مدى جواز استعانة المتهم بمحام أثناء الاستدلال
بقلم: أ. علي سيد
تطالعنا الأخبار يوميا، ولا يكاد يمر يوما بدون أن ترى مشكلة مع زميل من الزملاء المحامين وغالبا ما يكون مرد ذلك من وجهة نظري المتواضعة إما لجهل الزميل المحامي بحقوقه وواجباته تجاه سلطات الدولة جمعاء سيما التي أورد لها أمثلة قانون المحاماة الحالي وغيره من التشريعات السابقة أو المتعاقبة عليه.
وقد يكون مرجع ذلك لتعسف بعض أفراد السلطات العامة تجاه الزميل المحامي، أو لبعض الأسباب الأخرى التي لا يتسع هذا المقام لتناولها، ولكنني أرى بل وأرجح أن مرد ذلك كله هو أننا مازلنا نحن المحامين في حاجة لمزيد من الحقوق والحصانات مثل التي عليها باقي الجهات القضائية المختلفة، ومازلنا أيضا في حاجة ماسة لإدخال بعض التعديلات على قانون المحاماة الحالي حتى تكفل للمحامي قدرا كبيرا من الحرية لممارسة حقه في الاضطلاع بمهام مهنة المحاماة.
وعن موضوع المقال، فالدستور المصري تشدد في ضرورة استصحاب محام أو حضور محام إلى جانب المتهم منذ لحظة مواجهته بأول إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي، بل ونص فيه على ضرورة حضور محام مع المتهم أثناء التحقيق معه في الجنايات على وجه التخصيص، وفى بعض الجنح المعاقب عليها بالحبس الذي لا تقل مدته عن ثلاثة أشهر.
وفيما عدا هاذين الموضعين فحضور محام مع المتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي أو المحاكمة فهو إجراء جوازي لم يرتب الشارع البطلان على إغفاله ولا أريد التعرض للنصوص ولا لرأي الفقه والقضاء في هذا الشأن لضيق المقام، ومن أراد الاستفاضة من ذلك فليراجع شرح القانون الإجرائي المصري ليقف على هذه المعاني والحقوق والواجبات.
وليس عن هذا حديثي الآن، وإنما أردت الإشارة لربط الأفكار ليس إلا، أما عن حضور المحام أثناء جمع الاستدلال وأخصها “الأقسام والمراكز والنقط الشرطية ” على اختلاف درجاتها في جمهورية مصر العربية، فأقول إن مطالعتي المتواضعة لرأي الفقه الجنائي في هذه المسألة وقراءتي لأكثر من شارح لقانون الإجراءات الجنائية المصري القدامى والحداثة أمثال السادة أساتذة القانون الجنائي في مصر (محمود مصطفى – حسني سرور – آمال عثمان – أشرف شمس الدين – الدكتور عبد الشافي محمد إسماعيل وغيرهم الكثير” من خلال هذه المطالعة قد استخلصت من مضمون نصوصها بالقياس على وجوب استعانة المتهم بمحام أثناء التحقيق والمحاكمة.
وأن الفقه يكاد يجمع على ضرورة حضور محام مع المتهم أثناء الاستدلال سيما رأى الدكتورة أمال عثمان التي أشارت إلى نقطة هامة وهي أن بعض الجنح ما لم يكن أغلبها تحال إلى قضاء الحكم دون أن يفتح لها تحقيق بل إن قانون الإجراءات الجنائية قد نص على جواز ذلك وفي ذلك من المخاطر التي لا تحمد عقباها سيما وبعض الجنح قد لا تقطع الطريق إلى الإحالة للمحكمة وتقف بها سفينة الإجراءات إلى حد أن تحفظ وهذا لا يتأتى بالطبع بمثول المتهم بمفردها ليواجه سلطات الاستدلال مكبل الأيدي.
وأود أن أشير أو أستلفت أنظار القارئ القانوني إلى أن الفقه المعاصر قد طالب المشرع المصري مرات بضرورة سن تشريع يكفل حق المتهم في أن يستعين بمحام في مرحلة جمع الاستدلال، ولكن ما يستحق التأسف عليه أنها محاولات فقهية ومطالبات من أساتذة القانون ورجالاته قد باءت كلها بالفشل ومازال هذا المبدأ قائم.
أما إذا أدرنا الوجهة ناحية أحكام محكمتنا العليا محكمة النقض لوجدنا أن ما جرت على إعماله في أحكامها هو أنها لا تبيح ولا ترى ضرورة مرجوة من حضور المحامي مع المتهم أثناء مواجهته بأعمال الاستدلال، حيث قضت في حكم قديم لها كرست به هذا المبدأ الذي مفاده أن دفاع المتهم بأن البوليس منع محاميه من الحضور معه أثناء تحرير محضر جمع الاستدلال هذا الدفع لا يستند إلى أساس من القانون.
ومن هذا المقام نناشد المشرع المصري في كفالة هذا الحق الذى تأخذ به غالبية التشريعات العربية والأجنبية حتى أصبحت مرحلة الاستدلال لا تقل خطورة ولا أهمية عن مرحلتي التحقيق الابتدائي أو المحاكمة، كما نناشد رجالات القضاء المصري رؤساء محكمة النقض الجنائي أن تعدل عن هذا المبدأ القديم العقيم الذى أثبت الواقع العملي أنه غير ذي جدوى آن له أن يلغى بغيره استنادا واستجابة لرأي الفقه الجنائي المصري، سيما وقواعد القوانين التي نصت على كفالة حق المتهم في الاستعانة بمحام في القوانين الأخرى (مادة 58 محاماة – 111 ت ع للنيابات) لا يعبأ بها في هذا الخصوص حتى أمام المحاكم.
وهذا ما عبرت عنه محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها لا يحضرني الآن رقم الطعن هذا، وأجابت النقض ردا على تمسك أحد المحامين ببعض نصوص التعليمات القضائية العامة للنيابات بمقولة: “أنها لا تعد أن تكون مجرد قواعد استرشادية ولا ترقى لمرتبة القواعد القانونية فضلا عن أنها لا تلزم غير ما صدرت لمصلحتهم”.
وأخيرا حتى من أستند لرأى الفقه الجنائي في هذا الصدد فإن أراء الفقه لا تلزم محكمة الموضوع ما لم تنساب هذه الآراء وتصاغ في صورة قواعد ومبادئ وأحكام قانونية مستقر عليها تأخذ حكم وحجية القواعد القانونية المكتوبة باعتبارهما المصدرين الرسميين للقانون (التشريع والقضاء)، وإن كنت أرى خلاف ذلك أن الفقه يعد المصدر الثالث والمكمل لهما.
ونرى كثيرا في الأحكام بعض القضاة يسترشدون ويستدلون برأي الفقه على سبيل الاستئناس ليس إلا وهذه عقبة أخرى تواضح الشراح والقضاة، إذ من الفائدة من أراء وشرح نظري بدون أن ترى النور في شكل تطبيق عملي.