من آداب العالم والمتعلم.. خواطر من سورة الكهف
بقلم: أ/ محمد شعبان
تركت قصة موسى والخضر عليهما السلام دروساً عظيمة، لا لطلاب العلم وحدهم، وإنما للمعلمين والمربين كذلك؛ فكثير من الأساتذة يُذكِرون طلابهم بأدب «النبي موسى» مع «الخضر» -عليهما السلام- وهو يقول له بما قاله الله تعالى في كتابه العزيز (ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً «69»).
نعم قالها موسى وهو نبي، وعبر بها عما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم. ولكن ماذا عن المُعلِّم «الخضر عليه السلام»؟. فقد استجلى به الله سبحانه وتعالى ما ينبغي أن يتوافر في العلماء والأساتذة من صفات وذلك في قوله تعالى (فوجدا عبداً من عبادنا ءاتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما «65») فهو أولاً عبد لله، وفي هذا إشارة على صفات الإيمان والتسليم لله التي تميز العلماء الربانيين عن غيرهم، وهذه العبودية الحقة هي مصدر الفتح والعلم والمعرفة.
وثانياً أن الله قد ألهمه الرحمة والعلم!!، وفي ذكر الرحمة قبل العلم له دلاله على أن العالم المتجرد من رحمة الله ليس بالعالم الحق الذي يقع على تلميذه واجب الطاعة وعدم الإنصراف عن استاذه، وليس أدل على ذلك من التوجيه الإلهي الذي وجه الله تعالى به معلم البشرية محمداً عليه السلام حينما قال له (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر آل عمران «159»).
فتلك الرحمة هي التي ألَّفت القلوب، وانشرحت لها صدور صحابته صلى الله عليه وسلم الذين نهلوا من علمه وتربيته فعلموا الدنيا بعده وبنيت على أيديهم أعظم حضارة إنسانية عرفها العلم، وحملوا هذا العلم لأتباعهم الذين حملوه كابراً عن كابر حتى وصل إلينا مسطوراً في صحائف بلغ منهم في كتابتها الجهد.
وقد دلَّت بقية الآيات على مظاهر رحمة الخضر بموسى عليهما وعلى نبينا السلام؛ فهذا التلميذ الذي الزم نفسه بأن يصبر على ما لم يحط به خُبرا، صاريستعجل العلم والإحاطة بعلل المواقف التي كان يرى أستاذه يتصرف فيها، وما كان الرد من الأستاذ العابد الرحيم العالم سوى أن يعاتبه برفق ولين، عتاباً متدرجاً في قوته، فقال له أولاً (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا «72») و قال له ثانياً ( ألم أقلم “لك” إنك لن تستطيع معي صبرا).
وهنا يسارع التلميذ في كل مرة ليقدم الإعتذار ويبدي الأسف لأستاذه مجدداً بيعته على الطاعة والصبر على ما لم يحط به خُبرا. وكانت نهاية الصبر خير، حيث أوفى المعلم إلى تلميذه في نهاية المطاف، وسمع التلميذ من معلمه ما طاقت له نفسه أن يسمعه (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً«78»).
وبعد ما انتهى من تفسير تصرفاته في المواقف التي تعامل معها، اختتم حديثه بعبارة (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا)! وهي عبارة بليغة معبرة عن الرحمة واللين والرفق من الأستاذ بحال تلميذه، وكأنه يربت على كتفه ليهدأ حالُه، بعد ما علم أنها إرادة الله في كل مرة.
قصة كانت بليغة جمعت آداباً قليلاً ما نجدها في أيامنا هذه؛ حيث فقدت العلاقة بين أكثر الأساتذة والطلاب، دفئها ورونقها، وصار بعض طلاب العلم يتكبرون على أساتذتهم، ولا يوقرونهم، ولا يحفظون لهم عهدهم من التبجيل والتكريم، كما استغلظت قلوب بعض الأساتذة على طلابهم حتى صارت كالحجارة بل هي أشد قسوة، حتى صار العلم محجوباً في صدور هؤلاء، فانقطعت أخباره إلا عن بعض المقربين أو المتزلفين، وعمَّ الجهل بالأمة، وازدادت الهجرة لطلب العلم في بلاد الإفرنج الذين طبقوا تعاليمنا فنهضت بهم وبتلاميذهم الأمم، ولا حياة لمن تنادي. وإنا لله وإنا إليه راجعون.