ملاحقة الإسلام والمسلمين ! وكتابات النابهين ( 3 )
نشر بجريدة الوطن الجمعة 24 / 9 / 2021
ـــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ: رجائى عطية
يصف المؤلفان نبى الإسلام بأنه « كان محبا لإخوته من بنى الإنسان ، بسيطا فى معيشته يأكل خبز الشعير ويخدم نفسه وإن اجتمعت له أسباب الثراء ، ويتورع أن يضرب أحدا أو يسوءه بكلمة تقريع .. ولم يغتفر لنفسه أنه أعرض ذات مرة عن سائل ضرير .. وقد حاول أن يقابل كراهة أعدائه بالحب لأنه يعلم الناس أن أحب الخلق إلى الله أحبهم إلى خلق الله ، ولكن عباد الأوثان بمكة لم يستمعوا لدعوة الحكمـة والمحبة ونظروا إليه فلم يفهموا من قوله ولا عمله إلا أنه ثائر عليهم يسفه أحلامهم ويحطم أصنامهم ، فصادروه وتوعدوه واعتدوا على حريته وأوشكوا أن يعتدوا على حياته «…. » إن صاحب الدعوة الإسلامية لم يبدأ المخالفين له بالحرب ، بل هم الذين بدأوه بها واضطروه إليها ، وكان من خلائقه المعروفة أن يرحم الضعيف ، ويأمر بالرحمة ، ويرفق بالحيوان ، وينهى عن التحريش بين البهائم ، ويدعو أتباعه إلى ادخال السرور على قلوب المحزونين ، وهو القائل : « أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضى عنه دينا أو تطعمه خبزا » … وهو القائل : « فكوا العانى وأجيبوا الداعى » .
أشار المؤلفان إلى الخبر الذى ورد عن وقوف النبى لجنازة اليهودى ، وإلى الأخبار الكثيرة التى وردت عن أدبه عليه السلام فى معاملة الضعفاء والأتباع ، ومعاملة اليتامى والأيامى فقالا : « إن هذا الأدب هو أدب النبوة الإسلامية فى لبابها ، وليس أدب القتال عنوانا لها كما حسب بعض الناقدين للإسلام على السماع » . أما الجهاد ، فهو فريضة يؤمر بها المسلم ويتعلم معها من نبيه أن « أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه » .
يقول هنرى ودانلى توماس فى ختام السيرة : « الإسلام لا يخاصم الديانات الأخرى ، بل هو دين يجمع ويؤلف ، ولا يطرد أو يستثنى ، ومن أدب المسلم أن يحترم عقائد غيره ، وأن يؤمن بأن العالم أمة واحدة تدين لإله واحد ، هو رب العالمين » .
يورد العقاد فى كتابه الضافى « عبقرية محمد » مقارنة عقدها العالم الأوروبى الدكتور ماركس دودز Marcus Dodds فى كتابه « محمد وبوذا والمسيح » ـ Mohammed , Budda and Christ فى هذه المقارنة يقول العالم الأوروبى : ـ
« أليس محمد نبيا على وجه من الوجوه ؟ » ثم أجاب قائلا : « إنه على اليقين لصاحب فضيلتين من فضائل الأنبياء : فقـد عـرف حقيقة عن الله لم يعرفها الناس من حوله ، وتمكنت من نفسه نزعة باطنية لا تقاوم لنشر تلك الحقيقة ، وإنه لخليق فى هذه الفضيلة أن يسامى أوفر الأنبياء شجاعة وبطولة بين بنى إسرائيل ، لأنه جازف بحياته فى سبيل الحق ، وصبر على الإيذاء يوما بعد يوم عدة سنين ، وقابل النفى والحرمان والضغينة ، وفقد مودة الأصحاب بغير مبالاة . فصابر على الجملة قصارى ما يصبر عليه إنسان دون الموت الذى نجا منه بالهجرة ، ودأب مع هذا جميعه على بث رسالته غير قادر على إسكاته وعدّ ولا وعيد ولا إغراء .. وربما اهتدى إلى التوحيد أناس آخرون بين عباد الأوثان ، إلا أن أحدا آخر غير محمـد لم يقـم فى العالم مثل ما أقام من إيمان بالوحدانية دائم مكين ، وما أتيح له ذلك إلا لمضاء عزمه أن يحمل الآخرين على الإيمان . فإذا سأل سائل : ما الذى دفع بمحمد إلى إقناع غيره حيث رضى الموحدون بعبادة العزلة ؟ فلا مناص لنا أن نسلم أنه هو العمق والقوة فى إيمانه بصدق ما دعا إليه » .
والحقيقة التى يراها المنصف مسلما كان أو غير مسلم ـ أن رسول القرآن عليه السلام قد جاءه الإغراء الذى أشار إليه العالم الأوروبى فى أحوال كثيرة فما تغير .. جاءه الإغراء وهو داع مهدد فى سربه ، وجاءه وهو عزيز الشأن بين المؤمنين بدعوته ، فما حفل بالإغراء وهو بعيد من مقصده ولا حفل له وهو واصل إليه !
وأسوأ ما نقع فيه , أن معظمنا يتعامل مع إساءات المتربصين بمنطق رد الفعل وليس الفعل , وهذا أسلوب فاشل فى تناول الأمور , لأنه أولاً يترك المبادأة للمتربصين , ويقتصر على رد فعل الذى غالبًا ما يأخذ شكل الدفاع عن التهمة الملقاة بغير حق , ويهمل المبادأة الكفيلة بأن تضع المتربص فى موقف الدفاع .
ومما يحضرنى فى هذا المقام , رد الفعل السئ الذى واجه به الزعيم الدينى الإيرانى , وتابعه البعض , فيما عرف بآيات شيطانية لسلمان رشدى .
كان رد فعل الملالى الإيرانى , بإهدار دمه , وبال أدى إلى ترك المجتمع الدولى للب الموضوع , والتحول إلى شجب التهديد الإيرانى الذى لم يحدث قط , واستمر هذا الأسلوب الأعرج فى معالجة شيطانيات المذكور , حتى فاجأنا فى منتصف عام 2008 احتفال بقصر باكينجهام , كرمت فيه الملكة البريطانية سلمان رشدى , وزادت فمنحته وسام فارس , من أجل « خدماته فى مجال الأدب » , وهذا فى الواقع إمعان فى التهجم الظالم على الإسلام , لم تحفل فيه الملكة والحكومة البريطانية المتناغمة معها ؛ بمشاعر المسلمين الذين أساء إليهم منح المذكور وسامًا ـ وهو فى الحقيقة ديكور ـ عن روايته « آيات شيطانية » التى صدرت عام 1988 .
وكالعادة , تعاملنا مع الموقف بمنطق رد الفعل , وعمت المظاهرات الدول الإسلامية والعربية , احتجاجًا على هذا التصرف العدوانى الضرير .
ومن المؤسف أن المستفيد الوحيد من احتقانات أو ردود أفعال غاضبة , سوف يكون ذات سلمان رشدى الذى لم تكن له أى قيمة , ولا كان له ذكر , إلاّ بالفتوى الخومينية الإيرانية وردود الفعل الإسلامية على « آياته الشيطانية » .. فهى عمل غث , لا أدب فيه ولا فكر به , ولم يلفت الأنظار إليه وإلى كاتبه , إلاّ ردود أفعالنا .. لازلت آمل أن نتعلم من دروس الماضى , أن نهمل الوسام ومانحته والممنوح له , وألاَّ نعيرهم أدنى اهتمام , ففى هذا الإهمال مقتل الحدوتة كلها !!
فهل وعينا أن صورة وسلوك المسلم ، هما أساس وآية رسالة الإسلام إلى الدنيا ، والتفتنا إلى أمثال هذه المؤلفات المكتوبة أصلا بلغات الغرب ولمؤلفين غربيين ، والتفتت إليها الهيئات الإسلامية التى تملك المال والإمكانيات ، لتتدبر الوسائل لبث هذه الكتابات إلى أوروبا والأمريكتين بدلا من الاحتجاجات الصاخبة المتشنجة التى سرعان ما تتلاشى بلا طحن ويطمرها النسيان ، بينما فى كتاباتهم بأقلام المنصفين منهم ما يصد ويفحم حملات الإساءة والكراهية ، ويجلى الصورة الصحيحة المنصفة للرسول وللإسلام الذى يعم المعمورة دينا هاديا للعالمين إلى يوم الدين .