محكمة النقض: إخطار مجلس نقابة المحامين قبل الشروع في تحقيق أية شكوى ضد محام بوقت كافٍ إجراء تنظيمي لا يترتب على مخالفته بطلان إجراءات التحقيق
كتب: علي عبدالجواد
أكدت محكمة النقض في حكمها ب الطعن رقم ١٤٢٨١ لسنة ٨٩ قضائية، الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٢١/٠٣/٠٣، أن ما أوردته المادة ٥١ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ من وجوب إخطار مجلس النقابة العامة أو مجلس النقابة الفرعية قبل الشروع في تحقيق أية شكوى ضد محام إنما هو إجراء تنظيمي ، لا يَتَرَتَّب على مخالفته بطلان التحقيق.
الطعن رقم ١٤٢٨١ لسنة ٨٩ قضائية
الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٢١/٠٣/٠٣
باسم الشعب
محكمــة النقــض
الدائرة الجنائية
جلسة الأربعاء( أ ) الموافق ٣ من مارس سنة ٢٠٢١
الطعن رقم ١٤٢٨١ لسنة ٨٩ قضائية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد القاضي / عاصم الغايش نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة / محمد هلالي ، خالد حسن محمد ، بهاء محمد إبراهيم
وجمال حسن جودة نواب رئيس المحكمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) إثبات ” بوجه عام “. حكم ” بيانات حكم الإدانة ” ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ” “سلطتها في تقدير الدليل ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها “.
بيان الواقعة بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة واستعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً. لا قصور.
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(٢) إثبات ” بوجه عام ” . تزوير ” أوراق رسمية ” . جريمة ” أركانها ” . قصد جنائي . حكم ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها “.
القصد الجنائي في جريمة التزوير . مناط تحققه ؟
التحدث عن القصد الجنائي في جريمة التزوير صراحة في الحكم . غير لازم . حد ذلك؟
النعي بانتفاء القصد الجنائي. جدل موضوعي في تقدير الدليل . لا يجوز إثارته أمام النقض . مثال.
(٣) إثبات ” بوجه عام ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” . دفوع ” الدفع بنفي التهمة ” محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل “.
الدفع بانتفاء الصلة بالواقعة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التى أوردتها المحكمة .
(٤) إثبات ” بوجه عام ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ” ” سلطتها في تقدير الدليل ” . تزوير ” أوراق رسمية ” . جريمة ” أركانها ” . ضرر . حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب ” . نقض ” أسباب الطعن ما لا يقبل منها “.
أصل في المحاكمات الجنائية اقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . له تكوين عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها . ما لم يقيده القانون بدليل معين . جرائم التزوير . لم يجعل القانون لإثباتها طريقاً خاصاً . تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟ تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير . غير لازم . ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة. غير جائز أمام محكمة النقض.
(٥) إثبات ” شهود ” . حكم ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل “.
إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد . غير لازم . كفاية إيراد مضمونها . النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقواله . غير مقبول . علة وحد ذلك ؟ حق المحكمة في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به . شرط وأثر ذلك ؟
(٦) إثبات ” شهود “. حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “. دفوع ” الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة “. محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل ” ” سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى “. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها “.
تناقض أقوال الشهود. لا يعيب الحكم. حد ذلك؟ الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(٧) إثبات ” شهود “. حكم ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل ” . نقض ” أسباب الطعن . تحديدها ” . ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها “.
إحالة الحكم في بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر . لا يعيبه . شرط ذلك ؟ وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محداً . علة ذلك ؟
(٨) إثبات ” بوجه عام ” . تزوير ” أوراق رسمية ” . جريمة ” أركانها ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها “.
إغفال المحكمة الاطلاع على الورقة محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى . يعيب إجراءات المحاكمة. علة ذلك ؟ إيجاد المستندات محل التزوير مرفقة بأوراق الدعوى غير محرزة . مؤداه : أنها كانت معروضة على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور الخصوم .
(٩) إثبات ” بوجه عام ” . حكم ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل ” ” تسبيبه . تسبيب غير معيب “.
الخطأ في الإسناد . لا يعيب الحكم . ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة . مثال لما لا يعد خطأ من الحكم في الإسناد .
(١٠) إجراءات ” إجراءات التحقيق ” . بطلان . محاماة .
إخطار مجلس نقابة المحامين قبل الشروع في تحقيق أية شكوى ضد محام بوقت كافٍ . إجراء تنظيمي . لا يترتب على مخالفته بطلان إجراءات التحقيق .
(١١) أمر الإحالة . بطلان . إجراءات ” إجراءات التحقيق ” ” إجراءات المحاكمة ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها “.
القصور في أمر الإحالة . لا يبطل المحاكمة ولا ينال من صحة الإجراءات . إعادة الدعوى إلى مرحلة الإحالة بعد دخولها في حوزة محكمة الموضوع واتصالها بها . غير جائز . علة ذلك ؟
(١٢) نقض ” أسباب الطعن . تحديدها ” . ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها “.
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محداً . علة ذلك ؟ عدم بيان أوجه الدفاع واطلاقه على ذلك في عبارة مرسلة. أثره؟
(١٣) إجراءات ” إجراءات المحاكمة ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها “.
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحكم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـــع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية …… لسنة ٢٠١٨ قسم أول شبرا الخيمة ( والمقيدة بالجدول الكلي برقم ……. لسنة ٢٠١٨ جنوب بنها ) بأنهما في غضون عام ٢٠١٨ بدائرة قسم أول شبرا الخيمة – محافظة القليوبية :-
١- وهما ليسا من أرباب الوظائف العمومية ارتكبا تزويرًا في محرر رسمي ، وهو الرخصة الرقيمة ……. ملاكي بني سويف ، المنسوب صدورها إلى وحدة مرور بني سويف ، بأن قاما باصطناعها على غرار الصحيح منها ، وأثبتا بها رقم شاسيه مخالف لرقم الشاسيه الصحيح لتلك السيارة التي تحمل الأرقام سالفة البيان ، ومهرها بخاتم شعار الجمهورية الخاصة بالجهة آنفة البيان .
٢- وهما ليسا من أرباب الوظائف العمومية ارتكبا تزويرًا في محرر رسمي ، وهو التوكيل رقم ……. حرف …… لسنة ٢٠١٨ ، والمنسوب صدورها لمكتب توثيق مدينة نصر ، بأن قام باصطناعه على غرار التوكيلات الصحيحة بأن أثبتا بيعها من المدعو / ……. للمجني عليه / …… ، ومهرها بخاتم شعار الجمهورية الخاص بالجهة آنفة البيان .
٣- استعملا المحررين المزورين موضوع الاتهامات السابقة ، بأن احتجَّا بهما للاستيلاء على الأموال المملوكة للمجني عليه / …….. بأن ابتعا له السيارة على الرخصة المزورة واهمين إياه بملكيتها بالتوكيل المزور المنسوب صدوره لمكتب توثيق مدينة نصر .
٤- توصلا إلى الاستيلاء على الأموال المملوكة للمجني عليه / ……. وكان ذلك بطريق الاحتيال لسلب ثروته باستعمال طرق احتيالية ، وهي إيهامه بوجود مشروع كاذب وواقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ، وهي قيامهما ببيع سيارة مُتَحَصَّلَة من جريمة سرقة له بناء على توكيل ورخصة تسيير مزورتان ، وحصلا من المجني عليه من الأموال على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهما إلى محكمة جنيات شبرا الخيمة لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا بجلسة ٤ من مايو سنة ٢٠١٩ عملاً بالمواد ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٤ ، ٣٣٦/١ من قانون العقوبات ، وأعملت في حقهما نص المادة ٣٢/٢ من ذات القانون بمعاقبة كل من …….. ، ……… بالسجن لمدة خمس سنوات عما أسند إليهما ، وبمصادرة المحررات المزورة المضبوطة ، وبإحالة الدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة بلا مصاريف .
فطعن الأستاذ / المحامي بصفته وكيلًا عن المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض في ٢٣ من يونيه سنة ٢٠١٩ .
ثم طعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض في ٢٦ من الشهر ذاته.
ثم طعن الأستاذ / المحامي بصفته وكيلًا عن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض في الثاني من يوليو لسنة ٢٠١٩ .
وأودعت ثلاث مذكرات بأسباب الطعن ، الأولى عنه المحكوم عليه الأول في الأول من يوليو سنة ٢٠١٩ موقع عليها من الأستاذ / المحامي ، والثانية عن المحكوم عليه الأول في الثاني من يوليو سنة ٢٠١٩ موقع عليها من الأستاذ / المحامي ، والثالثة عن المحكوم عليه الثاني في الثاني من يوليو موقع عليها من الأستاذ / المحامي .
وبجلسة اليوم سمعت المحكمة المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر ، والمرافعة ، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه – بمذكرات أسبابهما – أنه إذ دانهما بجرائم تزوير محررين رسميين واستعمالهما، والنصب، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وران عليه البطلان، وانطوى على الخطأ في الإسناد ، والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه خلا من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقَّق به أركان الجرائم التي دانهما بها، ولم يستظهر الأركان القانونية لجريمة التزوير وطريقته وتاريخه والعلم به والأدلة على ثبوته ، ورَدَّ على دفعهما بانتفاء أركانها في حقهما بما لا يصلح ردًّا، وملتفتًا عن الدفع بعدم صلتهما بالواقعة ، وحسن نية الطاعن الثاني، وتساند في إدانتهما على أدلة ظنِّيَّة لا تصلح لذلك، واجتزأ من الأدلة التي عوَّل عليها ما بَرَّر به قضاءه رغم تعارضها فيما بينها، ولم يورد الحكم مؤدى أقوال الشاهد الثالث مُكْتَفِيًّا بالإحالة في أقواله إلى أقوال الشاهدين الأول والثاني، ولم تقم المحكمة بفض الأحراز الحاوية للمُحَرَّرَين المُدَّعَى بتزويرهما ، ولم تعرض هذين المُحَرَّرَين على الطاعن الأول أو المدافع عنه للاطلاع عليها، ونسبت إليه – على غير الحقيقة – أنه أنكر الاتهام في التحقيقات، مع أنه لم يُسْأل فيها ، وَرَدَّ الحكم بما لا يصلح ردًّا على دفعه ببطلان تحقيقات النيابة العامة لعدم إخطار مجلس النقابة العامة أو الفرعية للمحامين قبل الشروع في التحقيق معه بحسبانه محاميًا، وأغفل الرد على دفعه ببطلان أمر الإحالة لاستناده إلى أدلة غير يقينية ، وتناقضه ، ومخالفته لنص المادة ٢١٤ من قانون الإجراءات الجنائية، أو الرد على دفاعه المسطور الوارد بمذكرة دفاعه ، والمستندات المقدمة منه، كما أغفل الرد على دفوع الطاعن الثاني بقصور تحقيقات النيابة العامة لعدم استكتابه لمضاهاة خطه على الخط الذي كتب به المحرران المزوران، ومواجهته بالأحراز والاستعلام عن رقم التوكيل الصحيح ، وسؤال ……. ، و…….. ، كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها ، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتَّبه عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى في بيانٍ كافٍ وافٍ على نحو يدل على أنها مَحَّصَتها التمحيص الكافي وألمَّت بها إلمامًا شاملًا يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلًا، أو نمطًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة ، والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا في تفهُّم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون مُحَقِّقًا لحكم القانون – كما جرى به نص المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية- ، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدَّث الحكم صراحة واستقلالًا عن كل ركن من أركان جريمة التزوير، ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير يتحقَّق متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غُيِّرَت الحقيقة فيه، واستخلاص هذا القصد من المسائل المُتَعَلِّقَة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع، وفي ضوء الظروف المطروحة عليها، وأن استخلاص تاريخ وقوع التزوير من ظروف الدعوى والأدلة القائمة فيها هو من شأن قاضي الموضوع وحده. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه واقعة الدعوى، واستعراضه لأدلتها، وفي رَدِّه على دفع الطاعنين بانتفاء أركان جريمة التزوير أن ما ثبت في حقهما هو أنهما في غضون عام ۲۰۱۸ زوَّرا بطريق الاصطناع رخصة تسيير للسيارة رقم …….. ملاكي بني سويف المُبَلَّغ بسرقتها ، منسوب صدورها لوحدة مرور بني سويف باسم مالكها الأصلي / ……. ، وتوكيلًا بالبيع من الأخير منسوبًا صدوره إلى مكتب توثيق مدينة نصر بطريق الاصطناع على غرار الصحيح منهما، وأن ذلك كان بقصد الادعاء بصحة ملكيتهما للسيارة، ثم قام الطاعنان بموجب هذين المحررين المزورين ببيع السيارة للمجني عليه / ……. بمقابل مادي – وهو ما تتوافر به جريمة التزوير في محررين رسميين بركنيها المادي والمعنوي ، وبما يتَّفِق وصحيح القانون، ويكون ما أورده الحكم سائغًا في اطِّرَاح الدفع سالف البيان، ومن ثم، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بانتفاء الصلة بالواقعة ، وحسن النِيَّة مردودٌ بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًّا طالما كان الرد مستفادًا من أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة وأوردتها في حكمها، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون مقبولًا. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يُكَوِّن عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها، إلَّا إذا قيَّده القانون بدليل مُعَيَّن ينص عليه، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقًا خاصًا، وإنما ترك للقاضي أن يكوِّن اعتقاده فيها دون التقيُّد بدليل مُعَيَّن، وكان تقدير الدليل موكولًا إلى محكمة الموضوع ، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه ، فلا مُعَقِّب عليها في ذلك، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتَّبه عليها من ثبوت مقارفة الطاعنين للجرائم المسندة إليهما، فإن ما يثيره الأخيران في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلًا في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود ، وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ، ولها أصلها في الأوراق، وأن الأحكام لا تلتزم – بحسب الأصل – أن تورد من أقوال الشهود إلَّا ما تقيم عليه قضاءها، ولها أن تجزئ الدليل المقدم لها ، فتأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تثق فيه من تلك الأقوال ؛ إذ المرجع في هذا الشأن إلى اقتناعها هي وحدها، وإذ كان البيِّن من الحكم المطعون فيه أنه بيَّن مضمون أقوال شهود الإثبات والاستعلامين الواردين من إدارة مرور بني سويف ومكتب توثيق مدينة نصر – وكان الطاعنان لا يجادلان في أن ما حصَّله الحكم منها – له أصله الثابت في الأوراق ، فإن الجدل في ذلك توصُّلًا إلى إثارة الشبهة في تلك الأدلة هو من الأمور الموضوعية التي لا يجوز إثارتها أمام محكمة النقض. لما كان ذلك ، وكان تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم ، أو تناقض رواياتهم في بعض تفصيلاتها – بفرض حصوله – لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ، ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه ، ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن به إليها في تكوين عقيدته ، ومن ثم ، فلا محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ، ولا في تعويله في قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات بدعوى تضارب أقوالهم ، فذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر مادامت أقواله مُتَّفِقَة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان الطاعن الأول لا يجادل في أن أقوال الشاهد الثالث مُتَّفِقَة مع أقوال الشاهدين الأول والثاني التي أحال عليها الحكم، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولًا. لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على المحرر محل جريمة التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة؛ لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهري من إجراءات المحاكمة في جرائم التزوير يقتضيه واجبها في تمحيص الدليل الأساسي في الدعوى اعتبارًا، بأن تلك الورقة هي الدليل الذي يكمل شواهد التزوير، ومن ثم ، فإن عرضها على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور المدافع عن الطاعن الإبداع رأيه فيها ، وليطمئن إلى أن الورقة موضوع الدعوى هي التي دارت مرافعته عليها، إلَّا أنه لما كان الثابت من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها، أن المستندات محل التزوير مرفقة بأوراق الدعوى غير مُحَرَّزة، وهو ما يتأدى منه أن تلك المستندات كانت معروضة على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور الخصوم، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الخطأ في الإسناد – بفرض وقوعه – لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، فإنه لا يجدي الطاعن الأول ما ينعاه على الحكم أنه أورد على خلاف الحقيقة أنه أنكر التهمة في التحقيقات مع أنه لم يُسْأل فيها ؛ إذ أن ذلك بفرض صحته لا يتَّصِل بجوهر الواقعة، وليس بذي أثر في منطق الحكم، ولا في النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير قويم. لما كان ذلك، وكان ما أوردته المادة ٥١ من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٨٣ من وجوب إخطار مجلس النقابة العامة أو مجلس النقابة الفرعية قبل الشروع في تحقيق أية شكوى ضد محام إنما هو إجراء تنظيمي ، لا يَتَرَتَّب على مخالفته بطلان التحقيق، ومع هذا فقد عرض الحكم لهذا الدفاع ، واطَّرَحه في منطق سائغ، ومن ثم، يكون منعى الطاعن الأول في هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن أمر الإحالة هو عمل من أعمال التحقيق ، فلا محل لإخضاعه لما يجري على الأحكام من قواعد البطلان، ومن ثم ، فإن القصور في أمر الإحالة، أو الخطأ الذي يشوب بياناته لا يُبْطِل المحاكمة ، ولا يؤثر على صحة إجراءاتها ؛ إذ إن إبطال أمر إحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع بعد اتصالها بها يقتضي إعادتها إلى مرحلة الإحالة، وهو أمر غير جائز ؛ باعتبار تلك المرحلة لا تخرج عن كونها جهة تحقيق ، فلا يجوز إعادة الدعوى إليها بعد دخولها في حوزة المحكمة، مما يكون معه نعي الطاعن الأول في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ذلك ، وكان من المقرر انه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحًا مُحَدَّدًا، وكان الطاعن الأول لم يبيِّن ماهية أوجه الدفاع المسطورة التي أبداها في مذكرته ، ومضمون المستندات التي قدَّمها وأغفل الحكم التعرض لها؛ حتى يتَّضِح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولًا . لما كان ذلك، وكان البيِّن من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني لم يثر ما يدَّعيه من وجود نقص في تحقيقات النيابة العامة ، ولم يطلب من محكمة الموضوع تدارك هذا النقص، فإنه لا يحق له من بعد أن يثير شيئًا عن ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض ؛ إذ هو لا يعدو أن يكون تعييبًا للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سببًا للطعن في الحكم. لما كان ما تقدَّم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلًا وفي الموضوع برفضه .