معنى الجهاد فى القرآن والسنة( 1 )
بقلم: الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين
نشر بجريدة المال الأحد 26/9/2021
من تراب الطريق (1187)
الإمام الطيب والقول الطيب
معنى الجهاد فى القرآن والسنة( 1 )
ـــــــــ
هذا الموضوع يحتاج إلى بيان من أهل العلم ، فقد اختلطت مفاهيمه لدى كثيرين ، وإختلطت اختلاطًا أشد لدى المتطرفين والإرهابيين ، وهو ما يفسر لنا سبب إهتمام الإمام الطيب بتناول موضوعه أكثر من مرة بالبيان والإيضاح .
وما أمامنا الآن بحثٌ نشر سلفًا فى كتاب « الأزهر فى مواجهة المفاهيم المغلوطة » ، ضمن أعمال مؤتمر الأزهر العالمى لمواجهة التطرف والإرهاب ، المنعقد فى يومى 11 , 12 صفر 1436 هــ ، الموافق 3 , 4 ديسمبر 2014 .
فى هذا البحث الضافى ، ينبه الإمام الطيب إلى خطأ الفكر الذى يحصر معنى الجهاد فى الحرب والقتال ، دون أن يلاحظ أن كلمة « الحرب » لم ترد فى القرآن سوى أربع مرات ، بينما وردت فيه كلمة « جهاد » بمشتقاتها إحدى وثلاثين مرة ، لم تقتصر فى القرآن ولا فى السنة على المعنى المختزل الذى فهمه البعض لمعنى الجهاد .
لقد تعددت معانى الجهاد فى القرآن والسنة ـ فيما أبدى الإمام الأكبر شيخ الأزهر ـ وتعددت وسائله أيضًا ، فهناك الجهاد بالنفس ، أو بالمال ، أو باللسان ، بمعنى الحجة والبرهان ، أو الجهاد بالقرآن ذاته فى مجال بيان الإسلام وبسط جوهره ومعانيه وأحكامه ، ودعوة الناس إليه وإلى الإسلام .
ومن الجهاد جهاد النفس والشيطان والهوى ، ومسماه فى السنة الجهاد الأكبر ، مقارنًا بالجهاد الأصغر وهو القتال ، ومن أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام : « المجاهد من جاهد نفسه » ، وقوله : « جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم » .
وحكمة وعلة وشرط الجهاد بالنفس أو بالمال ، أن يكون فى سبيل الله ، فمشروعية الجهاد مرتبطة بغايات إنسانية نبيلة ، فلم يُبَحْ للتوسع أو احتلال الأراضى أو الاستيلاء على موارد الغير أو قهر الشعوب ، ولا من أجل العلو فى الأرض أو الركوب على رقاب الناس .
والجهاد بالقتال مشروط ببواعثه ومقاصده ، فإذا خرج عن هذا الإطار لا يكون جهادًا ولا يكون مشروعًا ، وإنما يكون تعديًا قبيحًا مرفوضًا فى شريعة الإسلام وأخلاقه .
ويتوقف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ليسترعى الانتباه إلى خطأ الخلط بين كلمتين « القتل » و« القتال » ، مع أن الفرق بين معنى الكلمتين كبير ، فالقتل يعنى المبادرة إلى القتل ، طرفاه قاتل وقتيل ، وهذا غير القتال ، فالقتال مواجهة بين طرفين متعددين فى غالب الأحوال ، يقاتل كل منهما الآخر فى عملية قتالية ، وإلى هذا المعنى الثانى تنصرف كلمة الجهاد ، فلا يعد جهادًا القيام بالقتل الذى يستهدف به القاتل قتيلاً ، بغض النظر عن أسبابه أو تعلاته . فهو قتل وليس جهادًا ، والقتل محكوم بتحريمه كقاعدة ، ولا يصير مباحًا إلاَّ للدفاع الشرعى كما تتفق كل الشرائع ، أو لحالة ضرورة ألجأت إليه إلجاءً لا مفر منه ، وعقابه القصاص أو الحد حسب الأحوال ، ولا يسقطه إلاَّ الشبهة فى الفعل أو المحل أو القصد . وفى كل هذه الصور لا يعد « جهادًا » ناهيك عن أن يكون فى سبيل الله .
وعلى ذلك فإن الجهاد فى الإسلام ليس أمرًا بالقتل ، وإنما بالمقاتلة أى بالتصدى فى القتال للمقاتل الآخر ومجاهدته ، لرد عدوانه أو إيقاف هجومه ، وهو مرهون بألا يكون للإثم والعدوان .