مدى حجية رأى الفقه في تكوين عقيدة القاضي

بقلم: على سيد أبوصديره

يطلق مجازا على شراح القانون مصطلح الفقهاء فهو من باب المقابلة اللفظية أو الترادف اللغوى لمصطلح الفقهاء فى الشريعة الإسلامية والفقه فى اللغة يعنى الفهم .
ويمكن تعريف الفقه فى لغة القانون كما عبر عنه أستاذنا الدكتور فتحى عبد الفتاح أبوبكر ( أستاذ القانون المدنى بكلية الشريعة والقانون بأسيوط ) : بأنه عبارة عن مجموعة آراء علماء أو شراح القانون التى يقومون فيها بشرح القواعد القانونية وتفسيركلياتها إلى جزئيات سهلة الفهم،ونقدها فى مؤلفاتهم وبحوثهم المختلفة .
ومهمة الفقه : فى تشريعات الدول الحديثة هى تفسيرالقاعدة القانونية ، وليس خلقها أو سنها ، وهذا هو معنى أن الفقه مصدرتفسيرى وليس مصدرا رسميا للقاعدة القانونية . فمهمة الفقية إذا تقف عند حد شرح وتفسيرالقانون بعرض كلياته وجزئياته وإستنباط آراء علمية بين ما يجب أن يكون عليه القانون فتساهم فى تفسير النصوص القانونية المعمول بها ومن ثم يساغ تطبيقها على الوقائع . هذا عن مهمة الفقه فى القانون الوضعى . ولكن دور الفقه فى الشريعة الإسلامية يعتبر دوراكبر من الذى عليه فى القانون الوضعى . ذلك أننا نلاحظ أن القران الكريم والسنةالنبوية قد تضمنا الأحكام والمبادىء العامة للدين الإسلامى الحنيف . ثم جاء الفقه فتناول هذه الأحكام الكلية بتفسير جزئياتها فبين شروط ومجال وأحكام تطبيقها عن طريق تفسير القرآن بالقرآن وتفسيرالقرآن بالسنة والعكس . إلى جانب الفقيه الأول الذى لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ” نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ” ثم جاء السلف الصالح التابعين وتابعى التابعين إلى يومنا هذا سيرا على طريق الهدى الصراط المستقيم . وبذلك يدلل على عظم مكانة الفقيه فى الإسلام . أما دورالفقه فى التشريعات الوضعية فيقتصر على مجرد تفسيرالقاعدة القانونية ثم يترك الأمر للقاضى فى الأخذ بها من عدمه . أو بعبارة أدق يعتبرالفقه فى القانون الوضعى مصدرا تفسيريا للقانون وليس مصدرا رسميا له كالتشريع والقضاء .
ورغم أن الفقه يعد مصدرا تفسيرا للقانون إلا أننا لا نستطيع بحال من الأحوال أن نقلل أو نحط من قدر آراء شراح وفقهاء القانون . غاية الأمر أن رأيه مهما علت منزلته العلمية أو الأدبية فهو غير ملزم لقاضى الموضوع ، ومن ثم فللقاضى طبقا لمبدأ سلطان القاضى أن يأخذ برأيه أو أن يصد عنه . ومع أن مجرد رأى الفقيه القانونى يقتصر على مجرد (تفسيرالقاعدة القانونية ) إلا أن هذا التفسيرلا يمكن بحال من الأحوال أن نحط منه ، فرأيه وشرحه ونقده من الأهمية بمكان بالنسبة للقاضى، حيث أنه أعنى القاضى لا يستطيع أن يستعين على فهم وقائع الدعوى والإحاطة بظروفها وبكافة ملابساتها وصولا لحكم صحيح فى الدعوى بغير الإطلاع إبتداء على شروح القانون المختلفة تبعا لكل دعوى . وهذا نفس المعنى الذى قصده معالى المغفورله بإذن الله( المستشارعلى زكى العرابى وسطره فى مقدمة مؤلفه ” القضاء الجنائى ج1 “) حيث قال يقوم الفقه على أساسين : تفاسير الشراح وأحكام المحاكم وتسمى الأولى بالتفسيرالعلمى للقانون والثانية بالتفسيرالقضائى ، ولكل منهما تأثيرعلى الآخر، فالعلماء يستشهدون بأحكام المحاكم ، والمحاكم تستأنس بآراء العلماء . إلا أن أحكام المحاكم تمتاذ بأنها تصدر فى نزاع جدى حقيقى مطروح أمامها يسمع فيه القاضى أقوال الخصوم ويقف على حقيقة الخلاف بينهم ثم يطبق القانون على الوقائع التى يستخلصها . لذلك ربما كانت أحكام المحاكم أقرب إلى مقتضيات الحياة العملية منها إلى المنطق المطلق الذى يغلب فى آراء الشـــــراح . ثم أردف قائلا: وآراء العلماء مهما بلغت منزلتها الأدبية ليس لها فى ذاتها قوة تنفيذية ، وإنما يرجع إليها القاضى بصفة إستشارية محضة على سبيل الإستئناس.وأحكام القضاء وحدها هى التى تنفذها الحكومة بما لها من قوة . ولذلك فإن الآراء التى تستقرعليها المحاكم فى المسائل المختلف فيها تكون هى المعمول بها والتى عليها الفتوى . وكثيرا ما تسبق المحاكم المشرعَ وتمهد له الطريق فى تقرير المبادىء ووضع القوانين . فإنه وإن كان للقاضى ألا يحكم إلا بمقتضى القانون وطبقا لنصوصه . إلا أنه قد تنشأ أحوال ليس لها نص فى القانون وفى هذه الأحوال يطبق القاضى قواعد العدل ، وفى أحوال أخـــرى يرى القاضى أنه وإن كان القانون قد وضع لها نصوصا ، إلا أن الظروف التى وقعت فيها قد تغيرت وأصبحت تلك النصوص غير ملتئمة مع أنظمة الحياة ، وهو وإن كان ممنوعا من الحكم بغيرالقانون ، إلا أنه يعمد إلى تفسيره ويفتح لنفسه بهذا التفسير نافذة يخرج منها لطرح نيرأحكامه لتحقيق العدالة ، وفى هذه الحالة فإن القاضى تحت ستارتفسيرالقانون ، إنما يعدله فى الواقع أو يغـــــــيره . ثم يأتى الشارع بعد ذلك ويقرر المبادىء التى تقررت بالطرق السالفة بنصوص صريحة .
وأختتم بقوله : لذلك كان جمع الأحكام وتلخيصها وترتيبها من أهم الأغراض للرجوع إليها فى ( الفقه ، القضاء ، التشريع ) . رأينا الشخصى :
ومن جانبنا نؤيد هذا الرأى القائل بأن الفقه يعد أحد المصادرالتفسيرية للقاعدة القانونية وليس مصدرا رسميا كالنصوص التشريعية أو أحكام القضاء . ومن ثم فدور فقهاء أو شراح القانون يقف عند حد تفسير النص القانونى . بمعنى أن القاضى فى حل بين الأخذ به أو الإلتفات عنه . لأنه بداهة إذا كان الأصل العام المستقر بأحكام محكمتنا العليا محكمة النقض أن المحكمة لا تتقيد بحكم محكمة أخرى ولو فى ذات موضوع النزاع ، فمن باب أولى ألاتتقيد برأى فقهى قد يفتقرإلى الصواب أو الترجيح . ثم إن القاضى وهو بصدد نظرالدعوى المفترض فيه الإحاطة التامة والإلمام الشامل لكافة القوانين التى تنطبق على النزاع المطروح أمامه . ويحد ث عمليا أن يستشهد الدفاع فى دفاعه المسطورأو المقروء ببعض من رأى الفقه أو القضاء . ومحكمة الموضوع لا تعره النظرأو الإنتباه وتقضى بما تنتزعه من أدلة غير عابئة برأى هذا الفقيه أو أحكام المحاكم العليا الثلاثة . وفى كلمة خاتمة : أرى أن رأى الفقه لا بد ويتعين أن يوضع نصب أعين القاضى قبل الفصل فى النزاع ، بل ويستوجب عليه ألا يفصل فى الدعوى قبل إستقراء آرائهم والوقوف على فهمها . ذلك أن رأيه لم يوجد عبثا ولا يترك هملا. فهو فى حقيقته ليس محض إجتهاد شخصى ولافلسفة تملأ بها بطون المراجع والمؤلفات ، وإنما هى خلاصة دراسة وافية نظرية وعملية ، فغالبية الفقه أساتذه القانون فى كليات الحقوق ، كماأن معظمهم من شغل منصب القضاء . وبالتالى فرأيه محل إعتبار ونظر يتعين على كل باحث فى العلوم القانونية أن يقف عنده ليتعلم منه لأنها اللبنات الأولى فى بنيان القانون . ومن أتى بعدهم ما هو إلا شارح أو منقح أو مقلد أو مقتبس أو ناقل من نهل هؤلاء . فهم من وضعوا الرموز والعناوين الأساسية لمختلف فروع القانون . ومن ثم فرأى الفقه لم يوجد عبثا ولايترك هما .

والله الموفق والمستعان.

زر الذهاب إلى الأعلى