يرغب في الظهور ببرنامج… والبرامج الإخبارية الأخرى وقد كلفه المتهم الثالث بالتوجه لمقابلة الشاهد الأول وأن يعرض عليه استضافته في ذلك البرنامج نظير أن يدفع مبلغًا ماليًا قدره… جنيه على سبيل الرشوة يؤدى للمتهم الأول…..، وأضاف أنه توجه إلى الشاهد الأول بمقر عمله بمستشفى…
وعرض عليه الظهور بالبرنامج سالف البيان مقابل مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل الرشوة يؤدى للمتهم الأول وبعض العاملين الآخرين بالبرنامج. وأضاف أنه أبلغ المتهم الثالث بمضمون هذا اللقاء وموافقة الشاهد الأول على دفع مبلغ الرشوة فطلب منه المتهم الثالث متابعة الشاهد الأول وتأكيد الاتفاق معه، وبناءً على ذلك التقى بالشاهد الأول عدة مرات بمكتبه ودارت بينهما محادثات هاتفية تضمنت الاتفاق على مبلغ الرشوة وتحديد نطاق الأسئلة والحوار الذي سيجرى معه حال تسجيل الحلقة والذى اتفق على تحديد موعدها صباح السبت الموافق…. وأضاف أنه في هذا التاريخ التقى والشاهد الأول أمام مبنى…..
حيث قام الأخير بوضع مبلغ الرشوة المتفق عليه بمظروف أبيض داخل سيارته وسلمه مفاتيح السيارة وتوجه بصحبته إلى الاستديو لتسجيل الحلقة وحال استقرار الشاهد الأول بالاستديو اتصل هاتفيًا بالمتهم الثالث وأخبره بحضور الشاهد الأول وقد استفسر منه المتهم الثالث عما إذا كان قد أخذ منه المبلغ المتفق عليه وعندما أجابه بالإيجاب قرر له أنه سيحضر إلى الشاهد المذكور بالاستديو بعد خمس عشرة دقيقة.
وأضاف أنه عقب ذلك توجه إلى السيارة حيث أخذ منها مبلغ الرشوة المتفق عليه وتم ضبطه حال ذلك وأضاف بالتحقيقات أنه منذ عام سابق على ضبطه تعرف على المتهم الثاني….. بمبنى….. وعرفه على المتهم الثالث وأضاف أنه شاهد المتهم الثاني على شاشة التليفزيون ببرنامج…. منذ أربعة أسابيع سابقة على ضبطه وعلم من المتهم الثالث أنه سبق استضافته من قبل في ذات البرنامج وأنه أخذ منه في المرة الأولى مبلغ… وفى الثانية….. على سبيل الرشوة مقابل استضافته في البرنامج في هاتين الحلقتين. وقد اعترف المتهم الثالث….. بالتحقيقات بأن المتهم الأول قد اعتاد تقاضى مبالغ مالية على سبيل الرشوة من الشخصيات التي يتم استضافتها في برنامج….. سيما الأطباء منهم وذلك نظير موافقته على ظهورهم وإجراء الحوارات معهم من خلال البرنامج.
وأنه في مستهل عمله معدًا بذلك البرنامج منذ ثلاث سنوات وقف على هذا المسلك من المتهم الأول فلم يسايره فيه إلا أنه منذ عام تقريبًا اضطر إزاء تعنت المتهم الأول معه في قبول استضافة من يقترحه له من الشخصيات في البرنامج وما ترتب عليه من انخفاض مكافأته الشهرية إلى مواكبته سيما عندما تقدم إليه المتهم الرابع مقترحًا عليه استضافة أحد الأطباء في برنامجه وأفهمه أنه سيدفع لقاء ذلك مبلغًا ماليًا على سبيل الرشوة للمتهم الأول، فوافقه وعرض اسم ذلك الطبيب على الأخير بصفته المختص بتحديد ضيوف البرنامج وأحاطه باعتزام تلك الشخصية أن يؤدى له رشوة لقاء موافقته على استضافته فوافق المتهم واعتمد اسمه.
ثم تسلم المتهم الرابع مبلغ الرشوة من ذلك الطبيب وأعطاه إياه فقام بدوره بتسليمه للمتهم الأول. وأضاف أن هذه الواقعة تكررت من قبل على ذات الوتيرة عدة مرات منها قيام المتهم الثاني بأداء مبلغ… جنيه على سبيل الرشوة للمتهم الأول وذلك بوساطته والذى تعرف عليه عن طريق المتهم الرابع مقابل استضافته في البرنامج يومى…. و…. حيث سدد في المرة الأولى مبلغ…، كما سدد في المرة الثانية مبلغ…. جنيه وأنه في كلا المرتين سلم مبلغ الرشوة للمتهم الأول كالمعتاد في مكتبه. وأضاف أنه عرض اسم الشاهد الأول على المتهم الأول لاستضافته في البرنامج فوافق على ذلك وذلك بعد أن أعطاه المتهم الرابع مبلغ…. عربونًا من مبلغ الرشوة على أن يعطيه باقى المبلغ يوم التسجيل. وأنه قد تحدد يوم…. لإجراء اللقاء التليفزيونى معه.
وفى صباح ذلك اليوم توجه إلى الاستديو حيث تقابل مع الشاهد الأول الدكتور….. عقب التصوير وسأله عن المتهم الرابع فأفهمه أنه قد حصل منه على مفتاح سيارته ثم انصرف، فمكث في انتظار المتهم الرابع كى يسلمه مبلغ الرشوة لتسليمه للمتهم الأول كالمتبع بينهما إلى أن اتصل به هاتفيًا وأفهمه أن مبلغ الرشوة بحوزته وطلب لقاءه لتسليمه إياه فالتقيا بناءً على اتفاقهما هذا بالطريق أمام نادى…. وأعطاه مبلغ الرشوة حيث تم ضبطه وكذلك المبلغ.
وأضاف أنه بناء على الموعد الذي تحدد فيما بينه والمتهم الأول يوم…. خلال اتصال هاتفى تم بينهما فقد تم تسليمه مبلغ الرشوة وتجهيزه فنيًا بالوسائل الفنية لتسجيل ذلك اللقاء وفيه التقى بالمتهم الأول بمكتبه وقدم له مبلغ الرشوة وحال ذلك تم ضبط الأخير وكذلك مبلغ الرشوة. وأنه أثناء تحقيق النيابة العامة معه قدم مبلغ…. جنيه عربون الرشوة للمحقق وأخبره بتلك الواقعة”.
فإن ما أورده الحكم فيما سلف بالنسبة لاعتراف المتهمين الثالث والرابع بتحقيقات النيابة العامة يحقق مراد الشارع الذي استوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة ولم يرد به شيء مما ساقه الطاعن تأديًا إلى وصفه بالتناقض أو بمخالفة الثابت بالأوراق.
ولما كان الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصرًا من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف أو المتهم الآخر، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به، دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على واقعة الدعوى بكافة تفاصيلها، بل يكفى فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقى عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة، وكان لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
كما لا يعيب الحكم اختلاف رواية المتهم أو تضاربها في بعض تفصيلات معينة مادام الثابت من الحكم أنه قد حصل تلك الأقوال واستخلص الحقيقة منها استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته، وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه حصل اعتراف المتهمين الثالث والرابع بما لا تناقض فيه، ولا ينازع الطاعن في صحة نسبة هذه الاعترافات إليهما، وكانت المحكمة قد ألمت بواقعة الدعوى وأحاطت بالاتهام المسند إلى الطاعن ودانته بالأدلة السائغة التي أخذت بها وهى على بينة من أمرها، فإن مجادلتها بدعوى الفساد في الاستدلال وباختلال صورة الواقعة لديها ينطوى على منازعة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.
لما كان ذلك، وكانت منازعة الطاعن في تكييف الجريمة المنسوبة إليه وقوله بأنها من قبيل المكافأة اللاحقة وما يثيره من قصور الحكم في التدليل على ارتكابه الجريمة المسندة إليه واستظهار توافر القصد الجنائى في حقه، لا يعدو ذلك كله أن يكون ترديدًا لما جاء بأسباب الطعن المقدمة من الطاعن الأول مما سبق الرد عليه.
لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورد مؤدى أجندة العمل اليومية الخاصة ببرنامج….. التي عول عليها في قضائه بالإدانة، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص ذلك المستند بكل فحواه وأجزائه، ومن ثم تنتفى عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى.
لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى أجندة العمل اليومية الخاصة ببرنامج… وإنما استندت إلى هذه الأجندة كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرنية تأييدًا وتعزيزًا للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه مادام لم يتخذ من نتيجة هذه الأجندة دليلاً أساسيًا على ثبوت الاتهام قبل المتهم، فضلاً عن أن ما يثيره من تشكيك في صحة البيانات المسجلة بهذه الأجندة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
وأما ما يثيره الطاعن بشأن عدم توجيه الاتهام لباقى من وردت أسماؤهم بالأجندة فمردود بأنه لا يجدى الطاعن وجود متهمين آخرين في الدعوى طالما أن اتهام هؤلاء الأشخاص فيها لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجريمة التي دين بها، ومن ثم فإن النعى على الحكم في هذا الخصوص يكون غير منتج. لما كان ذلك، وكان الحكم ببراءة المتهمين الثالث والرابع مبنيًا على حقهما في التمتع بالإعفاء المنصوص عليه في المادة 107 مكررًا من قانون العقوبات لتوافر شروطه في حقهما وهى أسباب خاصة بهما دون غيرهم.
فضلاً عن أنه من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من شأن محكمة الموضوع وحدها، وهى حرة في تكوين اعتقادها حسب تقديرها تلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر دون أن يكون هذا تناقضًا يعيب حكمها مادام تقدير الأدلة موكولاً إلى اقتناعها وحدها، وإذ كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغًا على إدانة الطاعن لما نسب إليه فإن قضاء الحكم ببراءة المتهمين الثالث والرابع استنادًا إلى انطباق شروط الإعفاء من العقاب المنصوص عليه في المادة 107 مكررًا سالفة البيان لا يتناقض مع ما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن أخذًا باعترافات هذين المتهمين وما تأيدت به من أجندة العمل اليومية الخاصة ببرنامج.
وأما ما ينعاه الطاعن من أن المحكمة لم تقف عند حد القضاء بإعفاء المتهمين المذكورين من العقاب بل تجاوزته إلى القضاء ببراءتهما فإنه لما كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، وكان منعى الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا يتصل بشخصه ولا مصلحة له فيه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يضحى ولا محل له. لما كان ذلك، وكان الأصل أن القاضى الجنائى حر في أن يستمد اقتناعه من أى دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق وإن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال المتهم في حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك مادام قد اطمأن إليها فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره في طعنه في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها.
فضلاً عما هو مقرر من أنه وإن كانت الشهادة لا تتكامل عناصرها قانونًا إلا بحلف الشاهد اليمين إلا أن ذلك لا ينفى عن الأقوال التي يدلى بها الشاهد بغير حلفه أنها شهادة وقد اعتبر القانون في المادة 283 من قانون الإجراءات الجنائية الشخص شاهدًا بمجرد دعوته لأداء الشهادة سواء أداها بعد أن يحلف اليمين أو دون أن يحلفها ومن حق محكمة الموضوع أن تعتمد على أقوال هؤلاء الشهود إذ مرجع الأمر كله إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال، وإذ كان قول متهم على آخر هو في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، ويضحى هذا الطعن برمته على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.