منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية بين النظرية والتطبيق
بقلم: الأستاذ/ هاني عبد المولى
إذا كان المشرع قد خوًّل الدائن الحق في إجراء التنفيذ الجبري بمجرد حصوله على سند تنفيذي، إلا أنه ارتأى أن يفرض رقابة على ممارسة هذا الحق من خلال المنازعة في التنفيذ والتأكد من توافر شروط إجراء التنفيذ الجبري، سواء من ناحية السند التنفيذي أو الحق الذي يتم التنفيذ اقتضاءً له أو المال محل التنفيذ أو أطراف التنفيذ ومقدمات التنفيذ وإجراءاته، فإذا تخلف شرط من هذه الشروط أو تمت مخالفة القانون في أي أمر من تلك الأمور، أمكن للمنفذ ضده أن يتمسك بعدم صحة التنفيذ أو بعدم عدالته، كما يجوز له أن يطالب بوقف إجراءات التنفيذ.
وتحظى منازعات التنفيذ سواء كانت موضوعية أو وقتية بأهمية بالغة وذلك نظرًا لخطورة الآثار التي قد تترتب عليها، فرغم أهميتها في وقف أو إبطال التنفيذ المخالف للقانون إلا أن عدم الإلمام بالأسباب التي يمكن أن تستند إليها تلك المنازعات نتج عنه فقدانها لغايتها وعدم تحقيق الأهداف التي وُضعت من أجله من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن استخدامها بسوء نيةٍ نتج عنه عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية.
ويتعين لكي تكون المنازعة متعلقة بالتنفيذ – وفقًا لنص المادة ٢٧٥ من قانون المرافعات – أن يكون التنفيذ جبرياً وأن تكون المنازعة متعلقة بالتنفيذ أو مؤثره في سير إجراءاته، أما المنازعات التي لا تمس إجراء من إجراءات التنفيذ أو سيره أو جريانه فلا تعتبر منازعة في التنفيذ في حكم هذه المادة وبالتالي لا تدخل في الاختصاص النوعي لقاضي التنفيذ.
ويعتبر قاضي التنفيذ هو صاحب الولاية العامة في نظر منازعات التنفيذ بنوعيها لكونه المختص بها نوعيًا وفقًا لنص المادة 275 من قانون المرافعات- والتي عقدت له الاختصاص بنظرها دون غيره – حيث تعتبر تلك المنازعات وسيلة يمنحها القانون لأطراف خصومة التنفيذ وللغير وذلك لتمكينهم من عرض ادعاءاتهم أمام القضاء ممثلًا في قاضي التنفيذ وذلك إذا شاب أركان التنفيذ أو مقدماته أو إجراءاته عيوب تؤثر في سلامته، وذلك بقصد منع أو وقف أو إبطال التنفيذ الذي لا يتفق مع القانون.
وإذا كان المشرع قد أناط بقاضي التنفيذ سلطة الفصل في منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية دون المساس بأصل الحق موضوع النزاع، وعدم تجريح الحكم الذي يتم التنفيذ بمقتضاه، وكانت تلك المنازعات هي ملاذ المنفذ ضده من التنفيذ الغير متفق مع القانون، فإن أعمال مقتضى ذلك تحديد الأسباب التي يمكن الاستناد إليها وتأسيس المنازعة عليها وتمييزها عن غيرها التي تمس موضوع النزاع.
فالأسباب التي يجوز استناد المنازعة إليها ليست قاصرة على الأسباب اللاحقة لصدور الحكم والأسباب الشكلية فقط كما هو راسخ في عقيدة القضاة والمتقاضين, فالمنازعة قد تستند إلى أسباب موضوعية أو أسباب شكلية, ولكن المرجع هنا هو المساس بأصل الحق موضوع النزاع من عدمه, فالمنازعة في التنفيذ لا تكون مقبوله إذا كانت تستند أسباب شكلية ولكنها تمس أصل الحق, وفي المقابل فإنها تكون مقبولة إذا كانت تستند إلى أسباب موضوعية ولكنها لا تمس أصل الحق أو حجية الحكم الذي يتم التنفيذ بموجبه.
فالواقع العملي الذي تؤكده الأحكام القضائية يشهد بأن هناك عزوف من قبل قضاه التنفيذ عن قبول منازعات التنفيذ الموضوعية أو الوقتية, وهذا العزوف مرجعه الخلط بين تأسيس المنازعة على أسس موضوعية وبين مبدأ عدم المساس بأصل الحق, وهو الأمر الذي قد يترتب عليه رفض تلك المنازعات رغم قانونية السبب الذي تستند إليه, ومن ثمًّ تضحى الحماية التي قررها المشرع من خلال تلك المنازعات عديمة الجدوى.