منارة العقاد (2)

من تراب الطريق (1140)

منارة العقاد (2)

نشر بجريدة المال الأربعاء 14/7/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

كان الأستاذ العقاد إلى جانب ما تقدم شاعرًا مجيدًا يشهد له بالموهبة والعمق أفذاذ الشعراء، وتشهد على ذلك دواوين أشعاره: ديوان يقظة الصباح، ديوان وهج الظهيرة، ديوان أشباح الأصيل، ديوان العقاد ( أربعة دواوين في ديوان )، ديوان أشجان الليل، ديوان وحى الأربعين، ديوان هدية الكروان، ديوان عابر سبيل، ديوان أعاصير مغرب، ديوان بعد الأعاصير، ديوان من دواوين ( مقتطفات من الدواوين السابقة )، ديوان ما بعد البعد.. إلى رواية سارة، وثلاث قصص قصيرة ظهرت في دوريات في الأربعينيات، وأعمال ترجمها منها « عرائس وشياطين » لمجموعة أشعار عالمية، ومقالات مترجمة لفرنسيس بيكون، وأخرى لبنجامين فرانكلين، وترجمة تقرير اللورد ميلنر، وترجمة عدة أعمال من حديقة أبيقور لأناتول فرانس، إلى المراجعات والإشراف، إلى المقالات التي بلغت الآلاف، ومجلدات اليوميات الأربعة الضخمة، ويلحق بها كتاب: « ويسألونك » الذي ضم إجابات على أسئلة عريضة، ومجموعة على الأثير، وهى مجموعة من الأحاديث الإذاعية والمحاضرات ألقاها الأستـاذ العقـاد، ونشرت تباعًا في دوريات منذ سنة 1934، ثم جمعتها دار المعارف مصنفةً في كتــاب « على الأثير ».

على أن وصف « المنارة » الذي يستحقه الأستاذ العقاد، لا يتساند فقط إلى هذا الإنتاج الغزير المتنوع العميق، وإنما قصدت به الدور التنويري الذي قام به رغم أنه لم يكن صاحب منبر يتيح له التواصل مع الأدباء والساعين إلى المعرفة، فلم يكن أستاذًا بجامعة له فيها زملاء وطلاب ومريدون، ولا كان صاحب دار نشر أو جريدة يستطيع أن يستثمرها بانتظام لتحقيق هذه الرسالة، ولم يكن يعتمد إلاَّ على ما يصدره من كتب وما يُنشر له من مقالات هنا وهناك بين الدوريات المختلفة.

فكيف استطاع الأستاذ العقاد أن يكون « دائرة حاضنة » تقوم مقام الجامعة، وأن يتواصل تواصلاً فاعلاً حيًّا مع المعاصرين، ومع الأجيال المتتابعة ؟!

هذه الصعوبة في التواصل هي التي تشهد للأستاذ العقاد بالحرص الحريص على أداء رسالته التنويرية، ولم تكن ندوته الأسبوعية لتصلح وحدها ـ مع أهميتها ودلالتها على حرصه على التواصل ـ لم تكن لتصلح وحدها لاستيعاب هذه الرسالة وأدائها.

بيد أنك تجد أداء هذه الرسالة حاضرًا في كثير من مقالاته في المجاميع التي أشرت

إليها، فإذا أردت التركيز فستجدها حاضرةً في كتابه: ويسألونك، وفي أغلبية يومياته المجموعة في أربعة مجلدات ضخمة، لمقالات كتبها أسبوعيًّا بأخبار اليوم والأخبار، منذ 12/7/1951 وحتى 26/2/1964، أي قبل وفاته في 13 مارس 1964 بأسبوعين.

ستجد نسبة كبيرة من هذه الكتابات إجابات شافية على أسئلة وتساؤلات أتته من قراء من مصر ومن كثير من الأقطار العربية، وكان مع حرصه على الإجابة حريصًا على ذكر اسم السائل وصفته، وهو حرص فيه ذكاء ووفاء وفطنة، فلم يكن هناك إنترنت ولا وسائل للاتصال والتواصل غير الخطابات البريدية، وهي تستغرق للوصول أيامًا إنْ لم يكن أسابيع، يتكبد فيها السائل ـ فيما يتكبده ـ طول الانتظار والشوق إلى تلقى الإجابة أو الإيضاح، والتعريف بالسائل تشجيع له ولغيره على التواصل رغم صعوبة وسائله في ذلك الأوان.

ولا مراء أن خصوبة الحياة الأدبية والثقافية آنذاك ـ قد ساعدت على انتشار كتابات الأستاذ العقاد، والإقبال من ثم على قراءتها، والتمعن فيما كانت تثيره من قضايا فكرية ودينية وأدبية، وما كان ذلك يستولده من أسئلة أو تساؤلات وجد السائلون بغيتهم في الأستاذ العقاد نفسه، ليس فقط لأنه الكاتب، ولا لصيته وعراضة علمه فحسب، وإنما أيضًا لأنه يُعْنى بالإجابة وبالتواصل الإنساني الحي مع سائليه، فيذكرهم بالاسم، ويذكر صفاتهم، ولا يبخل بالتنويه بقدراتهم.. ويجيبهم في اهتمام لا يبخل فيه بجهد في جمع مادته وبحثها وعرض أصولها مجدولة بفكره الذي استهوى الباحثين عن الجدية والموضوعية.

زر الذهاب إلى الأعلى