محكمة النقض توضح مدى حجية الأوامر والقرارات الصادرة من النيابة العامة

كتب/ عبدالعال فتحي

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٦٨٧ لسنة ٨٥ قضائية ـ الدوائر المدنية – جلسة ٢٠٢١/١١/١٥، أنَّ الحجيةَ لا تثبُتُ إلَّا للأحكامِ النهائيةِ الفاصلِة في موضوعِ الدعوى الجنائيةِ دونَ غيرِها مِنَ الأوامرِ والقراراتِ الصادرةِ مِنْ سلطاتِ التحقيقِ.

الحكم

جلسة ١٥ من نوفمبر سنة ٢٠٢١

برئاسة السيـد القاضي/ مجدي مصطفى نــائب رئـــيـس الــمحكمـة وعضوية السادة القضـاة/ وائل رفاعي، عصام توفيق، رفعــت هيبـة وهاني عميـــــــرة

نواب رئـيس المحكمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن رقم ٦٨٧ لسنة ٨٥ القضائية

(١) تأمين ” عناصر التأمين : الخطر المؤمَّن منه ” .

الخطر المؤمن منه في عقد التأمين. اعتباره العنصر الجوهري فيه وركنًا قانونيًا في الالتزام وليسَ مجردَ شرطٍ عارضٍ. تعلقه بالأشخاصِ أو الأموالِ. التأمينُ منه. لازمه. أداءُ المُؤمَّنِ لَهُ قسطَ التأمينِ وأداء المُؤمِّنِ مبلغَ التأمينِ إذا تحقَّقَ الخطرُ.

(٢) تأمين ” أقسام التأمين : التأمين على الأشياء : التأمين من السرقة ” .

التأمينُ مِنَ السرقةِ. ماهيته. نوعٌ مِنَ التأمينِ على الأشياءِ يعقدُهُ الشخصُ للتأمينِ على أمتعتِه أو نقودِه أوْ مجوهراتِهِ أوْ بضائعِهِ أوْ على ما هُوَ مُودَعٌ عنده للغيرِ أوْ على ما يأتَمِنُ عليه الغيرَ من خطرِ السرقةِ أوْ التبديدِ. عدمُ ورودِ أحكامٍ خاصةٍ بشأنه. مؤداه. خضوعُه للأحكام العامة في التأمينِ على الأشياءِ. عبء إثباتِ وقوعِ الحادثِ المُؤمَّنِ منهُ. وقوعه على عاتق الدائنِ بمبلغِ التأمينِ.

(٣) عقد ” عقد التأمين : التأمين على الأشياء: التأمين من السرقة ” .

اختفاء الأشياء المُؤمَّن عليها ضد السرقة. عدم كفايته لاستحقاق مبلغ التأمين ما لم يَثْبُتْ اختفاؤها بالسرقة. مبدأ حسن النية في عقد التأمين ضد السرقة. لازمه. عدم التشدد مع المومَّن له. وجوب مبادرة الأخير بالتبليغ وتقديم بيانات قريبة التصديق على حدوث الواقعة. علة ذلك.

(٤) حكم ” حجية الأحكام : الحكم الجنائي : حجية الأوامر والقرارات الصادرة من النيابة العامة ” .

الحجية. ثبوتها للأحكام النهائية الفاصلة في موضوع الدعوى الجنائية دون الأوامر والقرارات الصادرة من سلطات التحقيق.

(٥) حكم ” تسبيب الأحكام : التسبيب الكافي ” .

أسباب الحكم. وجوب اشتمالها على بيان مصدر ما ثبتت صحته وتأكد صدقه من وقائع الدعوى وإفصاحها بجلاءٍ عن الأدلة التي اعتمد عليها في القول بثبوت أو نفي أيٍّ من هذه الوقائع وعن فحوى الأدلة ووجه الاستدلال بها. علة ذلك.

(٦) مسئولية ” المسئولية العقدية : مسئولية شركة التأمين الناشئة عن عقد التأمين ” .

تمسُكُ الطاعنِ أمامَ محكمةِ الموضوعِ بعدم صحةِ واقعةِ السرقةِ لعدمِ توصُلِ تحرياتِ المباحثِ إلى دليلٍ يُثْبِتُ حدوثَها ولِما خلُص إليه تقريرِ الخبيرِ التأمينيّ من عدمِ معقوليةِ بعضِ أقوالِ أمينِ الخزينةِ. دفاعٌ جوهريٌ. إطراح الحكم المطعون فيهِ له مُفترضًا صحةَ الواقعةِ ومُكتفيًا بسردِ الإجراءاتِ التي اتبعَها المطعونُ ضده بشأن الواقعة دون بيان المصدرِ الذي استقى منه صحتها رغم عدم صلاحيته ردًّا على دفاعِ الطاعنِ واعتباره إبهامًا في إيرادِ الأدلةِ. قصور. علة ذلك.

(٧) دعوى ” إجراءاتها : تقديم المذكرات والمستندات ” .

عدم جواز قبول المحكمة أوراقًا أو مستندات من أحد الخصوم دون إطلاع الخصم الآخر عليها.

(٨) تأمين ” أقسام التأمين: التأمين على الأشياء: التأمين من السرقة ” .

تضمُنُ وثيقةِ التأمينِ وملحقِ تجديدِها إلزامَ المطعونِ ضده بإمساكِ دفاترَ مُنتظمةٍ يُسَجِّلُ بها حركةَ محتوياتِ الخزينتَيْنِ بصفةٍ دوريةٍ وترتيب جزاءِ سُقوطِ حقِ المطعونِ ضده في اقتضاء مبلغِ التأمينِ حالَ عدمِ وجودِها أوْ انتظامِها. لازمه. تقديم المطعونِ ضدهُ تلكَ الدفاترِ والمستنداتِ بجلسةِ المرافعةِ الأخيرةِ دونَ تمكينِ الطاعنِ مِنَ الاطلاعِ عليها رغمَ جوهريتها واستناد المحكمة عليها في قضائِها مُصادِرَةً بذلك على حقِ الطاعنِ في الدفاعِ. إخلالٌ وخطأ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

– إنَّ النصَ في المادةُ ٧٤٧ مِنَ التقنينِ المدنيِّ على أنَّ” عقد التأمينِ عقدٌ يلتزمُ المُؤمِّنُ بمقتضاه أنْ يؤديَ إلى المُؤمَّنِ لَهُ أوْ إلى المُستفيدِ الذي اُشترطَ التأمينُ لصالحِهِ مبلغًا مِنَ المالِ … في حالةِ وقوعِ الحادثِ أوْ تحقُقِ الخطرِ المبينِ في العقدِ، وذلكَ في نظيرِ قسطٍ أوْ أيِّة دفعةٍ ماليةٍ أخرى يؤديها المُؤمَّنُ لَهُ للمُؤمِّنِ “. يدلُ على أنَّ العنصرَ الجوهريَّ في التأمينِ هُوَ الخطرُ المُؤمَّنُ منْهُ، وهذا الخطرُ يستتبعُ للتأمينِ منْهُ أنْ يدفعَ المُؤمَّنُ لَهُ قسطَ التأمينِ، وأنْ يدفعَ المُؤمِّنُ مبلغَ التأمينِ إذا تحقَّقَ الخطرُ، فَتَحَقُقُ الخطرِ ركنٌ قانونيٌّ في الالتزامِ وليسَ مجردَ شرطٍ عارضٍ، وهذا الخطرُ قدْ يتعلقُ بالأشخاصِ أوْ يتعلقُ بالأموالِ.

٢- إنَّ التأمينَ مِنَ السرقةِ نوعٌ مِنَ التأمينِ على الأشياءِ يعقدُهُ الشخصُ للتأمينِ على أمتعتِه أو نقودِه أوْ مجوهراتِه أوْ بضائعِهِ أوْ على ما هُوَ مُودَعٌ عندَهُ للغيرِ أو على ما يأتَمِنُ عليه الغيرَ من خطرِ السرقةِ أوْ التبديدِ، ولمْ ترِدْ فيهِ أحكامٌ خاصةٌ، فتسري عليهِ الأحكامُ العامةُ في التأمينِ على الأشياءِ، ويقعُ على الدائنِ بمبلغِ التأمينِ- وَفقًا للقواعدِ العامةِ- عبءُ إثباتِ وقوعِ الحادثِ المُؤمَّنِ مِنْهُ.

٣- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنَّه لا يكفي في عقدِ التأمينِ ضدَ السرقةِ- لِيَسْتَحِقَ المُؤمَّنُ لَهُ مبلغَ التأمينِ- مجردُ تحقُقِ اختفاءِ الأشياءِ المؤمَّنِ عليها، وإنَّما يتعينُ على المُؤمَّنِ لَهُ أنْ يُثْبِتَ أنَّ هذه الأشياءَ قدْ اختفتْ بسرقتِها، وإذا كانَ إعمالُ مبدأِ حسنِ النيةِ في عقدِ التأمينِ ضدَ السرقةِ يستوجبُ عدمَ التشددِ معَ المُؤمَّنِ لَهُ، إلا أنَّ ذلكَ لا يمنعُ مِنْ ناحيةٍ أخرى مِنْ وجوبِ مبادرةِ المُؤمَّنِ لهُ بالتبليغِ، وأنْ يكونَ ما أَبلَغَ عنْهُ قريبًا إلى التصديقِ؛ لِتَتخذَ محكمةُ الموضوعِ مِنْ مسلكِهِ سندًا لتكوينِ عقيدتِها بشأنِ صحةِ وقوعِ الحادثِ المبلغِ عنْهُ وذلك حمايةً للمُــــؤمِّنِ.

٤- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنَّ الحجيةَ لا تثبُتُ إلَّا للأحكامِ النهائيةِ الفاصلِة في موضوعِ الدعوى الجنائيةِ دونَ غيرِها مِنَ الأوامرِ والقراراتِ الصادرةِ مِنْ سلطاتِ التحقيقِ.

٥- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنَّ أسبابَ الحكمِ يجبُ أنْ تشتملَ على بيانِ مصدرِ ما ثبُتَتْ صحتُه وتأكدَ صدقُهُ مِنْ وقائعِ الدعوى، وتُفْصِحُ بجلاءٍ لا غموضَ فيهِ عن الأدلةِ التي اعتمدَ عليها في القولِ بثبوتِ أو نفي أيٍّ مِّن هذه الوقائعِ، وعنْ فحوى تلك الأدلةِ ووجهِ الاستدلالِ بها حتى يتسنى لمحكمةِ النقضِ أنْ تُعْمِلَ رقابتَها على سدادِ الحكمِ، والاستيثاقِ مِنْ أنَّ الأسبابَ التي أقامَ قضاءَهُ عليها جاءتْ سائغةً لها أصلٌ ثابتٌ بالأوراقِ وتتفقُ معَ النتيجةِ التي انتهى إليها.

٦- إذْ كانَ الطاعنُ قدْ تمسَّكَ أمامَ محكمةِ الاستئنافِ بدفاعٍ حاصلُه: عدمُ صحةِ واقعةِ السرقةِ ودلَّلَ على ذلكَ بعدمِ توصُلِ تحرياتِ المباحثِ إلى دليلٍ يُثْبِتُ حدوثَها، وإلى تقريرِ الخبيرِ التأميني الذي قامَ بفحصِ الواقعةِ، والذي خلُصَ إلى عدمِ معقوليةِ بعضِ أقوالِ أمينِ الخزينةِ، وهُوَ دفاعٌ جوهريٌ– إنْ صحَّ– يتغيرُ بهِ وجهُ الرأي في الدعوى، إلَّا أنَّ الحكمَ المطعونَ فيهِ لمْ يُقسِطْهُ حقَهُ في البحثِ والتمحيصِ مُفترضًا صحةَ الواقعةِ ومُكتفيًا- في هذا الشأنِ- بسردِ الإجراءاتِ التي اتبعَها المطعونُ ضده منذُ الإبلاغِ وحتى صدورِ قرارِ النيابةِ بالتقريرِ بألَّا وجهَ لإقامةِ الدعوى الجنائيةِ لعدمِ معرفةِ الفاعلِ، ومُمْسِكًا عنِ الإفصاحِ عنْ مصادرِ الأدلةِ التي اعتمدَ عليها في تكوينِ عقيدتِه في شأنِ صحةِ واقعةِ السرقةِ، وهُوَ الأمرُ الذي فضلًا عنْ كونِهِ لا يصلحُ ردًّا على دفاعِ الطاعنِ، يُعَدُّ إبهامًا في إيرادِ الأدلةِ يُعْجِزُ محكمةَ النقضِ عَنْ مراقبةِ تطبيقِ القانونِ.

٧- المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنَّه لا يجوزُ للمحكمةِ أن تَقْبَلَ أوراقًا أوْ مستنداتٍ مِّنْ أحدِ الخصومِ دونَ تمكينِ الخصمِ الآخرِ مِنَ الاطلاعِ عليها.

٨- إذْ كانتْ وثيقةُ التأمينِ وملحقُ تجديدِها قدْ ألزما المطعونَ ضده بإمساكِ دفاترَ منتظمةٍ مدعمةٍ بالمستنداتِ يُسَجِّلُ بها حركةَ محتوياتِ الخزينتَيْنِ بصفةٍ دوريةٍ وتمَّ الاتفاقُ بينَ الطرفينِ على ترتيبِ جزاءٍ على مخالفةِ ذلكَ الشرطِ، وهُوَ سُقوطُ حقِ المطعونِ ضده في المطالبةِ بمبلغِ التأمينِ حالَ عدمِ وجودِ تلكَ الدفاترِ أوْ انتظامِها، وكانَ الطاعنُ قدْ طالبَ المحكمةَ بإلزامِ المطعونِ ضدهُ بتقديمِ تلكَ الدفاترِ والمستنداتِ، فقدَّمَها بجلسةِ المرافعةِ الأخيرةِ، ……….، إلَّا أن المحكمةَ قررتْ حجزَ الاستئنافِ للحكمِ دونَ تمكينِ الطاعنِ مِنَ الاطلاعِ على تلكَ المستنداتِ رغمَ كونِها مستنداتٍ جوهريةً استندتْ عليها المحكمةُ في قضائِها، الأمرُ الذي يُعَدُّ مصادرةً لحقِ الطاعنِ في الدفاعِ، ممَّا يعيب الحكمَ (بالخطأَ في تطبيقِ القانونِ والقصور في التسبيبِ والإخلال بحقِ الدفاعِ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.

حَيْثُ إِنَّ الطَّعْنَ اسْتَوْفَى أَوْضَاعَهُ الشَّكْلِيَّةَ.

وَحَيْثُ إِنَّ الْوَقَائِعَ– على ما يبينُ مِنَ الحكمِ المطعونِ فيهِ وسائرِ الأوراقِ– تتحصلُ في أنَّ المطعونَ ضده أقامَ على الطاعنِ الدعوى رقمَ … لسنة ٢٠١٢ أمامَ محكمةِ شمالِ القاهرةِ الابتدائيَّةِ، بطلب الحكم بإلزامِهِ بأن يُؤدِيَ لهُ مبلغَ ثلاثمائة ألف جنيهٍ والفوائدَ القانونيةَ مِنْ تاريخِ امتناعِ الطاعنِ عن السدادِ، وقالَ بيانًا لدعواه: إنه بموجبِ وثيقةِ تأمينٍ بقيمةِ ثلاثمائة ألف جنيهٍ أمَّنَ لدى الطاعنِ على خزينتي شركتِهِ الكائنتَيْنِ بفرعِ المعادي مِنْ خطرِ السرقةِ، وإذْ تعرَّضتْ الخزينتانِ بتاريخِ ٢٥/١/٢٠١١ للسرقةِ، فحرَّر المطعونُ ضده المحضرَ رقم … لسنة ٢٠١١ جُنحَ المعادي– والذي صدرَ فيه أمرٌ بألَّا وجهَ لإقامةِ الدعوى الجنائيةِ لعدمِ معرفةِ الفاعلِ- واتَّخَذَ جميعَ الإجراءاتِ المنصوصِ عليها في الوثيقةِ لصرفِ التعويضِ، إلَّا أنَّ الطاعنَ امتنعَ عنْ صرفِه، فأقامَ الدعوى. قضتِ المحكمةُ برفضِ الدعوى بحالتِها بحكمٍ استأنفَهُ المطعونُ ضده بالاستئناف رقم … لسنة ١٨ ق أمامَ محكمةِ استئنافِ القاهرةِ، قضَتِ المحكمةُ بتاريخِ ٢٦/١١/٢٠١٤ بإلغاءِ الحكمِ المستأنفِ، وقضتْ للمطعونِ ضده بالطلباتِ والفوائدِ مِنْ تاريخِ المطالبةِ وحتى السدادِ. طعنَ الطاعنُ في هذا الحكمِ بطريق النقضِ، وأودعتِ النيابةُ مذكرةً أبدتْ فيها الرأيَ برفضِ الطعنِ، وإذْ عُرِضَ الطعنُ على هذه المحكمةِ- في غرفةِ مشورةٍ- حددتْ جلسةً لنظرِهِ، وفيها التزمتِ النيابةُ رأيَها.

وحيثُ إنَّ ممَّا ينعاه الطاعنُ على الحكمِ المطعونِ فيه الخطأَ في تطبيقِ القانونِ والقصورَ في التسبيبِ والإخلالَ بحقِ الدفاعِ، وقالَ بيانًا لذلكَ: إنَّه تمسَّكَ أمامَ محكمةِ الاستئنافِ بعدمِ صحةِ واقعةِ السرقةِ مُستدِلًا بتقريرِ الخبيرِ التأميني المنتدبِ منْهُ لفحصِ الواقعةِ والذي خلُص في تقريرِه إلى تلكَ النتيجةِ، وبأنَّ تحرياتِ المباحثِ لمْ تتوصلْ إلى دليلٍ يُثْبِتُ وقوعَها، إلَّا أنَّ الحكمَ المطعونَ فيهِ ألزمَهُ بمبلغِ التأمينِ دونَ أنْ يُفْصِحَ عنِ الدلائلِ التي استقى مِنْهَا حدوثَها، كما لمْ تُمَكِّنْهُ المحكمةُ مِنَ الاطلاعِ على دفاترِ حركةِ الخزينتَيْنِ للتثبُتِ مِنْ انتظامِها رغمَ اتفاقِ الطرفَيْنِ في وثيقةِ التأمينِ ومُلحقِ التجديدِ على سقوطِ حقِ المطعونِ ضده في اقتضاءِ مبلغ التأمينِ حالَ عدمِ انتظامِها، مما يعيبُ الحكمَ، ويستوجبُ نقضَه.

وحيثُ إنَّ هذا النعيَّ بشقيهِ في محلِهِ؛ ذلك أنَّه لمَّا كانتِ المادةُ ٧٤٧ مِنَ التقنينِ المدنيِّ تنصُ على أن” التأمين عقدٌ يلتزمُ المُؤمِّنُ بمقتضاه أنْ يُؤديَ إلى المُؤمَّنِ لَهُ أوْ إلى المستفيدِ الذي اُشترطَ التأمينُ لصالحِهِ مبلغًا مِنَ المالِ … في حالةِ وقوعِ الحادثِ أوْ تحقُقِ الخطرِ المُبَيَّنِ في العقدِ، وذلكَ في نظيرِ قسطٍ أوْ أيَّةِ دفعةٍ ماليةٍ أُخرى يؤديها المُؤمَّنُ لَهُ للمُؤمِّنِ “. وهُوَ ما يدلُ على أنَّ العنصرَ الجوهريَّ في التأمينِ هُوَ الخطرُ المُؤمَّنُ منْهُ، وهذا الخطرُ يستتبعُ للتأمينِ مِنْهُ أنْ يدفعَ المُؤمَّنُ لَهُ قسطَ التأمينِ، وأنْ يدفعَ المُؤمِّنُ مبلغَ التأمينِ إذا تحقَّقَ الخطرُ، فَتَحَقُقُ الخطر ركنٌ قانونيٌّ في الالتزامِ وليسَ مجردَ شرطٍ عارضٍ، وهذا الخطرُ قدْ يتعلقُ بالأشخاصِ أوْ يتعلقُ بالأموالِ، والتأمينُ مِنَ السرقةِ نوعٌ مِنَ التأمينِ على الأشياءِ يعقدُهُ الشخصُ للتأمينِ على أمتعتِه أو نقودِه أوْ مجوهراتِه أوْ بضائعِهِ أوْ على ما هُوَ مودعٌ عنده للغير أو على ما يأتَمِنُ عليه الغيرَ من خطرِ السرقةِ أو التبديدِ، ولمْ ترِدْ فيهِ أحكامٌ خاصةٌ، فتسري عليهِ الأحكامُ العامةُ في التأمينِ على الأشياءِ، ويقعُ على الدائنِ بمبلغِ التأمينِ – وَفقًا للقواعدِ العامةِ- عبءُ إثباتِ وقوعِ الحادثِ المُؤمَّنِ مِنْهُ؛ إذْ لا يكفي في عقدِ التـــــــأميــــــــنِ ضدَ الســـــــــرقـــــــــةِ- لِيَسْتَحِقَ المُؤمَّنُ لَهُ مبلغَ التأمينِ- مجردُ تحقُقِ اختفاءِ الأشياءِ المؤمَّنِ عليها، وإنَّما يتعينُ على المُؤمَّنِ لَهُ أنْ يُثْبِتَ أنَّ هذه الأشياءَ قدْ اختفتْ بسرقتِها، وإذا كانَ إعمالُ مبدأِ حسنِ النيةِ في عقدِ التأمينِ ضدَ السرقةِ يستوجبُ عدمَ التشددِ معَ المُؤمَّنِ لَهُ، إلا أنَّ ذلكَ لا يمنعُ مِنْ ناحيةٍ أخرى مِنْ وجوبِ مبادرةِ المُؤمَّنِ لهُ بالتبليغِ، وأنْ يكونَ ما أَبلَغَ عنْهُ قريبًا إلى التصديقِ؛ لِتَتخذَ محكمةُ الموضوعِ مِنْ مسلكِهِ سندًا لتكوينِ عقيدتِها بشأنِ صحةِ وقوعِ الحادثِ المبلغِ عنْهُ وذلك حمايةً للمُؤمِّنِ. وكانتِ الحجيةُ – وعلى ما جرى بهِ قضاءُ هذه المحكمةِ- لا تثبُتُ إلَّا للأحكامِ النهائيةِ الفاصلِة في موضوعِ الدعوى الجنائيةِ دونَ غيرِها مِنَ الأوامرِ والقراراتِ الصادرةِ مِنْ سلطاتِ التحقيقِ. وأنَّ أسبابَ الحكمِ يجبُ أنْ تشتملَ على بيانِ مصدرِ ما ثبُتَتْ صحتُه وتأكدَ صدقُهُ مِنْ وقائعِ الدعوى، وتُفْصِحُ بجلاءٍ لا غموضَ فيهِ عن الأدلةِ التي اعتمدَ عليها في القولِ بثبوتِ أو نفي أيٍّ مِّن هذه الوقائعِ، وعنْ فحوى تلك الأدلةِ ووجهِ الاستدلالِ بها حتى يتسنى لمحكمةِ النقضِ أنْ تُعْمِلَ رقابتَها على سدادِ الحكمِ، والاستيثاقِ مِنْ أنَّ الأسبابَ التي أقامَ قضاءَهُ عليها جاءتْ سائغةً لها أصلٌ ثابتٌ بالأوراقِ وتتفقُ معَ النتيجةِ التي انتهى إليها. لمَّا كانَ ذلكَ، وكانَ الطاعنُ قدْ تمسَّكَ أمامَ محكمةِ الاستئنافِ بدفاعٍ حاصلُه: عدمُ صحةِ واقعةِ السرقةِ ودلَّلَ على ذلكَ بعدمِ توصُلِ تحرياتِ المباحثِ إلى دليلٍ يُثْبِتُ حدوثَها، وإلى تقريرِ الخبيرِ التأميني الذي قامَ بفحصِ الواقعةِ، والذي خلُصَ إلى عدمِ معقوليةِ بعضِ أقوالِ أمينِ الخزينةِ، وهُوَ دفاعٌ جوهريٌ– إنْ صحَّ– يتغيرُ بهِ وجهُ الرأي في الدعوى، إلَّا أنَّ الحكمَ المطعونَ فيهِ لمْ يُقسِطْهُ حقَه في البحثِ والتمحيصِ مُفترضًا صحةَ الواقعةِ ومُكتفيًا- في هذا الشأنِ- بسردِ الإجراءاتِ التي اتَّبعَها المطعونُ ضده منذُ الإبلاغِ وحتى صدورِ قرارِ النيابةِ بالتقريرِ بألَّا وجهَ لإقامةِ الدعوى الجنائيةِ لعدمِ معرفةِ الفاعلِ، ومُمْسِكًا عنِ الإفصاحِ عنْ مصادرِ الأدلةِ التي اعتمدَ عليها في تكوينِ عقيدتِه في شأنِ صحةِ واقعةِ السرقةِ، وهُوَ الأمرُ الذي فضلًا عنْ كونِهِ لا يصلحُ ردًّا على دفاعِ الطاعنِ، يُعَدُّ إبهامًا في إيرادِ الأدلةِ يُعْجِزُ محكمةَ النقضِ عَنْ مراقبة تطبيق القانون. ولمَّا كانتْ وثيقةُ التأمينِ وملحقُ تجديدِها قدْ ألزما المطعونَ ضده بإمساكِ دفاترَ منتظمةٍ مدعمةٍ بالمستنداتِ يُسَجِّلُ بها حركةَ محتوياتِ الخزينتَيْنِ بصفةٍ دوريةٍ وتمَّ الاتفاقُ بينَ الطرفينِ على ترتيبِ جزاءٍ على مخالفةِ ذلكَ الشرطِ، وهُوَ سُقوطُ حقِ المطعونِ ضده في المُطالبةِ بمبلغِ التأمينِ حالَ عدمِ وجودِ تلكَ الدفاترِ أوْ انتظامِها، وكانَ الطاعنُ قدْ طالبَ المحكمةَ بإلزامِ المطعونِ ضدهُ بتقديمِ تلكَ الدفاترِ والمستنداتِ فقدَّمَها بجلسةِ المرافعةِ الأخيرةِ، وكانَ لا يجوزُ للمحكمةِ أن تَقْبَلَ أوراقًا أوْ مستنداتٍ مِّنْ أحدِ الخصومِ دونَ تمكينِ الخصمِ الآخرِ مِنَ الاطلاعِ عليها، إلَّا أنَّ المحكمةَ قررتْ حجزَ الاستئنافِ للحكمِ دونَ تمكينِ الطاعنِ مِنَ الاطلاعِ على تلكَ المستنداتِ رغمَ كونِها مستنداتٍ جوهريةً استندتْ عليها المحكمةُ في قضائِها، الأمرُ الذي يُعَدُّ مُصادَرَةً لحقِ الطاعنِ في الدفاعِ، ممَّا يعيبُ الحكمَ، ويُوجِبُ نقضَهُ.

زر الذهاب إلى الأعلى