معنى الجهاد في القرآن والسنة ( 2 )
بقلم: الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين
الإمام الطيب والقول الطيب (20)
نشر بجريدة المال الاثنين 27/9/2021
وعلى ما تقدم فإن فريضة الجهاد التى يعمل البعض على تشويهها ـ ليست إلاَّ حق الدفاع المشروع عن النفس وعن العقيدة وعن الوطن . وفى القرآن الحكيم : « وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » (المائدة 2) ، ونزلت الآيتان (39 ، 40) من سورة الحج فى الإذن للذين يُقَاتلون ( بضم الياء وفتح القاف ) بأنهم ظُلموا بإخراجهم من ديارهم بغير حق إلاَّ قولهم ربنا الله ، فيقول الحكم العدل ـ سبحانه : « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ » ( الحج 39 ، 40) .
فالجهاد بمعنى القتال ، لا يكون فرضًا طبقًا للقرآن الحكيم والسنة ، إلاَّ بالمدافعة إزاء
من يقاتلون المسلمين ، وهو مشروط أيضًا بعدم التعدى ، فيقول سبحانه وتعالى : « وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ » (البقرة 190) ، وهو فى جميع الأحوال محكوم بالضرورة التى دعت إليه ، وبأحكامه وحدوده وضوابطه ، ولم ينه القرآن عن بر وقسط من لم يقاتلوا المسلمين فى الدين أو يخرجوهم من ديارهم كما جاء فى الآية (8) من سورة الممتحنة ، بل وحض على السلم إن جنح إليه المعتدى حتى ولو كان فى جنوحه للسلم مظنة الخديعة ، فقال تعالى : « فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً » (النساء 90) ، وقال عز وجل : « وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (الأنفال 61) ، بل إن الجنوح إلى السلم دعوة مقبولة وإن شابتها مظنة الخديعة ، فيقول تعالى : « وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ » (الأنفال 62) .
والرسول عليه الصلاة والسلام لم يرسل برسالة الإسلام إلاَّ رحمة للعالمين ، « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » ( الأنبياء 107) ، وفى الحديث النبوى : « لا يدخل الجنة إلاَّ رحيم .. من لا يرحم لا يُرحم » ، « والراحمون يرحمهم الرحمان . ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء » ، وكان عليه الصلاة والسلام « رحمة مهداة » .
وعلى ذلك فقد أجمع علماء المسلمين اعتمادًا على القرآن وتاريخ النبى عليه السلام مع غير المسلمين ، أن القتال لا يباح إلاَّ لدفع أو رد العدوان ، ولا يباح لمجرد تكفير الغير ما دام لم يقترن بعدوان ، وغنى عن البيان أن الآراء الشاذة المهجورة لا يعوَّل عليها .
ليس صحيحًا إذن الادعاء الكاذب بأن الإسلام دين السيف ، فالدين الذى يقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومهجته ومهجة رسوله الرحمة ، ولم يُرسَل إلاَّ رحمة للعالمين ، لا يمكن أن يكون عماد دعوته السيف والإكراه ، فلا إكراه فى الدين كما أمر القرآن الحكيم ، وإنما طريقه الحكمة والإقناع بالموعظة الحسنة وبالحجة والبرهان .
ومن مفارقات هذا الادعاء الكاذب أن كلمة « السيف » لم ترد فى أى آية من آيات القرآن ، كما أنه ليس صحيحًا ، بل افتراء كاذب ، تصوير المسلمين بأنهم عشاق للحروب ، بينما يوصى الرحمة المهداة عليه السلام فيقول للمسلمين : « لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية » ( البخارى 2966 ، 7237 ، ومسلم 1742 ) .
بل إن الحرب إذا قامت ضروراتها وأُلجئ إليها المسلمون إلجاءً ، محكومة فى شريعة الإسلام بضوابط إنسانية وأخلاقية ، من المتفق عليه أنها كانت أساسًا لقانون الحرب للتخفيف من ويلاتها ، وعلى ما جاء بالقرآن من حقوق الأسير وحسن معاملته وإطعامه ، وإطلاقه منًّا أو فداءً حتى تضع الحرب أوزارها ، وجاء المنُّ سابقًا على الفداء ، فضلاً عما تكرر ، فى الوصايا النبوية ووصايا الخلفاء الراشدين من وصايا تنهى عن أفعال , مما يُعد الآن قانونًا للحرب ، قبل أن يعرف العالم قانونًا للحرب بمئات السنين .
وأخيرًا وليس آخرًا ، فإن آية الآيات على كذب وبهتان أن الإسلام دين سيف ، أو أنه به انتشر ـ هذا الانتشار الواسع للإسلام فى كل قارات الأرض ، مما لا يكون ولا يتأتى إلاَّ لعقيدة صافية مستقيمة ، ومنظومة أخلاقية وارفة فى أحكامه وشريعته . ثم تأتى الحجة الدامغة ، متمثلةً فى أن الإسلام ـ رغم عدم لجوئه للتبشير ـ عمَّ بقاعًا وأصقاعًا لم يطرقها جيش بل ولا جندى واحد للمسلمين ، مما يؤكد أن هذا الانتشار كان بنور الهداية وسلامة وقوة اليقين فى الدين الخاتم الذى نزل هداية ورحمة للعالمين .
لا مصدر إذن ، ولا مرجعية فى الإسلام ، للعنف والتقتيل الذى اصطنعه الإرهابيون والتكفيريون بدعوى أنه من الإسلام ، والإسلام من هذه الأضاليل والأغاليط براء !