ما مدى توافر سبق الإصرار في القتل العمد؟
كتب: عبدالله رماح المحامي
الجرائم العمدية: هي تلك التي يقترفها الفاعل وهو عالم بحقيقتها الواقعية وعناصرها القانونية ويعتبر القتل العمد من الجرائم العمدية التي يتطلب فيها القصد الخاص وهو نية إزهاق الروح لذلك فجريمة القتل العمد هي من جرائم القصود الخاصة.
وهو توافر نية إزهاق الروح لدي الجاني لحظة ارتكابه الجريمة، وفي الآونة الأخيرة ومع ظهور جرائم القتل بكثرة علي الساحة القانونية وانتشارها بشكل كبير تتضح لنا إشكالية هامة وهي ظرف سبق الإصرار وتوافره في تلك الجرائم وجنايات القتل.
وكثيرا ما ترى فيها توافر الظرفان معا وهما ظرف سبق الإصرار وظرف الترصد فإذا تواجد الظرفان واكتملت أركانهما جعلوا العقوبة في أوجها الأقصى ويمكن لظرف أن يتوافر دون الآخر أو توافر الاثنين معا ولكن نادرا ما نرى توافر أحدهم بدون الآخر ولكن غالبا ما نري الترصد إلا ويسبقه سبق إصرار
إلا أن محكمة النقض أتت في حكم من النوادر جعلته باكورة لفصل الظرفان وأكدت علي عدم توافر ظرف سبق الإصرار علي الرغم من توافر ظرف الترصد في واقعة مأمور البداري الشهيرة.
ولكون هذان العنصران من الظروف المشددة للعقوبة فتواجدهم يجعل العقوبة الإعدام كما هو موضح من نص المادة 230 عقوبات :كل من قتل نفساً عمداً مع سبق الإصرار علي ذلك أو الترصد يعاقب بالإعدام .
وكذلك المادة 231 عقوبات : الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحه أو جناية يكون غرض المصر فيها إيذاء شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا علي حدوث أمر أو وموقوفاً علي شرط .
وكذلك المادة 234 عقوبات : فقره (1) من قتل نفساً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد، ومن خلال ما سبق استيضاحه أن سبق الإصرار هو القصد المصمم عليه وهو أن يقصد الجاني ارتكاب جريمته قصداً في تصميمه وهو ما يطلق عليه دائما ما بين سطور، قضايا القتل هو عقد العزم وبيت النية علي ارتكاب الجريمة، وما تسفر عنه حيثيات أحكام القتل بصفة مستمرة عن عدم
استيضاح عنصر سبق الإصرار وما يكون تأسيساً وتأكيداً في دق مسمار اقتلاع الحكم ونقضه بل هو أحد أهم أسباب النقض علي الإطلاق لأن سبق الإصرار الذي بني عليه الحكم هو ليس مسألة مادية نستطيع أن نقيم عليها الدليل وإنما نستخلصه من الظروف والملابسات المحيطة بالواقعة وشخص مرتكبها وللتوضيح أكثر يمكن الاستخلاص من الظروف الاجتماعية والثقافية والدينية ووضع الشخص الاجتماعي في المجتمع الذي ينتمي إليه بين ذويه لأن لكل واقعه ظروف تختلف عن الأخرى بأشكال وخبايا مختلفة عن سابقتها.
وترديداً لما ثابرت عليه النقض من أن قصد القتل أمراً خفيا لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوي والإمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه.
فمجرد الإطلاق من سلاح ناري قاتل بطبيعته وإن تعددت الطلقات لا يعني بذاته توافر نية القتل وأن كل هذا لا يعدو ترديداً للأفعال المادية التي أتاها المطعون هذا ولا يفيد في ثبوت قصد إزهاق الروح. (طعن 1678لسنه 62ق جلسة20/3/2001ص249 )(طعن 2271 لسنة 52 جلسة 16 / 11 / 1982_س82_183_887)
كما أن لسبق الإصرار عنصران مهمان لا تقوم قائمه بدونهم وهما العنصر النفسي والعنصر الزمني، والعنصر الزمني هو الوقت أو المسافة الزمنية ما بين العزم علي الفعل وارتكابه أما العنصر النفسي فهو التفكير الهادي المتروي بعيدا عن ثورة الغضب والانفعالات.
لكن الفترة الزمنية لم تكن محددة بوقت معين وإنما هي الفترة التي يكون الشخص فيها هادئ أو هي الفترة الكافية للهدوء وتوافر سبق الإصرار قد لا يختلف كثيراً سواء كبر الزمن أو صغر فإذا لم يتيسر له التدبر والتفكير وارتكب جريمة وهو تحت تأثر عامل الغضب والهياج فلا يكون سبق الإصرار متوافر.
إذا كان ما أثبته الحكم في صدد سبق الإصرار لا يفيد أن المتهمين كانوا وقت الحادث في حالة هدوء وأن تفكيرهم في ارتكابه لم يكن في ثورة غضب فإنه يكون قاصراً البيان بما يوجب نقضه (طعن28 / 3 / 1949 مجموعة القواعد القانونية ج7ق851ص816).وذلك ما ورد ذكره في واقعة مأمور البداري الشهيرة التي ما دام فيها المأمور علي تعذيب أحد الأفراد بصفة مستمرة هو وآخر فما كان منه إلا أن عقد العزم وبيت النية وترصد له وقتله في مكان اعتاد السير فيه إلا أن محكمة النقض رأت أن المتهم لم يكن في حاله تروي وتفكير هادئ البال وإنما أراد ذلك للخلاص مما حدث له من تعذيب وما ينتظره لذلك استخلصت الهيئة من ذلك عدم توافر سبق الإصرار.
وذلك ما أرسته المحكمة العليا محكمه النقض أن ظرف سبق الإصرار يستلزم أن يكون لدي الجاني الفرصة ما يسمح له بالتروي والتفكير المطمئن فيما هو مقدم عليه، فمن أوذي وأهيج ظلما وطغياناً وأنزعج من توقع تجديد إيقاع الأذى به، فاتجهت نفسه إلى قتل معذبه، فهو فيما أتجه من هذا الغرض الإجرامي الذي يتخيله قاطعاً لشقائه يكون ثائراً مندفعا لا سبيل له إلى التبصر والتروي والأناة، فلا يعتبر ظرف الإصرار متوافرًا لديه إذا هو قارف القتل الذي اتجهت إليه إرادته .
(5 /12 1932 مجموعة القانونيه ج30ق46ص45)