محكمة النقض: الدفع بعدم الاختصاص النوعي أو القيمي من النظام العام تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوى
كتب: علي عبدالجواد
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ٣٢٨٥ لسنة ٦٢ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٩/٠٣/١٦، أن المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن مؤدی نص المادة ۱۰۹ من قانون ( المرافعات ) أن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى أو قيمتها من النظام العام تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى.
وتابعت: “ومن أجل ذلك تعتبر مسألة الاختصاص بسبب نوع الدعوى أو قيمتها قائمةً في الخصومة ومطروحة دائماً على محكمة الموضوع، وعليها أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم اختصاصها، ويُعتبر الحكم الصادر منها في الموضوع مُشتمِلاً على قضاءٍ ضمني باختصاصها بنوع الدعوى أو قيمتها ؛ ومن ثم فإن الطعن بالنقض على الحكم الصادر منها يُعتبر وارداً على القضاء الضمني في مسألة الاختصاص سواءٌ أثارها الخصوم في الطعن أم لم يُثيروها ، أبدتها النيابة العامة أم لم تُبدِها ؛ باعتبار أن هذه المسألة وفي جميع الحالات تُعتبر في نطاق الطعون المطروحة على هذه المحكمة ، وبالتالي فإن مناط تحديد الاختصاص النهائي للمحاكم أن تكون قد التزمت قواعد الاختصاص التي رسمها القانون ، وألا تخرج صراحةً أو ضمناً على ما كان من تلك القواعد متعلقاً بالنظام العام”.
الحكم
حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المطعون ضدهم الثلاثة الأوَل أقاموا على الطاعن والمطعون ضدهما الأخيرَين ” الرابع والخامس ” الدعوى رقم ۸۸۸ لسنة ۱۹۹۰ الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإخلاء المخبز موضوع عقد الإيجار المؤرخ ٢٨ / ١ / ١٩٧٨ وتسليمه إليهم بمنقولاته المبينة بذلك العقد فى مواجهة المطعون ضدهما الأخيرَين ، وقالوا بياناً لذلك : إنه بموجب ذلك العقد استأجر الطاعن والمطعون ضدهما الرابع والخامس المخبز بما فيه من أدوات ومعدات لمدة سنة تبدأ من ٣ / ٢ / ١٩٧٨ ثم يتجدد مشاهرة ، وإذ تنازل لهم المطعون ضدهما الأخيرَين عن حقهما فى تلك الإجارة بعقد تنازُل موّثق مؤرخ ٢٩ / ٣ / ١٩٨٨ ، ورغبة منهم فى إنهاء العلاقة الإيجارية مع الطاعن اعتباراً من ٢ / ٣ / ١٩٩٠ أنذروه بذلك على يد مُحضر بتاريخ ٢٢ / ١١ / ١٩٨٩ طبقاً لبنود العقد ، إلا أنه دفع الدعوى بأن هذه العلاقة الإيجارية انتهت بين أطرافها ، وأنه قام باستئجار ثلث المخبز من المطعون ضده الأول خالياً دون منقولاته بموجب العقد المؤرخ ١ / ٧ / ١٩٨٠ الذى يخضع للامتداد القانوني ؛ فأقاموا الدعوى . بتاريخ ٢٨ / ٢ / ١٩٩١ حكمت المحكمة بإخلاء المخبز وإلزام الطاعن بتسليمه بمنقولاته المبينة بالعقد تأسيساً على أن الثابت لديها من عقدي الإيجار استئجار المخبز مفروشاً ، وأن التنبيه الحاصل بطلب الإخلاء فى الميعاد يسري على العقدين . استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم ۳۸۹ لسنة ٤٧ ق الإسكندرية ، وبتاريخ ١٧ / ٣ / ١٩٩٢ قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة الرمل الجزئية . طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض ، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عُرِض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة ، حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن مبنى الدفع المُبدى من النيابة مخالفة الحكم المطعون فيه قواعد الاختصاص القيمي لتعلقها بالنظام العام .
وحيث إن هذا الدفع سدید ؛ ذلك بأنه من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن مفاد نص المادة ٢٥٣ من قانون المرافعات أنه يجوز لمحكمة النقض – كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة وللخصوم – إثارة الأسباب المتعلقة بالنظام العام ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو فى صحيفة الطعن ، متى توفرت عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع ، ووردت هذه الأسباب على الجزء المطعون فيه من الحكم وليس على جزء آخر منه أو حكم سابق عليه لا يشمله الطعن ، وكان مؤدی نص المادة ۱۰۹ من ذات القانون أن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى أو قيمتها من النظام العام تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها ، ويجوز الدفع به فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، ومن أجل ذلك تعتبر مسألة الاختصاص بسبب نوع الدعوى أو قيمتها قائمةً فى الخصومة ومطروحة دائماً على محكمة الموضوع ، وعليها أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم اختصاصها ، ويُعتبر الحكم الصادر منها فى الموضوع مُشتمِلاً على قضاءٍ ضمني باختصاصها بنوع الدعوى أو قيمتها ؛ ومن ثم فإن الطعن بالنقض على الحكم الصادر منها يُعتبر وارداً على القضاء الضمني فى مسألة الاختصاص سواءٌ أثارها الخصوم فى الطعن أم لم يُثيروها ، أبدتها النيابة العامة أم لم تُبدِها ؛ باعتبار أن هذه المسألة وفي جميع الحالات تُعتبر فى نطاق الطعون المطروحة على هذه المحكمة ، وبالتالي فإن مناط تحديد الاختصاص النهائي للمحاكم أن تكون قد التزمت قواعد الاختصاص التي رسمها القانون ، وألا تخرج صراحةً أو ضمناً على ما كان من تلك القواعد متعلقاً بالنظام العام ، وكان من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن الأصل فى الدعاوى أنها معلومة القيمة ، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا الدعاوى التي تُرفع بطلب غير قابل للتقدير ، فتُعتبر مجهولة القيمة ، وهي لا تُعتبر غير قابلة للتقدير إلا إذا كان المطلوب فيها مما لا يُمكن تقديره ، طبقاً لأي قاعدة من قواعد تقدير الدعاوى ، التي أوردها المُشرع فى المواد من ٣٦ إلى ٤١ من قانون المرافعات ، ولما كان النص فى المادة ٤٢ / ١ من قانون المرافعات – قبل تعديلها بالقوانين أرقام ۲۳ لسنة ۱۹۹۲ و ۱۸ لسنة ۱۹۹۹ و ٧٦ لسنة ۲۰۰۷ – على أن ” تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائياً فى الدعاوى المدنية والتجارية التي لا تُجاوز قيمتها خمسة آلاف جنيه ، ويكون حكمها انتهائياً إذا كانت الدعوى لا تُجاوز خمسمائة جنيه ” ، وكان النص فى الفقرة الأولى من المادة ٤٧ من قانون المرافعات – قبل التعديل – على أن ” تختص المحكمة الابتدائية بالحكم ابتدائياً فى جميع الدعاوى المدنية والتجارية التي ليست من اختصاص محكمة المواد الجزئية ، ويكون حكمها انتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تُجاوز خمسة آلاف جنيه ” ، وكان من المقرر – أيضاً – أن العبرة فى تكييف الدعوى هي بحقيقة المطلوب فيها والسبب القانوني الذي ترتكز عليه ، وهو ما يخضع لرقابة محكمة النقض باعتباره مسألة قانونية ، وإذا كان عقد الإيجار الخاضع لأحكام القانون المدني ينتهي بانتهاء المدة المُتفق عليها بين المتعاقدين ، فإن بقاء يد المستأجر عقب ذلك على عين النزاع بعد إنذاره بعدم الرغبة فى تجديد العقد من جانب المؤجر هو من قبيل الغصب ، وكانت الدعوى بطلب الطرد للغصب من بين الدعاوى غير مُقدرة القيمة مما تختص المحكمة الابتدائية بنظرها .
لما كان ذلك ، وكان الثابت فى الدعوى أن المطعون ضدهم الثلاثة الأول قد أقاموها على الطاعن بطلب الحكم بإخلاء محل النزاع تأسيساً على انتهاء عقدي إيجار المخبز المفروش بمنقولاته بعد أن أنذروه بعدم رغبتهم فى استمرار العلاقة الإيجارية بينهم ، وأن يده عليها قد صارت بذلك يد غاصب ، وإن كانت الدعوى بهذه المثابة ليست دعوى فسخ ؛ إذ لا تستند إلى إخلال المستأجر بأي من التزاماته ، وإنما حقيقتها دعوى طرد من العين المؤجرة للغصب ، وإذ كان طلب الطرد للغصب ليس من بين الطلبات التي أورد المشرع قاعدة لتقديرها فى المواد من ٣٦ حتى ٤٠ من قانون المرافعات ؛ فإن الدعوى من ثم تكون غير قابلة للتقدير بمقتضاه ، وهي بذلك تخرج عن اختصاص المحكمة الجزئية ، وينعقد بذلك الاختصاص للمحكمة الابتدائية ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى على خلاف ذلك ؛ فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يوجب نقضه . وحيث إن المادة ٢٦٩ / ١ من قانون المرافعات تنص على أنه ” إذا كان الحكم المطعون فيه قد نُقِض لمخالفة قواعد الاختصاص ، تقتصر المحكمة على الفصل فى مسألة الاختصاص على أن يكون مع النقض الإحالة .
لـــــــــــــــذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه ، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية ، وألزمت المطعون ضدهم بالمصاريف ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
أميــن الســر نائب رئيس المحكمة