محقق الهوية الأخير

بقلم:محمود  حسن
منذ ميلاد الإنسان وهو يحمل هوية شخصية له وذلك لإثبات وجوده في ظل القانون وتوفير الأساس للحفاظ على العديد من حقوقه مع تحمله لتبعة تصرفاته ومسؤوليته الجنائية عنها فالهوية الشخصية تعرف شخصًا بشكله واسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده وبالرغم من كل شئ كانت صور السلوك الإجرامى تتسم بالبساطة والوضوح حيث كان يكفي لإكتشافها وإسنادها إلى مرتكبيها إستخدام وسائل الإثبات التي تعتمد على الإدراك الحسي المباشر كالإعتراف ،شهادة الشهود والقرائن، وإزاء تطور أساليب إرتكاب الجريمة أصبح إكتشاف الجناة أمرًا عسيرًا مما دعى لإستخدام وسائل علمية حديثة فى البحث الجنائى للكشف عن مرتكب الجريمة وإثبات غموضها بوسائل التقنية الحديثة ومن ضمنها البصمة الوراثية حيث لكل إنسان طبيعة جينية لا يشاركه فيها إنسان آخر وهى البصمة الوراثية وذلك كونها أصبحت وسيلة فعالة فى مجال البحث العلمى عن الحقيقة وإثبات الجريمة ونفيها بدقة تامة وفى إثبات الأبوة الطبيعية فى قضايا النسب حيث توجد فى جسم كل إنسان بطاقة لا يمكن تزويرها فتحول مجال البحث الجنائى إلى أعلى تقدم سنة 1985 وذلك وقت اكتشاف البصمة الوراثية من قبل عالم الوراثة الإنجليزى ” أليك جفرى ” فى جامعة ليستر بإنجلترا عندما أجرى فحوصًا لجينات الإنسان فإكتشف ذلك الجزء المميز فى البصمة الوراثية D N Aوهو المميز لكل شخص مثل بصمات الأصابع وهو ما يعتبر محقق الهوية الأخير لما له من مادة إثبات قوية فى معرفة الجناة مرتكبى الجرائم كون لكل شخص بصمة وراثية خاصة به تميزه عن غيره من الناس، ولا تتشابه بصمتان لفردين تكاد تكون منعدمة بينما فى حالة وجود توأم متطابقين أحادى البويضة ويقول الله تعالى ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) من سورة الذاريات الآية 21.
” البصمة الوراثية ” هي تلك الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان بعينه والتي تحملها الجينات أو الجينوم البشري وتعرف أيضا بالشفرة الوراثية كونها تعين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من الحمض الجيني لتحديده، فهى وسيلة لا تكاد تخطئ فى التحقق من الشخصية ولا سيما فى مجال الطب الشرعى لأنها لا تقبل الشك مما جعله الوسيلة المتعارف عليها فى كافة المحاكم لأن الجانى فى الغالب يترك آثار آدمية فى مسرح الجريمة أو على جسم المجنى عليه فى صورة سائل منوى أو بصيلة شعر أو حتى اللعاب المتروك على عقب السيجارة أو بصق أو جلد بشرى تحت أظافر المجنى عليه أو دم نتج نتيجة جرح تسبب فيه المجنى عليه له، فبصمة الحامض الجينى وسيلة إثبات ونفى قوية للوقوف على هوية الجانى.
فالإثبات الجنائى يتمتع بذاتيته الخاصة فى الإثبات فالقاضى الجنائى عليه واجب الكشف عن الحقيقة المطابقة للواقع، والأمر بتكملة الأدلة غير الكفاية أو إتخاذ أى إجراء يراه مناسبًا لكشف الحقيقة ومن هنا فرض إستخدام الطبيعة الجينية فى الإثبات الجنائي كضرورة للإلتجاء المتزايد إلى الوسائل العلمية الحديثة لكشف الجرائم وإقامة الدليل على مرتكبيها.
فالقاعدة هى سيادة مبدأ حرية الإثبات الجنائى أى عدم التقيد بأدلة معينة فى الإثبات بحيث تستطيع المحكمة الجنائية أن تكون عقيدتها إستنادًا إلى الأدلة التى تفحصها وتقدر قوتها فى الإثبات أثناء نظر القضية أما بثبوت الواقعة أو نفيها وهذه النتيجة لا تقوم إلا بعملية عقلية منطقية.
وعليه بدأت الدول المتقدمة تعطى اهتمامًا كاملاً للبصمة الوراثية وذلك عن طريق تنظيم سجل قومى للبصمة الوراثية للأفراد لمساعدتها على معرفة هوية مرتكب الجريمة وعليه قام مكتب التحقيقات الفيدرالى بإنشاء ” سجل قومى لعينات البصمة الوراثية “.
لذا البصمة الوراثية دليل فنى فى نفى أو إثبات لصاحب الأثر فى الجريمة والإلتجاء إليه ضرورة لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة لمعرفة الفاعل، وأهمية هذا الدليل تتزايد يومًا بعد يوم على أثر التقدم العلمى والتكنولوجى الهائل فى التقنية الحديثة التى أصبحت تساعد بشكل فعال فى الكشف عن الحقيقة، لا سيما مع تكاثر عدد الجرائم التى تستلزم مهارة خاصة للوقوف على هوية مرتكبها بعينه.

زر الذهاب إلى الأعلى